لم يحضر المعطي منجب، المقدم للمشاهدين في برنامج نقاش على قناة فرانس 24 أمس، بصفته حقوقيا ومؤرخا، من خلفية المعرفة العلمية والتحليل الرصين، بل من بوابة المعارض المتحدث في كل شيء، والموجه لسهام الانتقادات إلى الدولة والعملية الانتخابية والأحزاب والحياة الديمقراطية في المغرب بالكثير من «الشطط» والتجاوز. لم نسمع من المعطي منجب، الرئيس السابق لمعهد ابن رشد أي منطق أو تحليل منهجي لما جرى خلال الستة أشهر الماضية، عندما كانت المؤسسات مشلولة تحت وطأة البلوكاج. تدخلات المعطي منجب، المشارك في البرنامج من الرباط عبر الأقمار الصناعية بمعية الباحثين يونس لهلالي وعمر لمرابط، كشفت عن سطحية المعرفة السياسية لديه، وفضحت نية مبيتة في الهجوم على المنهجية الديمقراطية والمؤسسات بشكل سافر. أولى مداخلات المعطي منجب، غالطت المشاهدين وهي تتهم القصر بهندسة البلوكاج في ترديد «بباغاواتي» مستسهل لشعارات تنتمي لمعجم سياسوي معروف، كان يريد أن يفرض على المغاربة حكومة تشكل وفق رؤية ديماغوجية، ألغاها خطاب دكار. على المنوال نفسه، نسج المعطي أطروحته في باقي المداخلات، معتبرا أن تعيين سعد الدين العثماني «الأقل قيمة تراتبيا» من ابن كيران هو خطة من الدولة «لتقزيم حزب المصباح، في الوقت الذي لا تعكس النتائج التركيبة الحكومية»، في قراءة حسابية سطحية للمنهجية الديمقراطية ككل. بعد ذلك، انتقل المعطي منجب إلى اتهام القصر مجددا بالضغط على ابن كيران للتخلي عن منصبه، واصفا حزب العدالة والتنمية، بأنه الأضعف في التشكيل الحكومي الجديد، لأنه لم يظفر بأهم الوزارات (المالية والتعليم والاقتصاد). ردح المعطي في المهاترات السياسية، سيستمر بعد ذلك، من خلال الحصة الزمنية التي خصصت له في البرنامج. بعد التحليل السطحي والاتهام والاستسهال، انتقل إلى مستوى آخر من «العلم السياسي» أصبح فيه مطلعا على نوايا الأحداث السياسية التي لم تحدث قط. الخطبة العلمية الاستشرافية الجديدة انطلقت من القول إن «النظام يسعى إلى إبعاد البيجيدي عن التدبير السياسي»، قبل المرور إلى الإعلام واتهامه بكونه مشاركا في الضغط على حزب ابن كيران. المعطي، اتهم الاتحاد الاشتراكي بكونه مشاركا في كل هذا، بعد أن كان يرغب في المشاركة في حكومة رباعية يسيرها القصر عندما كان ابن كيران مكلفا بتشكيل الحكومة، ما شكل مقدمة لإبعاد الأخير وتعيين العثماني مكانه. المعطي، أصر على دفع الأصبع إلى الأخير في جرح إشعال الفتنة بين الدولة والعدالة والتنمية، عندما أشار إلى أن تعيين لفتيت وزيرا للداخلية لقي ترحيبا من العثماني، في حين أن قواعد حزب المصباح ترفضه، قبل أن يعود إلى صيغة أخرى من الخطاب تمسك العصا من الوسط قائلا: «إذ ما تم تهميش العثماني سيقدم استقالته، لأنه رجل نزيه». في السياق نفسه، جاء تعيين حصاد وزيرا للتعليم بهدف «إضعاف منظومة التعليم، لأنه رجل أمن بامتياز ما يجلعه (أي المعطي) متخوفا على مستقبل المغرب». اختار المعطي منجب إذن لغة لا تستند إلى أي أساس علمي، ولا ينبني على تحليل سياسي معمق للمنهجية الديمقراطية خلال حديثه عن تشكيل الحكومة في برنامج فرانس 24. اتهام حصاد بكونه رجل دولة، جاء لإضعاف قطاع التعليم تزييف للحقائق وإنكار لقدرات الرجل التي أثبتت نجاعتها، في عدة محطات تولى خلالها المسؤولية، من طنجة إلى مراكش، مرورا بإشرافه على المكتب الوطني للمطارات، الناتجة عن تكويناته العلمية والأكاديمية التي تجعله مهيئا للتعيين في مناصب قيادية لحل الأزمات. اتهام أسماء معينة من حزب المصباح بكونها مشاركة في هندسة البلوكاج وحل البلوكاج أيضا، جهل واضح بالطريقة التي ينتخب بها الحزب وزراءه، والتي يجمع الكل على احترامها للمقتضيات الديمقراطية، حيث إن الأمانة العامة هي التي تختار وزراء الحزب، من خلال اقتراع شفاف ومفتوح أمام كل القواعد. في هذا الإطار، يعلم المعطي جيدا أن البيجيدي، وبالرغم من تزعمه للأغلبية، إلا أنه لا يملك الحق في فرض وزراء الأحزاب الأخرى على هذه الأحزاب، أولا، وعلى التشكيل الحكومي، ثانيا.