خلال الندوة الدولية حول "الدين والمرأة" التي نظمتها حركة ضمير الاستشهاد بالنصوص الدينية لم يحسم النقاش، بقدر ما عمق "سوء الفهم الكبير" بين عدد من الباحثين وضيوفهم داخل فضاء المكتبة الوطنية بالرباط يومي 28-29 نونبر، ففي الوقت الذي استشهد فيه البعض بآيات تكريم النساء بحسن المعاشرة،استشهد آخرون بآيات الضرب والقوامة وتفاوت حصص الإرث، قبل أن يعرجوا على أحاديث تساوي بين النساء والحيوانات مع التشكيك في قدراتهن العقلية وتفاسير علماء تشكك في قيمتهن الإنسانية … ما بين القراءتين ظهر هامش الاجتهاد الذي اعتبره جل المحاضرين المدخل نحو الإصلاح لتقليص الهيمنة الذكورية الحاطة من مكانة المرأة داخل المجتمع، بطريقة تناقض مقتضيات الدستور وتعمق الصورة الدونية للمرأة، وذلك من خلال المطالبة بفتح باب المشاركة في التفسير والتأويل أمام مختصين من خارج المؤسسة الدينية، وباستحضار أدوات جديدة تساير التطور المعرفي الذي راكمته البشرية. الخمليشي: موضوع المرأة والدين مرتبط أساسا بالشق التفسيري
المشكل ليس في الدين لكن في طريقة تفسيره، كانت هذه خلاصة مداخلة المفكر ومدير مؤسسة دار الحديث الحسنية أحمد الخمليشي، الذي حاول تأطير أصل المشكل بإشارته إلى مراكمة تجارب إنسانية انتهت بعرف يخص طائفة معينة بفهم الدين، وهي ما أطلق عليها لاحقا رجال الدين، "هذا الإرث الإنساني وصلنا كمسلمين فأصبح لنا مجتهدين يدعون فهم الدين، ويحاولون احتكار مشروعية تفسيره .. لذلك أرى أن موضوع المرأة والدين مرتبط أساسا بالشق التفسيري، لأن التفاسير التي تحط من كرامة المرأة عموما لا تعني الحقيقية بل ترتبط بالثقافة السائدة والشعور العام، فالعنف مثلا كان عاديا في العصور السابقة لكنه اليوم مجرم بسبب تطور المعرفة الإنسانية". الخمليشي الذي استمع لعدد من المداخلات المطالبة بالقطيعة مع عدد من ممارسات وأفكار التيار المتشدد، اعتبر أن إلغاء الاختلاف شيء غير ممكن لكن تدبيره متاح اليوم بفضل المؤسسات الدستورية التي يحتكم إليها، مما يتيح التعايش بعيدا عن العنف اللفظي والمادي، كما اعتبر أن اتساع المعارف الذي تحول اليوم إلى هاجس ومقصد يمكنه المساهمة في فهم النصوص الدينية بطريقة تساير العصر، " أعتقد أن قوله تعالى وعاشروهن بالمعروف" يعد دستورا لحكم العلاقة بين الجنسين، لأن مفهوم المعروف يتطور ويختلف من مجتمع لآخر وفق تقاليده ومسالكه المعرفية، بعيدا عن أي محاولة لفرض اجتهاد فئة معينة على الأغلبية، لأنه هذه الإمكانية لم تعد قائمة..". الديالمي: لا مساواة في ظل آيات تتحدث عن القوامة
الفكرة القائلة بوجود فرق بين الدين والتدين لم ترق كثيرا للباحث السوسيولوجي عبد الصمد الديالمي الذي اعتبر أن هذا "التقابل الوهمي" وفق تعبيره لا وجود له،«الدين مكاينش .. لا يوجد دين خارج التدين أو التفسير، فالقرآن والسنة كنصين لا يتكلمان، بل نحن من نكلمهما لنستخرج ما نريد» يقول السوسيولوجي الذي اعتبر الشريعة مليئة بقواعد موجهة للقراءات الفقهية والفكر الإسلامي المرسخ للهيمنة الرجالية من خلال مفاهيم متعددة كالقوامة والولاية ودلالات عقد النكاح. الديالمي قال أن محاربة الهيمنة الرجالية بحاجة لقراءة جديدة للنص الديني اعتمادا على قواعد جديدة، دون حصر الاجتهاد بين يد علماء الدين أو الاعتقاد بجمود دلالات النصوص الدينية، «لا وجود لحكم ثابت وفق ما يدعيه الفقهاء من أن الحلال بين والحرام بين، لأن ما كان حلالا يمكنه أن يصبح حراما والعكس صحيح باعتبار الآيات ظنية وقابلة للاجتهاد والتأويل تبعا للسياق الذي يجعل بعض النصوص متجاوزة اليوم، لأن النص ليس فوق التاريخ». السوسيولوجي المغربي طالب أيضا بضرورة الانفتاح على باقي المذاهب لاستخراج أحكام قادرة على مجاراة التغيير الذي عرفته مكانة