"الذاكرة هي الخيال عن وعي" يقول ايمانويل كانط والراحل أحمد البوعناني يقول: "شعب بدون ذاكرة هو شعب بدون هوية". في بوح نادر يتحدث المخرج والمبدع وهو على فراش المرض من خلال الفيلم الوثيقة لصاحبه علي الصافي. وهو الفيلم الذي عرض في فوروم البرليناله الذي خصص احتفاء غير عادي لواحد من رواد السينما المغربية الراحل أحمد البوعناني. عبور الباب السابع هو الاسم الذي اختاره الصافي لفيلمه الوثائقي الذي نجح في تقريب المشاهد من الفنان المبدع البوعناني وقبل ذلك من الانسان المرهف الذي كان يتحدث عن ذكرياته والدمعة تاوية بين شفرتيه. ويبقى هذا الفيلم مبادرة شجاعة قاربت بين البوعناني الانسان والفنان وأهدت المشاهد ليس فقط المغربي بل حتى الأجنبي لمحة عن حياة شخصية مغربية كبيرة تفوقت على عصرها. كما يسلط الضوء على بعض من أعمال الراحل السينمائية وكتاباته وفلسفته في الحياة والسينما العشق الذي ظل يسكنه إلى آخر أيام حياته رغم اعتزاله الأضواء. كان البوعناني يتحدث وغصة في حلقه عن عدد من الخيانات والقتل الرمزي الذي كان يستهدفه من آلة الرقابة ومن المقربين. وهو الذي قال أن الرقابة جعلته يستغل تقنيات المونتاج. غير أن الغصة الكبيرة التي ظل يحملها البوعناني معه، هي تنكر صاحب وشمة حميد بناني له وشطب إسمه من ذاكرة التعاون الذي أثمر هذا العمل. كان البوعناني يؤمن بأن لغة السينما عالمية، غير أن الرقابة جعلته يغير رأيه وحين أتعبهم بشغبه أحالوه على الأرشيف. ولم يكونوا يعلموا أنهم يقدموا له أكبر خدمة بتأمينه على مادة أرشيفية سيعرف كيف يستغلها في أعماله السينمائية. وتبقى قصته مع الرقيب غريبة وأغربها قصة فيلم "الذاكرة 14" حيث مقص الرقيب قلص هذا الفيلم من أكثر من مئة دقيقة إلى أربعة وعشرين. وحتى هذه كانت ستضيع إلى الأبد لولا محاولة الصخيرات الانقلابية التي أنقذت هذا الفيلم من الضياع. إنها قصة أغرب من الخيال. كان مدير المركز وقتها قد هدد البوعناني بتدمير هذا الفيلم إذا لم يقص شعره الطويل وأمهله أربعة وعشرين ساعة. غير أن حظه العاثر قاده إلى الصخيرات كمدعو فقتل من ضمن من قتلوا في المحاولة الانقلابية الفاشلة. وهكذا انقذ الفيلم وظل البوعناني يحافظ على شعره الطويل. مدير فوروم البرليناله كريستوف تيرشته صرح قائلا „ما أثارني هو التعرف على شخص كان له تصوره الخاص على الشكل الذي الذي ينبغي أن تكون عليه السينما المغربية أو المغاربية بعيدا عن الطابع التجاري أو استنساخ السينما المصرية، محاولا ايجاد هوية وذاكرة مغربية ينبغي الاشتغال عليها." لقد عاش البوعناني وهو يحاول تأسيس تصور خاص به في مجال الابداع أساسه أن الذاكرة والتراكم هو العلاج لكل أعطابنا وأن كل روافدنا الثقافية هي غنى للذاكرة. من وسط البرليناله أعلنت إبنته تودة البوعناني أن بحث الراحل حول السينما المغربية إبان الحماية الفرنسية سيرى النور في الشتاء المقبل.