تقصير في التواصل أدى إلى تناسل الشائعات حول مصدر النفايات الإيطالية قضية «زبل الطليان» فرصة لتثمين النفايات المغربية واستعمالها كطاقة بديلة
فابريتسيو ديبيرو ل«الأحداث المغربية»: الشحنة التي وصلت المغرب ليست نفايات وإنما وقودا بديلا مستخرجا منها
هل تكون قضية النفايات الإيطالية، التي استوردتها الجمعية المهنية لمصنعي الإسمنت، وأثارت ضجة كبيرة وصلت حد المطالبة بإقالة وزيرة البيئة حكيمة الحيطي ووصفها بأقبح النعوت على مواقع التواصل الاجتماعي، مجرد زوبعة في فنجان؟ هذه هي الخلاصة التي يمكن للمرء الخروج بها بعد الاطلاع عن قرب على نوعية المواد التي تحتويها الشحنة «الملعونة» وكيف يتم معالجة النفايات التي يستخرج منها الوقود المستعمل من قبل مصنعي الإسمنت في إيطالياوألمانيا وباقي بلدان العالم وليس المغرب فقط الذي يعاني وسيعاني أكثر من مشكلة انعدام المطارح العصرية والحديثة التي تقوم بمعالجة النفايات وتدوريها. لكن إذا كانت القضية أخذت أبعادا بذلك الحجم لماذا ارتبكت شركات الإسمنت خلال تفجر «الفضيحة» ولم تعلن عن مصدر النفايات وتركت وسائل الإعلام تتداول اسم جهة «كامبانيا» (جنوبإيطاليا) هي المنطقة التي جاءت منها، علما أنها معروفة بمشكل النفايات منذ أكثر من عشرين سنة لاسيما وأن المافيا كانت على علاقة كبيرة بهذا الموضوع؟ ولماذا تأخرت الوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة التي اتهمها ناشطون بتحويل البلاد إلى «مزبلة للأوروبيين»، وتعريض صحة المغاربة للخطر، في الكشف عن حيثيات ملف النفايات الإيطالية الذي أثار جدلا واسعا بين نشطاء المجتمع المدني وفي وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل كانت الجهة التي كشفت عن وصول شحنة النفايات أن الأمر يتعلق بوقود مستخرج من النفايات، وليست نفايات بعينها لم تتمكن إيطاليا من التخلص منها؟ إذا كانت الوزارة الوصية عن القطاع تعلم أن معالجة النفايات وتحويلها إلى وقود يساهم في الحفاظ على البيئة، لماذا لا يستثمر المغرب في تكرير النفايات المحلية واستعمالها في توليد الطاقة؟ ولماذا لا تستثمر شركات الإسمنت في هذه العملية؟ «الأحداث المغربية»، كانت ضمن الوفد الصحفي، الذي زار مصنع «ديكو» الذي استورد منه المهنيون الوقود المستخرج من النفايات والمسمى بالفرنسية (Refuse Derived Fuel (RDF، والواقع بمدينة بسكرة (وسط إيطاليا) وكذلك مصنع الإسمنت وآخر لإنتاج RDF بدورتمووند شمال ألمانيا ووقفت على الكيفية التي تشتغل بها شركات تدوير النفايات وتحويلها إلى طاقة بديلة للفحم الملوث للبيئة إضافة إلى معامل الإسمنت التي تستعملها وهي محاطة بالسكان الذين لن يتنازلوا عن حقهم في بيئة سليمة إذا كان الأمر يشكل خطرا على صحتهم. وضمن التحقيق التالي، تنقل الجريدة للقارئ بكل موضوعية وحيادية ما عاينته وما رأته وسمعته من شروحات حول قضية حركت ضمير كثيرين وما تزال تذكي حماسة البعض في إظهار الغضب دفاعا عن البيئة المغربية. منذ أن كشف المركز الجهوي للبيئة والتنمية المستدامة عن وصول شحنة من النفايات الصلبة تقدر ب2500 طن إلى ميناء الجرف الأصفر بالجديدة يوم 25 يونيو الماضي، قادمة من إيطاليا والموضوع يلفه غموض في غموض وسط تضارب في المعلومات عن مصدر «الأزبال» وخطورتها على البيئة وصحة الإنسان من عدمها. من جهة انعدام تواصل الوزارة الوصية على القطاع، في الأيام الأولى لتفجر القضية، مع وسائل الإعلام وإخبارها بحيثيات الملف زاد من