بهمتها المعتادة ونشاطها الدائم، تسرد الدكتورة «فريدة بوشتى» تفاصيل نتائج عملها المضني. بهمة لا تركن للضعف، تزاول مهام رفع المشرط لتشريح الجثث الوافدة على المركز، رغم المشاهد التي قد تبدو صادمة للبعض، لكن الدكتورة «فريدة» التي اختارت تخصص الطب الشرعي، ومعاشرة «الجثث» مهنيا، ترتفع عن أنوثتها وهدوئها، لتغني المعطيات العلمية حول سير هذا المركز. « تعددت الأسباب والموت واحد».. قد يجسد هذا المقطع الشعري حقيقة النهاية الحتمية للأرواح، لكن هذه النتيجة تختلف باختلاف الأسباب المؤدية لها. فالوفاة حقيقة يأبى الطب أن يقف عندها عاجزا دون كشف الخيوط التي نسجتها، قبل أن تغدو حقيقة. هنا تنطلق مهام تخصص الطب الشرعي، الذي يتجاوز الوفاة كنهاية لاستمرار الروح في الجسد، ليسبر أغوار جثث تفد عليه لكشف حقيقة الوفاة، التي قد تبدو ظاهريا معروفة، لكن الباطن غالبا ما يشي بمعطيات لا يكشفها غير العلم عبر التشريح الطبي. كانت المناسبة عرضا لبعض النتائج التي سجلها المعهد الوطني للطب الشرعي «الرحمة»، طيلة سنة 2011. وهو وإن كان مؤسسة خاضعة لمجلس مدينة الدارالبيضاء، إلا أن عمله يصل إلى مدن خارج البيضاء. فمن تازة، تاوريرت، مكناس، فاس، خنيفرة، واد زم، خريبكة، بن احمد، سطات، بني ملال، آسفي، بنجرير، ورزازات، وحتى آكادير... تفد بعض الجثث على معهد الطب الشرعي الرحمة، وفي حالات أخرى تنتقل وحدة من المعهد إلى هذه المدن لمباشرة عملها. عمل المركز يتحدد حسب فريدة بوشتى في الفحص والتشريح وحتى عمليات إعادة التشريح ينفذها المعهد، والأطر الطبية العاملة به. 1800 جثة.. رقم يمطرق الآذان معلنا عدد الحالات التي تصل إلى مركز الطب الشرعي بالرحمة. لكن الدكتورة «فريدة بوشتى» في اتصال لجريدة «الأحداث المغربية» بها، قالت إن الرقم يتجاوز هذا العدد، لأن هذا الرقم «قد يكون المعدل فقط». عدد بالمئات من الجثث تصل إلى المركز، والغاية البحث والتدقيق في أسباب الوفيات، تارة يكون الطلب هو الفحص، وإنجاز التقارير. وأخرى يكون الطلب هو تنفيذ التشريح لسبر أغوار جمود الأجساد التي صارت جثثا واستنطاق أعضائها لمعرفة أسباب مغادرة الروح للجسد، الذي وصل هامدا إلى الطب الشرعي الرحمة. فبأمر من السلطات القضائية المختصة، مجسدة في النيابة العامة يباشر مركز الطب الشرعي الرحمة مهام التشريح الطبي للجثث التي تفد عليه، لإعداد تقارير حول أسباب وفاتها. وبين الوفاة الطبيعية أو نتيجة حوادث السير أو الشغل، أو جرائم القتل أو الانتحار وحتى الأطفال المتخلى عنهم... تتراوح مسببات إزهاق الأرواح الوافدة على مركز «الرحمة». المعلومات الواردة من المركز الذي تشرف عليه الطبيبة الشرعية «فريدة بوشتى»، تذهب إلى أن حوالي 1700 جثة خلال السنة الماضية خضعت للتشريح الطبي، بينما خضعت 76 جثة فقط للفحوصات. وبلغت جثث الأطفال الذين قضوا نحبهم وأحيلت جثثهم على المركز خلال نفس الفترة 100 جثة. ولا تقف أدوار المركز عند هذا الحد، بل إنه يقوم بدفن الجثث المتخلى عنها التي تعود للبالغين أوالأطفال والفئات المعوزة، فضلا عن دفن الاعضاء المبتورة. معطيات وأرقام دفن القائمون على مركز الرحمة حوالي 291 جثة طفل، 174 جثة بالغ خلال العام الماضي، بينما ووري الثرى 125 عضوا بشريا مبتورا. ويتعامل مركز الطب الشرعي، مع مصالح الشرطة والدرك والنيابة العامة، وهي الجهات المخول لها طلب تدخل المركز لنقل أية جثة مشكوك في سبب وفاتها. كما أن القضاء هو من يأمر بإجراء التشريح، كما أن أفراد بعض الضحايا يتقدمون إلى النيابة العامة بطلبات لإنجاز التشريح أو إعادة إجراذه. يتوفر المركز على 120 ثلاجة لتخزين الجثث و16 غرفة تبريد، فيما قد تبلغ الطاقة الاستيعابية لهذه الغرف في حالة الطوارئ حوالي 700 جثة. وكان عدد الجثث الوافدة على المركز منذ انطلاقه سنة 2005 قد بلغ ما مجموعه 8494 جثة إلى متم سنة 2009. وتوضح الأرقام المسجلة أن أعداد الجثث في ازدياد منذ افتتاحه، حيث إنه يستقبل جثثا من مدن مختلفة ولا يقتصر عمله على مدينة الدارالبيضاء.