أشاد الشاعر والروائي المغربي الطاهر بن جلون بتظاهرة "بحور الشعر" التي نظمتها دار الشعر في تطوان، خلال شهر غشت الجاري، في شاطئ المضيق. وقال الكاتب الشهير، الذي حل ضيفا على هذه التظاهرة، في دورتها الثانية، إنها مبادرة تعيد ربط الشعر بالشارع وبالشاطئ، وتعيد الكاتب والشاعر إلى الناس، وتجعله متجذرا في الحياة مقيما فيها، ولا يقف على هامشها، أو خارج نبضها اليومي. وأشار الطاهر بن جلون، الذي اختتم موسما شعريا زاخرا لدار الشعر بتطوان، إلى أن تجربته الشعرية إنما ارتبطت بالحرية منذ البداية. فقد تعرض بن جلون لاعتقال تعسفي لأسباب سياسية جعلته يواجه مختلف ضروب التعذيب والإهانة. "وكان من الممكن أن لا نغادر السجن، وأن نفارق الحياة داخله. ولذلك فكرت في ضرورة الكتابة، في ما يشبه وصية أو شهادة، أن أقول كلمتي"، يقول صاحب رواية "ّتلك العتمة الباهرة" و"ليلة القدر" و"طفل الرمال" وروائع رواية أخرى، والذي كتب الشعر قبل ذلك، ونشر مجموعة من الدواوين الشعرية، قبل صدور مختارات من أعماله الشعرية في فرنسا. وعن تجربة كتابة الشعر داخل السجن، أوضح الفائز بجائزة "الغونكور" سنة 1987 أنه كان يتوجب عليه داخل السجن أن يقول الأساسي فقط، وأن لا يكتب إلا ما هو جوهري. ولذلك فلن يكون هذا الجوهري سوى الشعر. إلى درجة انه كان ثمة غموض مقصود في النصوص الشعرية التي كتبها الشاعر ضمن هذه التجربة الإنسانية الفاصلة، كما عاشها في تلك المرحلة. وارتباطا بفضاء المكتبة الشاطئية، نبه الطاهر بن جلون إلى أننا نعيش بالفعل مرحلة خطيرة، بسبب انعدام القراءة، في مقابل ضغط وسائط الاتصال الجديدة ومواقع التواصل الاجتماعي، التي همشت الكتاب. وبهذا، أصبحنا، حسب الكاتب، مجرد مستهلكين لمعرفة تقنية آنية، لا تقدم لنا القيم الموجودة في الشعر والروايات مثلا، حيث يتقاسم معنا الكاتب خياله، ويحفزنا في الآن ذاته على التخييل والإبداع ومعانقة الحرية والسفر التخييلي إلى عوالم واقعية أو مفترضة. وهنا، استحضر الكاتب رائعة ماركيز "مائة عام من العزلة"، وهو يعتبرها نصا لا بد منه لمن أراد الذهاب إلى كولومبيا مثلا. بل هي عنده "أهم دليل سياحي نحو كولومبيا، لا يقدم فكرة عن البلد وجغرافيته... بل ينفذ إلى روح الشعب الكولومبي". والشاعر الحقيقي، بحسب الطاهر بن جلون، "هو الذي يكشف عما لم يفكر فيه الآخرون، ومهتمه فضح الأشياء". كما أن الكاتب هو "مؤرخ أحلام الشعوب، الذي يدون أحلامنا"، يضيف الروائي والشاعر المغربي. وهو يرى أن الإبداع يعطينا إشارات لكي يلتقطها المجتمع ويتحرك. وقد كتب الطاهر بنجلون الشعر داخل السجن، قبل خمسين سنة من اليوم، فلما غادره واجهه الناس بسؤال ماذا تكتب الآن؟، ليجد نفسه مضطرا إلى الكتابة، ومضطرا إلى أن يحكي أشياء جديدة، فانطلق من مدينته فاس، ليكتب رواية "حرودة"، وليواصل كتابة الرواية والشعر حتى اليوم، مرتبطا بكل القضايا التي يواجهها في مجتمعه وفي العالم الذي يحيا فيه. ومن هنا كان كاتبا عالميا حل ضيفا على المكتبة الشاطئية في مدينة وادي لو، وضيفا على تظاهرة "بحور الشعر" التي تنظمها دار الشعر بتطوان وتستمر إلى غاية 12 غشت الجاري. وكانت الشاعرة وفاء العمراني قد افتتحت "بحور الشعر" بقراءة نصوص شعرية تنتمي إلى مراحل مختلفة من تجربتها الشعرية الزاخرة، كما تفاعل جمهور الشعر وبحوره مع الشاعرة الزجالة ثورية القاضي والشاعر الشاب عثمان الدردابي، ومع إيقاعات العازفَين إدريس نيغرا وعلي الدامون. وشهد اليوم الثاني من التظاهرة تنظيم ورشة في الصباغة والتشكيل، لفائدة الأطفال والشباب، كما تم تنظيم مسابقة في إلقاء الشعر لفائدة الشباب، الذين ألقوا قصائد شعرية تتغنى بالبحر، لكل من إيليا أبو ماضي ومحمود درويش، وذلك أمام لجنة تحكيم متخصصة. وتتواصل المكتبة الشاطئية مشرعة في وجه محبي القراءة وعشاق الشعر إلى غاية 12 غشت الجاري، في شاطئ المضيق، لتسدل الستار على سنة من التظاهرات الشعرية المنتظمة والمتواصلة، تلك التي نظمتها دار الشعر بتطوان في تسع مدن مغربية إلى حد الآن.