قيادي وقيادية في حركة "التوحيد والإصلاح" مختليان يبعضهما البعض في سيارة خاصة على مشارف البحر… خبر هذا الأسبوع بامتياز. كان بالإمكان اعتباره خبرا عاديا من تلك الأخبار التي تصنف في خانة "الحوادث المختلفة"، إلا أن شخصيتيْ الحادث ليستا من عامة القوم، الذي يمكن أن يطلب منهما رجال الأمن أوراقهما الثبوتية وينظروا في حالتهما بما يلزمه القانون وينتهي الأمر. الشخصيتان، يا سادة، معروفتان في حركة معروفة وحزب معروف ومكلفتان بمهام جسيمة يغلب عنها الأخلاقي في لبوس السياسي. الرجل متزوج وله من زوجته أبناء. والمرأة، أرملة. زوجها كان من منتسبي الحركة والحزب نفسيهما. توفي قبل سنة… فقط. مهما ضبطنا النفس ولزمنا مبدأ الحياد الشخصي في عدم التشهير بالأشخاص والامتناع عن الخوض في حياة الناس، نجدنا مجبرين على أن لا نفعل. وفي هذا بعضٌ من الجواب الشافي لأسئلة واجتهادات "الحداثيين" و"الديمقراطيين" جدا الذين يطلون من بوتقة الفيسبوك كل ثانية وحين ليكتبوا كلاما عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة بأسلوب النقد السطحي مدعين التبرأ من الخوض في حياة الناس دون أن يتبرأوا من نشر الخبر من حيث لا يدرون. لم أعد أحتار في أمر هؤلاء كما كنت لأنني لم أكن أضبط تناقضاتهم بالشكل الذي يجب. الآن صارت مواقفهم وكتاباتهم عندي سيان. أقرأها وأمر. صرت متعودا على مفارقاتهم العجيبة التي لهم بمثابة الهواء الذي يتنفسون. في كل مناسبة أو نازلة، تراهم لا يبغون إلا النيل من آراء خصومهم. يدافعون عن حياة الناس وهم الناهشون في حياة غيرهم. شافانا الله وإياهم من عيوبنا. وشافى الأغلبية الأخرى من أصحاب الفقيه والواعظة مما هم فيه من اعتداد بقويم الأخلاق وجميل الفعل وسديد الدين وكفانا وإياهم شر الغلط وسوء الورطة… ألسنا في النهاية خطاؤون؟… نعم خطاؤون بصفة المبالغة هاته. لكن المشكل ليس ها هنا. المشكل هو أن نجعل من أنفسنا المثال والقدوة ونسقط في أول امتحان على طريق التطبيق. والمشكل الحقيقي هو أن ننسج وننسج ثم ننسج حولنا بيتا أخلاقيا من خيوط دقيقة، ناعمة كخيوط العنكبوت ثم نفاجأ بها تلتف حول أعناقنا من حيث لا نرى ولا نسمع. لماذا؟ لأن نزوة كانت أقوى من أي شيء ولأن عنفوان الطبيعة فينا أكبر من أن نجابهه بمجرد كلام عن الأخلاق ونبثه بين أبنائنا وبناتنا مشحونا بصور عنيفة عن العقاب والجزاء الرباني وباستعارات وأوصاف واجتهادات في ما جاء في باب نكاح العيون. وما دمنا بلغنا هذا الباب، فلندلف منه إلى رحاب تفسير استحالة التفريق بين الخبر ومبدإ احترام الحياة الخاصة لشخصيات الخبر. في هذه ليس من إمكانية للتفريق والنأي عن الحديث والخوض في ما بلغنا من حدث. لماذا؟ لأن في الحكاية أكثر من موجب للكلام… فيها أننا حين نمتهن الموعظة ونجعلها عنوانا لمسار شخصي، دعوي وحزبي بالصورة الفاضحة والصوت الجهار، فإننا نرسم شخصيتنا بما لها من أبعاد وقياسات وإن شخصيتنا هاته باتت عمومية معروفة بين الناس. لم تعد خاصة إذن. وهنا عنصر من عناصر الجواب عن مسألة الخوض في حياة الناس الخاصة تلك…. في الحكاية أيضا أننا حين نخطب في الناس، شبابا وكهولا، الساعات والساعات الطوال، في مواضيع من قبيل الدين والأخلاق، فإننا نفترض كما يفترض الآخرون حولنا أننا نلتزم بأن لا نأتي في سلوكنا ذلك الفعل الذي ننهى عنه… وفي الحكاية كذلك أننا حين نجعل من كبح جماح الحريات الشخصية فيما تعلق بالاختلاط بين الجنسين والالتزام بالحجاب وخفض البصر ورمي المحصنات بأبشع الشتائم ووعد المتبرجات بأوخم العواقب وبتقسيم الناس والمجتمع إلى فريق سينال غضب الله ومصيره جهنم وفريق ينجيه الله ومآله الجنة وبأننا أصحاب فضيلة والبقية دوننا نجس ولا يستحقون إلا التحقير… فإن المفترض أن نكون قد سمونا بأنفسنا إلى ما يقترب من مرتبة الكمال ورسمنا بين "طموع" الدنيا والآخرة خطا لا رجعة فيه وصرنا قريبين من عصمة الأنبياء… في الحكاية، أخيرا، أنني حين أصطف في الحركة إياها والحزب إياه وأشتغل وفق توصيات وأوامر وتوجيهات تنظيمية، فإنني أتحمل – تلقائيا- مسؤولية كل ما يُفتعل باسم الحركة والحزب والأشخاص المسؤولين فيهما. وهنا، لا بد من أن أستظهر دائما أقوال زعيمي في الحزب وإخواني في الحركة عن التمكين الإلاهي ورعاية السماء لنا كأناس من صنف ثان ورسالتنا رسالة أخلاقية ودينية قبل أن تكون سياسية وأنَّا بلسم حام لهذا الوطن… أما وقد ضُبطتُ في خلوة غير شرعية يعتبرها البعض من بني قومي من قبيل الزنا، فلا يجوز لي، البتة، أن أتظاهر بالعفة ولا أن يدعي كبار قومي أنني أتدبر زواجا عرفيا في أفق شرعنته بما يبتغيه الله ورسوله بعد أن تتفهم الأسر الخطب هذا وتهدأ النفوس. بهكذا سلوك، أكون منسجما مع نفسي على الأقل من الناحية السلوكية. الآن، إن كان من شيء ينبغي الاعتبار منه في مجمل الحكاية فهو أن يُسقط بقية القوم القناع عن وجوههم وأن يكشفوا للناس الحقيقة الواحدة الباقية أبدا وهي أن الحرية واحدة والطبيعة واحدة وأن لا وصاية تجوز للبعض على الغير باسم الطهرانية الدينية. وإن اعتبرنا ارتحنا وأرحنا.