بقلم: د. رشيد لزرق لا يمكن للمتتبع للشأن العام أن لا تستوقفه جملة العثرات التي تتجسم معيقة لتطور مغرب المؤسسات، والمستغرب فعلا هو المنطق الذي يستند إليه مجموعة من المناضلين الحقوقيين الناشطين وطنيا ودوليا في تدبير مبادراتهم في الدفاع عن مغرب المؤسسات ودولة الحق والقانون وفي اختيار النوازل والشؤون التي يقررون المساهمة فيها. سيرى المنافحون عن دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات أن مبادرة تأسيس تنسيقية أصدقاء بوعشرين وبعدها لجنة "الحقيقة والعدالة" يمكن فعليا أن تساهم في بناء صرح قضاء مستقل يحمي المغاربة من بطش أزمنة الأزمة و استقواء السلطوية؟ بأي شكل وبأي وسائل وبأي منطق؟ لقد تناسى ديمقراطيو الدعم الدولي وديمقراطيو المصالح والمواقع و المؤلفة قلوبهم من الوافدين الملتحين أن لجنة تنسيق من أصدقاء خالد عليوة قيادي الاتحاد الاشتراكي جعلت مغادرته السجن لزيارة أمه مقررا قضائيا مكتسباً لقوة الشيء المقضي به في منظومة "القضاء الحر والنزيه"، وتناسوا أن جامع معتصم قيادي العدالة والتنمية بتنسيقيته الحزبية خرج من السجن إلى القصر بقرار اداري بقوة مقرر قضائي. فهل سيساهم "الديمقراطيون" الطاهرون المثاليون الذين لا يأتيهم الباطل من جانب، في تحقيق أحلام المدينة العادلة بترسيم الدفاع عن المتهمين بالضغط على القضاء وإرباك الأسس الهشة لنزاهة واستقلالية القضاء، وأليس في هذا ظلم للمعنيين وحرمانهم من حقهم في إثبات براءتهم ولننطلق بعد ذلك في تنظيم سوق التنسيقيات المفجرة للقانون وللمؤسسات دون الحديث عن الدستور . المتهم توفيق بوعشرين مواطن مغربي، يدافع عنه ويؤازره جهابذة قانونيين من نقباء ومحامين حقوقيين، يملأون الفضاء بتصريحاتهم وآرائهم واجتهاداتهم، كما للمشتكيات حظهن من الدفاع والمؤازرة والاعلام والتصريح ، فلماذا تختارون أحد الطرفين ، وبماذا لا تفعلون العدل الذي بنيتم عليه قوانين اشتغالكم وتفعلون حق الطرفين في مؤازرتكم المقدسة ، فنراكم غدا تُطعمون الطرفين بطروحاتكم الحقوقية وتدفعوا بالطرفين في اتجاه العدل أولا وثانيا وثالثاً . وأرى أن دوركم الفعلي والذي ينسجم أكثر مع مسا ركم النضالي هو تقريب فكرة الاتجار بالبشر إلى عقل المغاربة ليستفيدوا من فلسفة جنائية جديدة ، تحارب الدعارة وحمايتها وتسهيل استشرائها ، وتحارب الاستباحة المريضة لأجساد المستضعفين اجتماعيا واقتصاديا، وتحموا مجتمعاتنا من تطبيع مسموم مسكوت عليه يقبل بالاستعباد الرضائي الذي تعيشه النساء وكل الفئات الهشة لصالح قوي مشغل كان أو غيره من أجل تحقيق ارتقاء اجتماعي ، وظيفي أو مالي . لأول مرة ربما أحس بالتعاطف مع المشتكى به توفيق بوعشرين ، لقد أصبح الرجل ومحنته مطية لكل صاحب أجندة أو مكيدة أو مشروع معطل اتجاه طرف معين ، والضحية الكبرى هي فكرة دولة المؤسسات والأجيال الجديدة من المستضعفين المغاربة الذين ستتاجرون من جديد في مستقبلهم وأحلامهم وقوت أبنائهم .