بعد صراع مرير مع المرض، وعن عمر يناهز 86 سنة، توفي مساء يوم الإثنين 29 يناير 2018 بقسم الإنعاش التابع للمستشفى العسكري بالرباط ، الفنان محمد المزكلدي. في اتصال هاتفي لأحداث أنفو، أكدت زوجة الفقيد أن هذا الأخير منذ عدة أشهر تدهورت حالته الصحية، ولم يعد يقوى على الكلام ولا الحركة، ليدخل إلى إحدى المصحات الخاصة بالدار البيضاء، قبل أن يحظى بالرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وينقل إلى المستشفى العسكري بالرباط بقسم الإنعاش. مضيفة أنه فقد القدرة على الكلام،ودخل في غيبوبة،متأثرا بانسداد شرايين القلب، واختناق حاد على مستوى الصدر. " كنت معاه نهار الإثنين ،حسيت ببرودة رجليه ويديه. ولما غادرت المستشفى لقضاء بعض الأغراض، اتصلت بي الإبنة، وصرحت لي أنها توصلت برسالة قصيرة من القصر الملكي، تؤكد وفاة محمد المزكلدي.. الله يرحمه ويوسع عليه.نحن عائلته نشكر جلالة الملك نصره الله عن العناية التي منحها للفقيد..كما نشكر كل من كان يسأل عن صحته..حسب وصيته رحمه الله سيدفن بمدينة فاس". محمد المزكلدي يدأ مشواره الفني خلال فترة الخمسينات، حيث يعتبر من الجيل الأول الذي رسخ أسس الأغنية المغربية العصرية ،وأسس صرحها. وكان يتميز بعين ثاقبة في رؤية الأشياء، يختار الكلمات والألحان الجيدة، سميع ومتذوق لأعذب الجمل الموسيقية، له مؤهلات خارقة في حفظ الأشعار والنصوص الزجلية.ولد سنة 1932 بالعاصمة العلمية فاس،تربى وسط عائلة مولوعة حتى النخاع بالفن والموسيقى،وترعرع كالفراشة بين زهور المقامات الموسيقية. كسائر العائلات المغربية وقتها، فضل أبوه إلحاقه بالكتاب،تعلم داخله قواعد قراءة القرأن وحفظه، قبل وصوله سن التمدرس،حيث وجد له مقعدا داخل إحدى المدارس الإبتدائية العمومية، إلى أن أصبح شابا يافعا، ويدخل إلى جامعة القرويين. تعلم وسط حرمها أصول الدراسة الجامعية الأكاديمية،ليتخرج منها سنة 1948.رغم التزامه بالدراسة،ظل محمد المزكلدي ملتصقا ومرتبطا وقريبا من الطرب والغناء وأجواء الموسيقى،حيث شرب من منابع الطرب العربي الأصيل منذ نعومة أظافره،متأثرا بذلك بمحيطه الأسري. وبما أنه كان في مدينة اسمها فاس،تعرف على عدد كبير من الأعلام في ميدان الثقافة والموسيقى ،من نوع عبد الرحيم السقاط،أحمد الشجعي الذي كان وقتها يتحمل مسؤولية رئاسة جوق"الشعاع".وبعد فترة الإنخراط داخل هذا الجوق الموسيقي،التحق بالجوق العصري التابع للإذاعة الوطنية،بعد تأسيسه من طرف الراحل أحمد البيضاوي،ويصير مطربا به إلى جانب الفنان المعطي بنقاسم. ظل بالإذاعة الوطنية إلى أن اشتعلت أحداث دجنبر 1952،بعد اغتيال فرحات حشاد،حيث وجه إليه أول إنذار من إدارة الإذاعة،نتج عنه قرار الخصم من راتبه الشهري،قبل أن يتم طرده إبان أحداث 20غشت 1953 بأمر من الإقامة العامة،ويتخذ قرار إبعاده من طرف السلطات الفرنسية من الرباط إلى فاس. بعد هذه الأحداث، قرر محمد المزكلدي الرحيل إلى القاهرة رفقة عبد الرحيم السقاط واسماعيل أحمد.هناك بمصر استطاع الإنصهار بسرعة داخل الساحة الفنية،حيث التقى مع كبار المطربين هناك.شارك في العديد من السهرات الموسيقية. وكان أهمها برنامج "أضواء المدينة" الذي كان يذاع على أثير إذاعة مصر،رافق خلالها فرقة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ،واستعان بأغاني مغربية من كلمات الطيب لعلج،الذي كان يمده بالنصوص الشعرية من المغرب،بالإضافة إلى عبد السلام البقالي وخالد مشبال اللذين كانا متواجدين بالقاهرة حينها. من مصر انتقل محمد المزكلدي إلى سوريا،لبنان،وسجل العديد من الأغاني ،ثم عاد إلى المغرب سنة 1960 بلقب سفير الأغنية المغربية بالمشرق العربي. يقول عنه الفنان محمود الإدريسي" يعتبر الفنان محمد المزكلدي من المؤسسين للأغنية المغربية،حقا وحقيقة.مطرب بصوته وألحانه التي غناها،إلى جانب عبد الرحيم السقاط.ساهم في ترسيخ الأغنية المغربية العصرية بشكل جميل جدا، فيه الإلتزام بالطابع المغربي الأصيل. أغاني مميزة عن باقي الأغاني العربية،بإيقاعات نابعة من التراث المغربي والفنون الشعبية.كل هذا لم يأت بمحض الصدفة.أتذكر انه لما كان بمصر زار رفقة السقاط الموسيقار محمد عبد الوهاب في بيته،وبدأ يغني بعض الأغاني المصرية.بعدما انتهيا من الغناء،طلب منهما محمد الوهاب،غناء أغاني مغربية.بقاو كتشوفو بعضهم البعض،حينها قال لهما ..نصيحة مني سيرو أسسوا لأغنية مغربية خالصة". وبالفعل عند رجوعهما إلى المغرب نفذا نصيحة موسيقار الأجبال،فكانت جل أغانيهم نابعة من التراث المغربي.حيث تعامل مع حسن المفتي،وأنجزا حوالي 20 أغنية،واتفق مع إذاعة "صوت العرب" لتسجيل وإذاعة حوالي 15 أغنية،منها "فين غاب القمر"،: علاش قطعوك يالوردة،" أنا محتار"،"قنديلي ياقنديلي"،" تنسول نجوم الليل" ،"خمسة او خميس"،" مبروك مسعود"،" زهرة بلادي"،" ظلمني الحب"،"يازينة لعرايس". كما غنى المزكلدي عن مشروع بناء طريق الوحدة التي أشرف عليه المهدي بنبركة.