المرأة، في ظل ثقافة المساواة مستدلا بمثال الزواج بدون ولي الذي اعتبره البعض خارج الأعراف الدينية رغم تبنيه داخل المذهب الحنفي، بانتظار اجتهادات تسمح للمسلمة بالزواج بغير المسلم، وإلحاق الابن بوالده البيولوجي بقوة القانون. الديالمي أشار أن الاجتهاد من داخل الإسلام فيما يخص قضية المرأة،يتجاوز حرف النص إلى روحه تبعا للمستجدات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بدل الاستسلام للشروحات التراثية التي تحولت لسلطة دينية وسياسية يصعب تجازوها، كما يصعب التخلي عنها من طرف العقلية الرجولية التي يتعذر أن تؤمن بالمساواة في ظل آيات تتحدث عن القوامة وتمتع الرجل بدرجة عن النساء وفق تعبير السوسيولوجي المغربي. لكحل: وريونا فين كرم الإسلام المرأة !! الباحث في حركات الإسلام السياسي، سعيد لكحل كانت له مداخلة اتسمت بلغة مباشرة وهو ما لم يرق لبعض الحاضرين عندما أشار أن مشكلة العالم الإسلامي اليوم سببها القراءات المتشددة التي تستند لأعراف منطقة نجد بالجزيرة العربية، "لقد صدروا لنا الوحي وأعرافهم الاجتماعية الحاطة من قيمة المرأة .. والمتتبع للإسلاميين يجد أنهم يحاربان دائما العقل والمرأة". لكحل الذي كانت مداخلته تحت عنوان "الفقه الإسلامي:تكريس للظلم الاجتماعي للمرأة"، حاول استعراض عدد من الأحاديث المنسوبة للنبي والتي يتم على ضوئها فهم مكانة المرأة وتعاليم القرآن، كالأحاديث التي تشبه الزواج بالرق، أو تلك التي تساوي المرأة بالحمار والكلب في قطع الصلاة، الشيء الذي اعتبره الباحث تأسيس لظلم اجتماعي بحق المرأة انطلاقا من فهم فقهي معين. " أين تكريم المرأة في هذه النصوص .. متقولوش لينا الدين كرم المرأة ، إما نقول بأن هذه الأحاديث المسيئة موضوعة تهين المرأة ويجب إزالتها إذا كان الإسلام حقا كرم المرأة، إما نقبلها ونقول أن الدين أساء للنساء.. فين التكريم داخل أحاديث تشجع على الضرب، فين مؤسسة الزواج المبنية على المودة والسكينة .. هذه راها كومسرية أوفقير" يقول لكحل مطالبا بالوقوف على التراث بكل جرأة معتبرا الأمر شرعنة للتعذيب والإهانة. لكحل استسمح الحاضرين قبل سرد حديث آخر، معتبرا أنه مجبر على ترديده على مسامع الحاضرين للوقوف على صورة المرأة ضمن الفكر الإسلامي، وهو حديث منسوب للنبي عليه الصلاة والسلام، جاء فيه "لايصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها،والذي نفسي بيده لو أن من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم أقبلت تلحسه ما أدت حقه" "آش هاد الصورة البشعة، آش عطاها هاد الرجل أصلا حتى تلعق قيحه، فين باغين نوصلو بهاد البشاعة .. وريونا فين التكريم فهاد الكلام"يقول لكحل معلقا على الحديث الذي اعتبره جزء من التراث الذي يشكل هوية المسلمين، وأن بين المغاربة عقليات تتبنى هذا التصور حول المرأة بطريقة تكشف العقلية الحقيقية للمجتمع. عرض لكحل كان مستفزا لبعض الحاضرين ممن اختاروا مغادرة القاعة، في الوقت الذي حاول البعض التعقيب على كلامه قبل أن ينهي مداخلته،إلا أن الرجل استرسل في سرد عدد من الأحاديث التي اعتبرها تنتقص من مكانة المرأة، كمسألة الطلاق، والحضانة، والإرث، وتلبية رغبات الزوج مهما كانت ظروفها وحالتها النفسية حتى لا تعرض نفسها لغضب الله … مجموع الأحاديث التي عرضها لكحل، عرضه لانتقاد بعض الحاضرين ممن اعتبروها موضوعة ومسيئة للرسول عليه السلام وللإسلام، إلا أن الباحث أشار أنها ضمن عدد من الكتب المعتبرة لدى كبار العلماء، وأنه سند لعدد من الاجتهادات واصفا أنها تشرع للقهر مما يجعل الخلاص بيد القانون المدني، معتبرا أن الاجتهادات الفقهية لم تأخذ يوما المبادرة لتكريم المرأة، لكنها وجدت نفسها مجبرة على مجاراة التغيرات التي فرضها النضال النسائي عبر عقود.