عرفت العديد من المؤسسات السجنية على ربوع المملكة دورات وتكوينات تثقيفية في موضوع الارهاب والتطرف، وتم تمليك نزلاء المؤسسات السجنية (مكناس، فاس، العرجات، القنيطرة، آسفي، أكادير) العديد من المعلومات المهارات والكفايات لتحصين أنفسهم أولا، ثم لتحصين بيئتهم ثانيا، عبر استعانتهم بالمقاربة التربوية التي تعتمد مبدأ القرب كآلية من آليات النجاعة؛ مقاربة التثقيف بالنظير. وبحكم أني كنت معتمدا في هذا المشروع التثقيفي الأول من نوعه بالعالم العربي، واحتكيت بالنزلاء عبر تذاكر فكري، وممارسة مهاراتية، تبلورت لدي العديد من الانطباعات والارتسامات التي أحببت أن أشاركها مع جمهور المهتمين والمتابعين. وقبل ذلك لابد من التنويه بالدور التربوي والتعليمي الذي تقوم به المندوبية العامة لادارة السجون، فالسجون التي تم اختيارها في هذه المرحلة لصالح هذا المشروع لا يمكن لزائرها إلا أن ينبهر بمستوى الأطر والمشرفين الاجتماعيين، وانعكاس عملهم على النزلاء، لاعلى مستوى السلوك ولا على مستوى التعلم والتكوين، المشروع الذي تم تنزيله وجد سلاسة وجودة في الأجرأة نظرا للتفاعل الايجابي من طرف المستهدفين، حيث وجدنا غالبيتهم مشغولين في برامج تربوية وتكوينية راكمت لديهم الوعي بالعديد من القضايا..ولهذا لم أستغرب بتاتا بالقوة الاقتراحية التي تحلو بها طيلة أيام التكوين، ومساعدتنا في اعادة النظر في بعض محاور التكوين سواء بالهيمنة أو التجاوز، وسجلت أن خروجهم من حالة التلقي إلى حالة الاقتراح لم تكن اعتباطا، وانما عبر تراكم مقدر كما سبقت الاشارة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى توقفت على فراغ في المادة الدينية والكتاب الديني الآمن، مما جعل أغلبهم يقدمون مقترحات وطلبات لادارة الرابطة المحمدية للعلماء من أجل التزود بالانتاجات الدينية الخاصة بها على الأقل. ومن جانب آخر لكثرة الأسئلة المطروحة والمتعلق أغلبها ببعض الحقول الدينية، الأمر الذي زاد من تحمل المسؤولية في التكوين وتنزيل المشروع، بالاضافة إلى هذا كله توصلت إلى ضرورة الاستعجال والاشتغال على كتاب "فتوى السجون" وبعض النوازل التي يختص بها السجين وعدم ترك الفراغ لبعض معتقلي قضايا الارهاب في التأثير على سجناء الحق العام، بفتاويهم التي يتسلحون بها خصوصا فيما يتعلق بالصلاة والأذان والعلاقة مع أطر المؤسسات السجنية وأمور أخرى كالزكاة والصوم .. انطلاقا مما سبق يمكن القول أن المؤسسة السجنية كمؤسسة على هامش المجتمع أو ما يصطلح عليه البعض بمؤسسات الهامش، أصبحت مع هذا المشروع في قلب المجتمع وتحولاته، خصوصا وأن المضمون التثقيفي المنزل مؤرق لواجهات المجتمع ومكوناته، وانخراط المؤسسة السجنية في الحملة لتفكيكه ونقض مقولاته أمر ليس باليسير. ويشمل الدليل المنزل ست وحدات رئيسية، يتم تناولها بكثير من التدقيق والفهم، عبر ورشات وتمارين تثقيفية لتسهيل التملك والاستعمال. * محور إشكالية التطرف والارهاب * محور مقاربة التثقيف بالنظير * محور التواصل: محاولة تشخيص محددات الهشاشة نحور التطرف * استراتيجية تغيير السلوك * المحاكاة هذا وتضمن الدليل مجموعة من الخطب الملكية السامية، التي بنت استراتيجية المملكة لمواجهة خطاب التطرف والارهاب، وتم اعتماد مقتطفات من الخطب الملكية الشريفة كمراجع محددة لتوجه المملكة، ولمعالم برنامج مواجهة التطرف. وسنتكلم في المستقبل عن ثلثي نزلاء المؤسسات السجنية مملكين ومسلحين بمقاربة التثقيف بالنظير، وبذلك فالحصانة ستكون ذاتية، خصوصا وأن هذه المقاربة أبانت عن نجاعتها لدى الرابطة المحمدي للعلماء فيما يتعلق بمكافحة المخدرات وداء فقدان المناعة المكتسبة. إن المؤسسة السجنية نظرا لبعض عوامل الهشاشة التي قد تخترقها موضوعيا نظرا لتأثير الحالة النفسية على النزلاء قد تساعد وتساهم في تقبل واحتضان الفكر الارهابي والفكر المتطرف بشكل عام، ودائما نتحدث عن جنين إن لم يتم ايلاءه الاعتبار قد يكبر وهو مشحون بنفسية وفكر متعصب وخطاب كراهية شديد. ولهذا فالمجتمع عليه أن ينوه بالشراكة التي جمعت الرابطة المحمدية للعلماء والمندوبية العامة لادارة السجون لأنها توقفت على ثغر مسكوت عنه، وتبين من خلال الاحتكاك بالنزلاء أن الأمر كان يمكن أن يتفاقم، واعتبروا أن هذا البرنامج رغم أنه متأخر ولكنه احترازي لاطفاء لهيب خطاب كان سيتسع وسيجد له بيئة حاضنة اجتماعية ونفسية خصبة. حاولت في هذه الأسطر أن أقدم انطباعات عامة، حول تنزيل هذا البرنامج، وأتمنى أن تكون متابعة اجتماعية له، لكي يصبح ملكا مجتمعيا يساهم فيه الجميع بالاقتراح والتصويب لتحصين مؤسسة مجتمعية مهمة بالبلد.