بوابة الصحراء: يونس دافقير في العاصمة البرتغالية لشبونة، ظهرت حرفية الديبلوماسية المغربية، وبدا أن فترة التأمل الوطني، التي جاءت عقب نهاية ولاية الأمين العام الأممي السابق بان كي مون ومبعوثه الشخصي إلى الصحراء كريستوفر روس، قد رسمت ملامح منهجية جديدة في تدبير التفاوض حول نزاع وحدتنا الترابية. داخل تلك القاعة الصغيرة في فندق «ألتيس كراند هوتل»، نجح ناصر بوريطة وفريقه المحاور في أن يقودوا دفة المباحثات مع المبعوث الأممي الجديد الألماني هورست كوهلر وفق التصور المغربي، سواء من حيث الشكل، أو الزمن وحتى المكان. ففي برشلونة كانت رمزية المكان تفيد أن ملف الصحراء هو بيد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الذي يشتغل تحت إشراف مجلس الأمن الدولي، وبعدما قام كريستوفر روس ب«أمركة» المهمة الأممية، لم يعد ممكنا للمغرب أن يسقط في الفخ نفسه ويذهب نحو «ألمنة» الملف، ولذلك كانت مباحثات لشبونة تعني نهاية محاولات خلق مسار جديد اسمه «مسلسل برلين». وقد كان واضحا أن اللقاء، الذي استغرق أول أمس الثلاثاء كاملا، كان مباحثات ثنائية وليس تفاوضا غير مباشر، وبذلك تكون الجبهة الانفصالية وراعيتها الجزائر قد خسرتا رهانا كبيرا، أي أن يتم جر المغرب إلى التفاوض، إما لأسباب تتعلق بالبحث عن متنفس للأزمة في تندوف، أو للدخول في مسلسل مانهاست جديد، تملؤه المناورات دون أن تكون لديه بوصلة لتوضيح مسار التفاوض. وفي لشبونة، اهتزت ورقة تمثيلية السكان التي ظلت البوليساريو تشهرها أمام المنتظم الدولي، فقد كان لحضور رئيس مجلسي جهتي العيون الساقية الحمراء، والداخلة وادي الذهب تعبير عن تغيير شامل في استراتيجية إشراك الصحراويين في تدبير النزاع حول الملف كما اعتمدها المغرب خلال مفاوضات مانهاست. يعكس مسار ينجا الخطاط ومسار سيدي حمدي ولد الرشيد نموذج عائلتين صحراويتين تختزلان روابط الصحراويين بمناورات التجزئة والتقسيم. فعائلة ولد الرشيد اختارت البقاء في المغرب والتشبث بالمسار الوحدوي. أما عائلة ينجا الخطاط، فهي نموذج لصحراويين خبروا جحيم تندوف وألاعيبه وعادوا منه إلى الوطن بعد أن اكتشفوا حقيقة الوهم الانفصالي، والأكثر من ذلك أنهم اندمجوا في مؤسساته الوطنية، وصاروا يتحملون مسؤوليات مباشرة في تدبير شؤون السكان بالأقاليم الجنوبية. وفي الأمر دلالة أخرى، في السابق كان المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية الإطار الذي تم إحداثه لإشراك الصحراويين في التفاوض، لكن «الكوركاس» ومع ما أداه من مهام لصالح القضية الوطنية، يبقى مجلسا معينا، أما رئيسا جهتي العيون الساقية الحمراء، و الداخلة وادي الذهب، فهما نتاج شرعية انتخابية شعبية، وما يتحملانه من مهام يتم بتكليف من سكان الصحراء عبر صناديق الاقتراع. ومن داخل هذه الدلالة ينبعث بعد آخر، الجهوية التي اعتمدها المغرب في صيغتها الجديدة تعطي مصداقية للحكم الذاتي، ووحدهما ينجا الخطاط وسيدي حمدي ولد الرشيد، يخبران من موقعهما كرؤساء جهويين، كيف يجري نقل الصلاحيات والموارد المالية ومخططات التنمية من الإدارة المركزية بالرباط إلى مجالس السكان في الصحراء، والجدية التي تتم بها هذه العملية، هي الجدية نفسها التي سيتعامل بها المغرب مع تنفيذ مقترح الحكم الذاتي. وقد كانت أمام كوهلر فرصة أن يستمع لما يجري على الأرض لا إلى ما تختلقه البوليساريو من ادعاءات مزيفة. منذ أن تم الإعلان عن المخطط التنموي للأقاليم الجنوبية، تم وضع العشرات من مشاريع التنمية، وتخصيص أغلفة مالية ضخمة لوضعها قيد التنفيذ، وبالتأكيد ليس هناك أفضل من رئيسي الجهتين للحديث بدقة وتفصيل في الموضوع. وقد كان لافتا في أعقاب هذا اللقاء أنه لم يعلن عن مرحلة جديدة، ولا مسلسل تفاوضي آخر. فبالنسبة للمغرب، لا يمكن الذهاب في رحلة تفاوض جديدة خارج محددات خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2017، الذي كان قد حدد فيه الملك محمد السادس محددات الموقف الوطني في أي مسلسل سياسي، أو دينامية ترعاها الأممالمتحدة. وما لا يقل أهمية هو أن هورست كوهلر سيتوجه نحو الاجتماع التأطيري في مجلس الأمن يوم 21 مارس الجاري ولديه رؤية واضحة عن الموقف المغربي، قبل عرض تقرير الأمين العام على مجلس الأمن شهر أبريل المقبل. وباختصار، سيقول كوهلر إن المغرب يرفض أي حل لقضية الصحراء خارج سيادته الكاملة على صحرائه وبعيدا مبادرة عن الحكم الذاتي، وأن المشكل كما ظهر من التجارب السابقة لا يكمن في الوصول إلى حل، وإنما في المسار الذي يؤدي إليه، ما يعني أنه على الجزائر، التي بادرت إلى اختلاق هذا النزاع، أن تتحمل مسؤوليتها كاملة من أجل إيجاد حل نهائي له. وبعيدا عن الاتحاد الإفريقي أو الأوروبي، لن تقبل الرباط بخرق الاختصاص الحصري لمجلس الأمن الدولي في تدبير هذا النزاع، وهي ترفض بشكل قاطع أي تجاوز، أو محاولة للمس بالحقوق المشروعة للمغرب، وبمصالحه العليا، ولأي مقترحات متجاوزة، للانحراف بمسار التسوية عن المرجعيات المعتمدة، أو إقحام مواضيع أخرى تتم معالجتها من طرف المؤسسات المختصة. ويمكن تشبيه نزاع الصحراء بفيلم سينمائي مطول، وعلى المشاهد أن يختار ما بين رؤية الفيلم كاملا، أو التوقف عند بعض لقطاته. وفي القضية الوطنية يحرص المغرب على المشاهدة الكاملة، ولقاء لشبونة هو لقطة من اللقطات، لكنها تقطع مع لقطات سابقة كان فيها الإخراج سيئا إلى حد ما.