وجه الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة رسالة مباشرة وواضحة إلى جميع القوى الحية للأمة بشأن الحاجة المستعجلة للنهوض بإدارة موجهة، قبل كل شيء، نحو المواطن والمصلحة العامة. وانطلاقا من اهتمامه بالانشغالات اليومية للمغاربة، حرص صاحب الجلالة الملك محمد السادس على وضع الأمور في نصابها في ما يخص العلاقة بين الإدارة والمواطن، تلك العلاقة التي ليست دائما في مستوى التطورات التي يعرفها المغرب اليوم. ومن هذا المنطلق، فإن جلالة الملك ينظر إلى تدبير شؤون المواطنين، وخدمة مصالحهم بوصفه "مسؤولية وطنية، وأمانة جسيمة، لا تقبل التهاون ولا التأخير". من غير المقبول إذن أن يظل المواطنون ملزمين بالتوجه إلى الرباط من أجل إنجاز مختلف المساطر الإدارية، فما جدوى اللامركزية والجهوية واللاتمركز الإداري، تلك الإصلاحات التي انخرطت فيها المملكة منذ سنوات. في هذا السياق، وبلهجة حازمة، يتوقف جلالة الملك عند أولئك الذين "يستغلون التفويض، الذي يمنحه لهم المواطن، لتدبير الشأن العام في إعطاء الأسبقية لقضاء المصالح الشخصية والحزبية، بدل خدمة المصلحة العامة". وتساءل جلالة الملك "إذا كانوا لا يريدون القيام بعملهم ولا يهتمون بقضاء مصالح المواطنين، سواء على الصعيد المحلي أو الجهوي، وحتى الوطني، فلماذا يتوجهون إذن للعمل السياسي؟". وفي هذا الصدد، يذكر صاحب الجلالة بأن "الالتزام الحزبي والسياسي الحقيقي، يجب أن يضع المواطن فوق أي اعتبار، ويقتضي الوفاء بالوعود التي تقدم له، والتفاني في خدمته ، وجعلها فوق المصالح الحزبية والشخصية". ففي الرؤية الملكية، لن يكون بمقدور المغرب ولوج مصاف الدول المتقدمة دون أن يستوفي معايير النجاعة الإدارية بوصفها القاطرة الحقيقية للتنمية والنهوض بالاستثمار. وعلى هذا الصعيد، أكد جلالة الملك أنه من الأساسي بالنسبة للإدارة، قنصلية كانت أو عمالة، جماعة أو مندوبية جهوية، تأمين الاستقبال والتكفل الملائم بالمواطن في كل الظروف. ففي مغرب يتحرك، ولى ذلك الزمن الذي يقدم فيه المكلفون بتدبير الشؤون العمومية على وضع مطالب وشكاوى المواطنين في الرفوف. لقد أشار صاحب الجلالة بشكل واضح إلى عمليات نزع الملكية وما يشوبها من عدم تعويض المواطنين المعنيين عن أملاكهم، أو تأخير عملية التعويض لسنوات طويلة تضر بمصالحهم، أو أن مبلغ التعويض أقل من ثمن البيع المعمول به. ويضع الخطاب الملكي الأصبع أيضا على بطئ المساطر الإدارية وعدم تنفيذ الأحكام، خصوصا في القضايا التي يتواجه فيها المواطن والإدارة. أن لا تقوم الإدارة حتى بتسديد ما بذمتها من ديون للمقاولات الصغرى والمتوسطة، بدل دعمها وتشجيعها ، اعتبارا لدورها الهام في التنمية والتشغيل، أن يمارس الشطط في استعمال السلطة والنفوذ ، على مستوى مختلف الإدارات ، أن يستمر تعقيد المساطر وطول آجال منح بعض الوثائق الإدارية، كلها مظاهر سلبية استهدفها خطاب جلالة الملك. أمام هذه الأوضاع، تصبح الإدارة نفسها من يحرم المواطن من حقوقه التي يفترض أن تحميها. على أنه في الكثير من الأحيان، فإن المواطنين أنفسهم، وفي غياب تواصل ناجع، لا يعرفون حقوقهم كما هو الحال في القضايا المتعلقة أساسا بمدونة الأسرة. في هذا الإطار، دعا صاحب الجلالة الحكومة ومجموع المؤسسات الإدارية والقضائية إلى ضمان تفعيل سليم ومناسب لهذا القانون والعمل على تجاوز المشاكل التي أبانت عنها التجارب والممارسات. أما المسألة الأخرى التي لا تقل استعجالا، فهي التي تتعلق بالعراقيل أمام الاستثمار بالرغم من إحداث المراكز الجهوية للاستثمار والشباك الوحيد لتبسيط المساطر وتسريع مسلسل صنع القرار. هنا أيضا، دعا صاحب الجلالة إلى القطع مع القيود والإكراهات التي تنتصب أمام المستثمرين. آن الآوان، يؤكد جلالته، لكي يتم الاهتداء بروح الإصلاحات واستلهامها في خدمة الاستثمار المدر للشغل والثروة ومحاربة السلوكات والعقليات غير المنتجة.