حساسية المنطقة جعلت سكان طنجة يضعون أيديهم على قلوبهم، وهو يتابعون رئة المدينة تحترق، باعتبار أن غابات مديونة والسلوقية وكاب سبارطيل إلى جانب الرميلات، هي ما تبقى من حزام أخضر داخل المدار الحضري لمدينة البوغاز، والمتنفس الطبيعي للساكنة، الأمر الذي فرض اهتماما كبيرا بالحرائق، التي اندلعت بهذه المنطقة، حين تعالت الأصوات من أجل حماية رئة عروس الشمال. ولم يتوقع أحد أن الحريق الذي نشب بالغطاء النباتي لغابة مديونة، يوم الجمعة المنصرم، سيكون بداية لكارثة بيئية بمنطقة الجبل الكبير، بعدما دمرت النيران مساحات شاسعة من الغابة المذكورة، بل وانتقل الحريق بشكل هيستيري، وبدعم من رياح الشرقي، التي بلغت سرعتها في بعض الأوقات 80 في الساعة، إلى غابة السلوقية ومنها إلى كاب سبارطيل. انتشر الحريق وسط ذهول فرق الإطفاء ومعهم كل المتتبعين، الذين كانوا يعتقدون أن الإمكانيات التي تم توفيرها لمكافحة هذا الحريق، كافية للسيطرة عليه، قبل أن تتطور الأمور بشكل سريع، واستمرت جهود كافة المصالح المعنية لأزيد من أربعة أيام، من أجل تطويق الحريق دون جدوى، ويتواصل عمل فرق الإطفاء. الحصيلة ثقيلة وكارثية، بعدما تحولت أجزاء كبيرة من غابات مديونة والسلوقية وكاب سبارطيل، وهي مناطق تعني الكثير لساكنة المدينة، في ظل شح المنتزهان الطبيعية بالمدينة، إلى حزام أسود، بعدما صار الرماد يغطي المنطقة، وتتحدث بعض المعطيات عن فقدان أزيد من 150 هكتار من الأراضي الغابوية، في الوقت الذي تؤكد فيه السلطات المحلية عن عدم تسجيل أي خسائر بشرية. وسجل مرصد حماية البيئة و المآثر التاريخية بطنجة، في بيان أصدره أول أمس، "استياءه من تعاطي الإدارات العمومية من ولاية و مندوبية المياه والغابات و محاربة التصحر و الوقاية المدنية مع هذه الكارثة و التي لم تعرها الاهتمام الكبير في لحظاتها الأولى و عدم مواكبة الحريق بما يلزم من اجراءات"، وفي الوقت نفسه أعرب عن "تقديره الكبير للمجهودات الجبارة للفرق الميدانية التي تعمل على امتداد ساعات الليل و النهار و تسابق الزمن في ظروف جوية صعبة و قلة الوسائل المادية". وطالب المرصد بالعمل على "تنصيص منطقة مديونة و السلوقية و الرميلات كمنطقة خضراء ومحمية طبيعية ضمن مشروع تصميم التهيئة الحالي للمدينة"، مع "الالتزام بإعادة التشجير الشامل للمنطقة المنكوبة في أقرب الآجال مع ضرورة نزع الملكية من الخواص و تحفيظ الغابة كملك للدولة المغربية"، بعدما أعلن المرصد "تخوفه من أن تكون الحرائق الجارية هو فصل جديد من فصول الإجهاز على غابات المدينة".