تخفي العديد من «ديور البوليس» بالدار البيضاء خلف جدرانها قصصا مريرة لأسر متقاعدين وأرامل وأيتام تتهددهم في يوم وحين أحكام قضائية بالإفراغ من مساكنها المكتراة أو الوظيفية، حيث تحولت حياة من سهروا في عز شبابهم وعافيتهم على أمن الناس إلى كابوس يومي، يقض مضجعهم ويزعزع استقرارهم، ويصبح انتظار مصير التشرد والضياع هو شغلهم الشاغل أمام الهموم الأخرى. اختار سكان العمارة «ج» أو ما يعرف ب«ديور البوليس» بحي دار لمان بعين السبع، أن يغادروا طواعية شققهم صبيحة في عدة مرات، ويقفوا بنسائهم وأطفالهم وشيوخهم على رصيف شارع علي يعتة. لم يكن هذا الخروج الجماعي لعشرات من متقاعدي وأرامل وأيتام الأمن الوطني بغاية التنزه في يوم ربيعي مشمس, أو احتفالا بتباشير القانون الأساسي الجديد لموظفي الأمن الوطني، ولكن بدافع التعبير قلبا وقالبا عن احتجاجهم على صدور أحكام في حقهم بالأداء والإفراغ من مساكنهم، حيث توصل مؤخرا بعضهم باستدعاءات قضائية لحضور جلسات دعاوي مرفوعة ضدهم من طرف تعاضديتهم. أحكام إفراغ في دار لمان الزمان الساعة العاشرة من إحدى صباحات شهر مارس الماضي. المكان رصيف شارع علي يعتة الممتد من بناية حضانة الأطفال المهجورة بدار لمان إلى مقر الدائرة الأمنية 35 . كان المشهد العام عدد من الرجال المسنين يقتعدون كراسي واطئة، وجوقات من الكهول والنساء والأطفال يحملون الأعلام الوطنية وصور جلالة الملك، ويصطفون على شكل شريط من الأجساد خلف لافتات من الثوب الأبيض، كتب عليها بصباغة حمراء العبارات التالية :«متقاعدو الأمن الوطني بدار لمان يواجهون خطر الطرد والتشريد بعدما أفنوا عمرهم في خدمة أمن الوطن..، وينددون بسعي تعاضديتهم إلى طردهم من مساكنهم». هذه الصورة النابضة بهتافات المحتجين، التي تقاطعت فيها أصوات الغضب والتنديد، الصادحة من حناجر الكبار والصغار، أثارت انتباه العابرين للطريق على أقدامهم أو على متن الطوبسات والسيارات، ودفعت بالكثير ممن صادف مرورهم تعالي وتيرة الوقفة الاحتجاجية، أن يتساءلوا عن أسباب ودواعي خروج سكان «ديور البوليس» إلى الشارع العام للتعبير عما يتهددهم في استقرارهم ب«قبر» حياتهم. لتوضيح هذه القضية المتعلقة بحوالي 305 شقق بحي دار لمان، التي يقطنها رجال الأمن بمجموعة «ج»، يقول ميلود أحمر رئيس جمعية متقاعدي الأمن الوطني إن «العشرات من أسر البوليس استقرت منذ 1985 بهذا المشروع السكني، حيث كانت تؤدي عبر اقتطاعات من أجورهم مبالغ مالية تتراوح ما بين 375 و475 درهما إلى غاية 2005 بعد تقاعد العديد منهم عن طريق المغادرة الطوعية أو الوصول إلى سن المعاش. وفي أواخر سنة 2008 علموا بخبر تسجيل الجمعية الأخوية للأمن الوطني للشقق المذكورة في ملكيتها». «واش من ليحتو يلقمو ليه؟» بهذا المثل الدارج عبر أحد متقاعدي الأمن الوطني المحتجين عما يعتبره تسديدا كاملا لثمن الشقق من تلك الاقتطاعات الدائمة من أجورهم، فضلا عن أداء قرض سكني لحوالي عشرة ملايين سنتيم، كان يخصم أيضا من رواتبهم لفائدة الشركة العقارية صاحبة مشروع دار لمان. من هذا المنطلق يتساءل المحتجون «كيف لتعاضدية تقوم ماليتها على انخراطاتهم أن تقف ضدهم وتسعى إلى تشريدهم، بالرغم من أن دورها الاجتماعي هو مساعدتهم في