منذ العام الماضي، أعلن الجيش الأميركي عن استهداف ما يقارب ال40 قيادياً في تنظيم "داعش" في سورياوالعراق. فهل هذا دليل على نجاح الاستراتيجية الأميركية في مواجهة تنظيم "القاعدة" والجماعات المنبثقة عنه؟ قبل عقدين من الزمن، في العام 1996، أعلن اسامة بن لادن الحرب على الولاياتالمتحدة الاميركية. لم يعر الكثيرون أهمية لكلام زعيم "القاعدة" آنذاك. بعدها بسنتين نفذ التنظيم اولى هجماته ضد سفارات أميركية في كينيا وتنزانيا. بعدها بسنتين أيضاً، عاد التنظيم ليهاجم هدفاً اميركياً جديداً في اليمن هذه المرة باستهدافة القطعة البحرية "يو أس أس كول". ما بين اعلان بن لادن الحرب على اميركا وغزو أفغانستان عام الفين وواحد، اخذ تنظيم القاعدة الوقت الكافي لتنفيذ هجماته التي وصلت الى ذروتها في الحادي عشر من ايلول. حتى ما قبل ذلك التاريخ، اقتصرت المعالجة الأميركية في مواجهة التنظيم على قصف بصواريخ كروز في أفغانستان والسودان عام 1998. ومع غزو أفغانستان، انطلقت المرحلة الثانية من مسار الحرب على الإرهاب والتي اتسمت بإطلاق يد الوكالات الأمنية الاميركية في الداخل والخارج. قررت ادارة بوش توسيع الاطار الجغرافي لحربها فغزت العراق في العام الفين وثلاثة، ومع هذا التاريخ دخلنا المرحلة الثالثة من الاستراتيجية الاميركية التي أفضت الى انتشار فكر القاعدة في بلاد الرافدين وبدء موجات من العنف بلباس طائفي ومذهبي. ما بعد العام 2007 ، اعتمدت واشنطن سياسة "مجالس الصحوات" لمواجهة القاعدة والجماعات الحليفة لها، متأثرة بشكل كبير من ارشادات الجنرال دايفيد بترايوس الذي ركّز على التعامل مع البيئة الحاضنة سبيلا ل"مكافحة التمرد" بحسب تعبيره. غير أن هذه المرحلة الرابعة من الاستراتيجية الأميركية شهدت مع الانسحاب الأميركي عام الفين وأحد عشر من العراق صعودا أكبر للفكر القاعدي وصولا حتى ظهور تنظيم "داعش" وسيطرته على مناطق واسعة شمال العراقوسوريا. المرحلة الخامسة من الاستراتيجية الأميركية مستمرة منذ العام الفين وأحد عشر حتى يومنا هذا، وهي تشهد انتشاراً غير مسبوق لما يعرف في الادبيات الاميركية باسم "الجهاد العالمي" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ويتخذ اشكال عمليات ذئاب منفردة في العواصم الاوروبية والولاياتالمتحدة نفسها. منذ اغتيال بن لادن مروراً بأبي مصعب الزرقاوي والإنباري والشيشاني وصولا حتى العدناني بالأمس، تكتفي الاستراتيجية الأميركية بتحقيق نجاحات موضعية لا تغير كثيراً في سياق المشهد العام، الذي أثبتت التجربتان العراقية والسورية أنه يحتاج الى مقاربة مختلفة اساسها التجنيد العسكري لأهل هذين البلدين.