بعدما استبشر المكناسيون خيرا بانطلاق أضخم مشروع لتهيئة أهم شوارع المدينة بقلبها النابض "حمرية"، والذي كان سيعيد لمكناس كرامتها كمدينة للملوك، وينزع عنها صفة ونعت "المدينة القرية"، تبخر الحلم، بعد أن اكتشفوا بالملموس حجم العشوائية التي صبغت انطلاقة الأشغال.
عمليات حفر هنا وهناك، بجماعة مكناس بقيادة حزب بنكيران، واقتلاع لزليج الأرصفة المهشمة بطرق فوضوية، وبواسطة آلات ووسائل أقل ما يقال عنها أنها بدائية وتقليدية، مواطنون مكناسيون تحملوا مشقة استعمال أرصفة وجنبات طرق عارية، عانوا مع الأتربة المتطايرة، التي اقتحمت المحلات التجارية المرصوصة، وكلهم أمل أن الأيام القادمة ستأتي بالفرج، وستلبس الأرصفة حلة بديعة بعد أن اطلعوا على اللوحات الإشهارية المثبتة بجل الشوارع، والمتضمنة لتفاصيل المشروع والقائمين على إنجازه وتكلفته المالية الضخمة، لكن حلمهم سيصطدم مرة أخرى بجدار الواقع المر، بعد أن تساقطت أول زخات المطر، محولة المدينة هذه المرة إلى قرية حقيقية شبيهة إلى حد كبير بالمداشر المهمشة والمقصية بربع المغرب العميق. أرصفة غزتها الحفر الممتلئة بمياه الأمطار وأطنان الطمي "الأوحال"، التي ترافق المارة ومستعملي الشوارع إلى منازلهم ومقرات عملهم بعد التصاقها بأحذيتهم في منظر شبيه بسكان القرى النائية العائدين من الأسواق الأسبوعية في يوم مطير. مشهد وواقع مكناسي مرير، زاد أهله كآبة وتذمرا وسخطا على مسؤولين شاءت الأقدار أن يتحملوا مهمة تدبير هذه المدينة المسكينة التي تندحر في منحى تنازلي نحو التقهقر على جميع المستويات بسرعة فائقة.