السراء والضراء ». كابوس الطرد من «عمارة سيدنا» بدأت مأساة اعتصام وتجمع متقاعدي وأرامل الأمن الوطني أمام «عمارة سيدنا»، الكائنة بزنقة سقراط بحي المعاريف، تتكرر من حين لآخر، بعد توالي قرارات الغرفة المدنية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، القاضية بتنفيذ أحكام الإفراغ الصادرة ضد العشرات من الأسر بشكل فردي وفي تواريخ متفرقة، حيث أصبح توصل كل واحد من السكان بمحضر إفراغ قضائي، يعتبر بالنسبة لحوالي 47 أسرة تقطن على سبيل الكراء بعمارتي «ب و د» كابوسا مفزعا يقض مضجع الجميع، وقد أعيد نفس المشهد المؤثر أكثر من مرة عند مدخل العمارة «د 2»، لتكريس عرف التضامن الجماعي مع كل المتضررين، ومن ضمنهم العشرات مثل الشيخ «مصطفى مراد» الساكن بالشقة رقم 14 الذي عاش كابوسا مفزعا مع تكرار قرارات تنفيذ حكم الإفراغ، وهو رجل أمن متقاعد في 73 من العمر يعاني من أمراض مزمنة، قضى 38 سنة من العمل في سلك الشرطة، يتقاضى معاشا شهريا لا يتجاوز 2600 درهم، ويعيل أسرة تتكون من عشرة أبناء من ضمنهم ثلاث بنات وولد مختلين نفسيا. ما يسمى «عمارة سيدنا» هي إقامة سكنية تتكون من عمارتين «ب ود» ذات أربعة طوابق وبها حوالي 50 شقة مكتراة بموجب عقود كراء فردية ومباشرة في اسم العديد من موظفي الأمن الوطني، حيث قضى معظمهم أكثر من أربعة عقود يؤدون الواجبات الكرائية لمكتب عقاري مكلف بتدبير أملاك الملك الراحل محمد الخامس، لكنهم في المدة الأخيرة فوجئوا بالإدارة العامة للأمن الوطني تفسخ عقدين مؤرخين في 12 فبراير 1957 و 28 يونيو 1961 ، حيث صدرت أحكام قضائية ابتدائيا واستئنافيا لصالح الأميرة للا مليكة والأميرة للا عائشة وأحمد عصمان بصفتهم أصحاب هذا الملك العقاري المعروف باسم «عمارة سيدنا». أسر بوليس بورنازيل مهددة بالتشرد خمسون سنة من السكن بمنازل تابعة للأملاك المخزنية بحي مولاي رشيد بالدار البيضاء. معاشات هزيلة لا تتعدى 500 درهم شهريا. سومات كرائية تصل إلى 450 درهما لمساكن تفتقر إلى أبسط التجهيزات من بينها قنوات الصرف الصحي. وأثمنة خيالية حددتها لجنة مصغرة لتفويت هذا العقار طبقا للمرسوم رقم 243 - 99 - 2 المؤرخ في 30 يونيو 1999. بهذه الوقائع المتضادة يحاول أرامل ومتقاعدو الأمن الوطني القاطنين بحي مولاي رشيد 1 (بورنازيل) مناشدة وزير المالية للتدخل من أجل رفع الضرر عنهم، بعد استنفادهم لعدة ملتمسات وجهت إلى المديرية الجهوية بالدار البيضاء، يطالبون فيها بمراعاة الجانب الاجتماعي والمادي في تحديد أثمنة التفويت، وذلك على غرار مبلغ 1200 درهم للمتر المربع، التي تم تطبيقها على نفس الوضع بالدار البيضاء. لا تتردد هذه الشريحة من المجتمع في التذكير بتضحياتها في سبيل استثباب الأمن والطمأنينة، لكنها اليوم تتعرض للإقصاء والتهميش بالرغم من التوصيات الملكية، الصادرة مؤخرا لفائدة رجال الأمن وأسرهم، قصد تحسين وضعيتهم الاجتماعية وضمان حقوقهم. حلم يبدو في الظروف الحالية عصي التحقيق على أرامل ومتقاعدي الأمن الوطني بحي مولاي رشيد. ومآل أقرب إلى التشرد ينتظرهم بعد نصف قرن من الاستقرار في مساكن، كانوا يؤدون سوماتها الكرائية، دون أن تشفع لهم طول السنين والتضحيات المهنية في امتلاكها بأي شكل من الأشكال.