أكد المؤرخ المغربي الكبير، محمد القبلي، مدير المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، أن الصحراء هي التي أنجبت المغرب الأقصى وليس العكس. جاء ذلك في حفل تكريم عميد المؤرخين المغاربة في "خيمة الإبداع" ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي في دورته الأربعين. وأبرز محمد القبلي، في كلمته عشية الخميس بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، أن ميلاد المغرب الأقصى في العصر الوسيط جاء على يد القبائل المرابطية، التي أقامت دولتها بالمغرب انطلاقا من الصحراء المغربية، ليغدو معبرا قارا نحو كل من أفريقيا وأوروبا على مدار قرون. وأوضح محمد القبلي أن الصحراء بهذا المعنى هي التي أنجبت المغرب وصاغته ككيان جغرافي وسياسي وثقافي مستقل ومتكامل قبل أن تدمجه في إفريقيا والمجال المتوسطي، مؤكدا في هذا الإطار أن أي جدل ينشأ حول مغربية الصحراء هو خارج السياق التاريخي بالمرة. وأشاد مدير المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب بجامعة المعتمد بن عباد الصيفية، معتبرا أنها تنوب اليوم عن بعض الجامعات التقليدية، التي تظل حاضرة في الذهن ولو على مستوى المشاعر والوجدان. وقال القبلي إن جامعة المعتمد بن عباد أصبحت في الواقع منتدى أعلى للثقافة بالمعنى الشامل للعبارة. وتوقف المحتفى به عند الدور الثقافي الذي تلعبه هذه الهيأة الثقافية في ظل غياب مجلس أعلى للثقافة، مشيرا إلى أن الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، محمد بن عيسى، ترك بذرة هذا المجلس لما كان يتولى شؤون وزارة الثقافة، ولكن لم يأت من يفعل هذا المشروع، الذي كان على رأس الأولويات في ذلك الوقت. وذكر محمد القبلي أن مشروع المجلس الأعلى للثقافة احتل مقام الصدارة لسنين، وكان هو في هذا الإبان على رأس اللجنة الوزارية المشرفة على وضع خطوطه العريضة منذ بداية التسعينيات من القرن الفائت، كما نظمت في إطار الإعداد له ندوة كبرى حضرتها أسماء مهمة في مجال الفكر والثقافة، غير أن المشروع ظل يراوح مكانه، ولم ير النور حتى الآن. وقال المؤرخ المغربي العميد إن الإطار الحالي للمنتدى الأصيلي قد وظف أفضل توظيف لتناوله قضايا الحاضر والماضي، ليس بالنسبة لشمال البلاد، ولا فيما يخص المغرب فقط، وإنما أيضا على المستويين المتوسطي والقاري. وأثنى القبلي على أهمية الندوة الدولية الأولى، التي خصص موسم أصيلة الثقافي موضوعها للاندماج الإفريقي، مبرزا أن التاريخ قضى بهذا الاندماج منذ الإعلان عن ميلاد المغرب الأقصى ككيان جغرافي وسياسي وثقافي منفتح على محيطه القاري والمتوسطي ومتفاعل معه. وقد شارك ثلة من خيرة المؤرخين المغاربة في تكريم محمد القبلي، الذي رأى النور عام 1938 بالدار البيضاء، وتخرج من جامعة السوربون في تخصص الآداب والتاريخ والدراسات العربية الإسلامية، وتولى عمادة كلية الآداب بالرباط، ثم رئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، قبل أن يصبح مديرا للمعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب عام 2005.