الشائعات وفتح الباب أمام الصحفيين وما يطلق عليهم بنشطاء الفايسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرين في الرأي العام للبحث عن كل مايثبت خطورة المواد التي تحتوي عليها الشحنة والاجتهاد الذي أفضى إلى الاعتماد على تقارير سلبية تتعلق بمطارح النفايات الواقعة بجهة «كامبانيا» جنوبإيطاليا التي تعاني من مشكلة التخلص من الأزبال وربطها بالنفايات التي وصلت المغرب والتي تعتبر علميا «وقودا مستخرجا من النفايات الصلبة» من أجل إدانة حكيمة الحيطي، المسؤولة الأولى عن قطاع البيئة. ومن جهة أخرى، أدى ارتباك شركات الإسمنت، الذين لم يكونوا ينتظرون إثارة الموضوع بذلك الشكل، إلى انتشار معلومات خاطئة حول المواد التي تدخل في إنتاج الوقود المستعمل كطاقة في مصانع الإسمنت، الأمر الذي جعل خبراء من المغرب وإيطاليا يدقون ناقوس الخطر حول خطورة المواد التي تحتوي عليها النفايات والتي لم تكن ضمن الشحنة التي وصلت المغرب. وصول نفايات إيطالية مثيرة للجدل يوم 25 يونيو الماضي، وصلت، بميناء الجرف الأصفر بالجديدة، الباخرة التي تحمل اسم «فلانطير سبريت» وهي تحمل شحنة مما يطلق عليه بالوقود المستخرج من النفايات RDF التي تم جمعها في «كوليات» يبلغ حجمها مترا مربعا ويصل وزنها إلى 700 كيلوغرام، وهي ملفوفة بإحكام، حيث تحتوي على بقايا من الكارتون والبلاستيك والنسيج، بعدما خضعت لعملية التدوير والمعالجة»، في المصنع الإيطالي التابع لشركة «ديكو» بمدينة بسكرة. وتم تفريغ حمولة السفينة بعدما خضعت من قبل السلطات المختصة، للتحاليل المختبرية اللازمة، قبل تحميلها على متن شاحنات جاهزة، والترخيص لها بمغادرة الميناء، بعد استيفاء الإجراءات الجمركية، لنقلها إلى الوحدة الصناعية المستفيدة والتي لم تكن سوى شركة «لافارج» بمصنعها بجهة الدارالبيضاء–سطات، من أجل استعمالها في توليد الطاقة بدلا من الفحم الحجري، الذي يتسبب في تلويث البيئة بشكل كبير، كما أن ثمنه يعرف ارتفاعا، بالموازاة مع الزيادة في ثمن برميل البترول في الأسواق العالمية. بعد يوم واحد من رسو الباخرة الإيطالية بميناء الجديدة، فجر المركز الجهوي للبيئة والتنمية المستدامة قضية بيئية انتشر الجدل بشأنها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لم يفلح الرد الحكومي من قبل الوزارة الوصية على البيئة في وضع حد لهذا التوتر. وتناسلت هاشتاغات «المغرب ماشي مزبلة»، وتواترت التوصيفات المختلفة المنددة بوزيرة البيئة لما يزيد عن عشرين يوما، ارتفعت فيها الاحتجاجات حول الملف، الذي تحول إلى «فضيحة مافيوزية»، في نظر بعض المدافعين عن البيئة، «تورط ليس الوزيرة فقط وإنما الحكومة كلها وتلطخ سمعة البلد دوليا» وهو مقبل على تنظيم كوب 22. انتقادات رواد مواقع التواصل الاجتماعي والمعارضة واحتدت الانتقادات الموجهة للحكومة من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أجمعوا على خطورة المواد التي تحتوي عليها شحنة «النفايات»، وندد بها كل منهم بطريقته الخاصة وتفننوا في وضع صور مركبة تظهر المغرب على شكل سلة مهملات. فدعوا في الوقت نفسه إلى التراجع عن العملية ومحاسبة الجهات التي أشرفت عليها. ووجه رواد هذه المواقع سهام انتقاداتهم بحدة إلى الوزيرة المنتدبة المكلفة بالبيئة، حكيمي الحيطي، بلغت بنشطاء «الفايسبوك» حد المطالبة باستقالتها، فيما طالبت المعارضة تحت قبة البرلمان بالتوضيحات الكافية حول القضية. كما أطلق ناشطون عريضة احتجاجية على مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب الحكومة بعدم حرق «النفايات» الإيطالية على الأراضي المغربية. وذكرت العريضة أن هذه النفايات تضم «موادا سامة»، وتم جمعها في جهة «كامبانيا» التي تعاني من مشكلة النفايات منذ تسعينات القرن الماضي وصل أوجها عام 2008. أما أحد المسؤولين عن المركز الذي كشف الملف فقال في تصريح صحفي إن «هذه النفايات تشكل تهديدا مباشرا لصحة سكان المنطقة ويحتمل أن تسبب أمراضا مزمنة»، وذلك دون أن يدلوا بوثائق تؤكد صحة معلوماتهم. كما حمل المركز كامل المسؤولية للجهات المعنية، وطالب بفتح تحقيق ومحاسبة الجهة التي رخصت لإدخال هذه الشحنة إلى المغرب. المؤسسة البرلمانية هي الأخرى دخلت على الخط وطالبت بلجنة تقصي الحقائق حول أضرار هذه «النفايات» على صحة المواطنين والبيئة. كما وجهت فرق برلمانية طلبها للحكومة من أجل إجراء تحقيق محايد وإحداث لجنة استطلاع، وذلك بهدف معرفة حيثيات القضية، وإعداد تقرير متكامل حول تأثيرات هذه «النفايات» ومدى خطورتها من عدمها، وهو الطلب الذي تقدم به رسميا فريق التجمع الوطني للأحرار. توضيحات الحكومة أما موقف الحكومة من هذه القضية، التي تأتي عشية قمة المناخ المقرر تنظيمها في نونبر المقبل بمدينة مراكش وقبل أيام من دخول قانون منع الأكياس البلاستيكية حيز التنفيذ (فاتح يوليوز الماضي)، فكان حرجا لاسيما أنها وجدت صعوبة في إقناع الرأي العام بالعملية. فقد حاولت من خلال بيان أولي لوزارة البيئة تهدئة مخاوف المغاربة، وقالت إنها «رخصت لاستيراد نفايات غير خطيرة، مصدرها إيطاليا، ستستعمل كمكمل أو كبديل للطاقة الأحفورية في مصانع الإسمنت»، مشيرة إلى ما «تتميز به من قوة حرارية مهمة». وأكدت الوزارة الوصية أيضا أن استيراد هذه النفايات يأتي في إطار شراكة مع الجمعية المهنية لشركات الإسمنت لاستخدامها «في أفران مصانع الإسمنت، المجهزة بالمصفاة التي تحد من الانبعاثات الغازية». لكن كل هذه التوضيحات والشروحات لم تجد طريقها إلى مسامع الغاضبين الذي أجمعوا على ضرورة إقالة الوزيرة من منصبها وإرجاع الشحنة «الملعونة» إلى أصحابها، الأمر الذي اضطرت معه الوزيرة إلى عقد ندوة صحافية يوم الإثنين 11 يوليوز، لتدفع عن نفسها «تهمة» التورط في صفقة وصفها كثيرون ب«المشبوهة» عبر التصريح لمصنعي الإسمنت المغاربة، باستيراد «النفايات» الإيطالية لاستعمالها بدائل طاقية. الندوة كانت مناسبة لتكرر الحيطي دفوعاتها وتؤكد أنها لم تمنح أي تصريح باستيراد هذه النفايات، فالصفقة كما تقول «تم إبرامها قبل تنصيبي وزيرة على القطاع، وأشر عليها الكاتب العام السابق للوزارة. وقد اشترطت على المعنيين بها تقديم كافة الضمانات اللازمة حول سلامة الصفقة، التي تخضع لضوابط معيارية معمول بها في الاتحاد الأوروبي. كما أني حريصة على أن تنفذ هذه الشركات التزاماتها تجاه الدولة وتجاه القانون في احترام تام للبيئة. لذلك، أنا لم أصرح بعد بحرق النفايات في انتظار الحصول على نتائج الاختبارات الأخيرة ضمن المرحلة النهائية من المراحل المسطرية، التي تمر بها مثل هذه الصفقات. فإذن، مريضنا مازال ماعندو باس». التأكيد نفسه جاء على لسان وزير البيئة الإيطالي جان لوكا غاليتي الذي أجرى اتصالا هاتفيا يوم الثلاثاء 12 يوليوز الماضي، بنظيرته المغربية وأوضح أن النفايات المثيرة للجدل مصدرها مدينة بسكرة وليس جهة «كمبانيا»، مضيفا أن التحقيق الذي أشرفت عليه وزارته أظهر أن الحمولة عبارة عن «نفايات غير خطيرة حسب المعايير الدولية»، كما أن الشحنات «تتوفر على جميع المستندات القانونية لنقلها عبر الحدود». إذن إذا كانت الوزيرة قد قدمت التوضيحات الكافية لشرح حيثيات دخول هذه الشحنة والمواد التي تحتوي عليها فلماذا شكك المعارضون لاستيراد «النفايات» في صحتها؟ تقصير في التواصل وتناسل للشائعات شكوك الرافضين لشحنة «النفايات» القادمة من إيطاليا لها ما يبررها بغض النظر عما قيل بشأن استغلال القضية سياسيا. فكون النفايات مصدرها هو إيطاليا يعطي الانطباع أن الملف تشوبه تجاوزات وخروقات، حيث يكفي أن يبحث المرء في المواقع الإلكترونية لكبريات الجرائد الإيطالية ليجد سيلا من المقالات والتحقيقات والاستطلاعات حول موضوع النفايات التي تؤرق بال روما خصوصا بجهة «كامبانيا» التي تم تداولها بشكل كبير منذ تفجير القضية، كونها هي مصدر الشحنة التي وصلت المغرب. وكشفت العديد من التقارير، سواء التي اعتمدها القضاء الإيطالي أو الهيئات المختصة بحماية البيئة، أن النفايات بمنطقة «تافيرنا ديل ري» الواقعة بجهة «كامبانيا» تركت «آثارا مدمرة» على المنطقة برمتها، حيث كان يتم إتلاف تلك النفايات بشكل عشوائي بسبب تدخل المافيا لإيجاد حلول ناجعة للتخلص منها بطرق تحترم البيئة وصحة الإنسان، في إشارة إلى مدى التأثير الذي سببته النفايات المذكورة على التربة والفرشة المائية، وهي المنطقة التي يطلق عليها إعلاميا اسم «أرض النيران» بسبب حرق النفايات عشوائيا بشكل مستمر. هذه المعلومة وحدها كانت كافية لاتهام الوزارة بالسماح لشركات الاسمنت لاستيراد نفايات من المفروض أنها «سامة»، وفق استنتاج أولي، لأن مصدرها هو تلك المنطقة الواقعة نواحي مدينة نابولي، والتي وعد رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينسي، ساكنتها مؤخرا بتخليصها منها خلال ثلاث سنوات، بعدما رصدت لها الجهة والحكومة حوالي 118 مليون أورو. ضف إلى ذلك أن تدخل القضاء الإيطالي أوقف عملية إتلاف نفايات مطرح «تافينا دي ري» ورفضت مختلف الأفران الخاصة بعملية ترميد النفايات بإيطاليا إتلافها، وهو ما أدى إلى تراكمها في مناطق شاسعة، حيث يقدرها مجلس جهة «كامبانيا» بما لا يقل عن 5 ملايين طن. يضاف إلى ذلك تناسل الشائعات حول تسلم المغرب لمبالغ مهمة من أجل القبول بشحنة «النفايات» بل وصل الأمر حد تزوير وثيقة إدارية إيطالية من أجل اتهام الوزارة الوصية والمهنيين بالتلاعب بمصدر «النفايات» التي استوردتها شركات الإسمنت. وتذكر الوثيقة أن الشحنة التي وصلت المغرب مصدرها جهة «كمبانيا»، لكن تم التأشير على أنها واردة من جهة «ابروتسو»، مشيرة إلى أن مدينة بسكرة التي تقع في جهة «ابرتسو» قد تم فيها فقط تعليب النفايات من طرف شركة « ديكو». لكن هذه الوثيقة سرعان ما انفضح أمرها بعدما وصلت إلى رئاسة مجلس جهة «كامبانيا» ليعلن رئيسها فيتشينسو دي لوكا أنها مزورة وسيتابع كل من نشرها قضائيا. إنها معطيات ضمن أخرى تداولتها وسائل الإعلام المغربية وحتى الإيطالية التي اكتفت فقط بإعادة كتابة تقارير واستنتاجات بناء على ما كان ينشر في صحافة المملكة، زادت الملف غموضا وأدخلته في نفق مظلم يصعب الخروج منه. هذا يدفع المرء لطرح العديد من الأسئلة. هل خرج الموضوع عن سيطرة الوزارة وشركات الإسمنت ولم يعد الأمر يحتمل غير إعلان وقف استيراد «النفايات» وتعليق استعمال الشحنة المركونة في معمل الإسمنت «لافارج»، الذي يقع في جماعة أولاد صالح ببوسكورة؟ هل من المعقول أن تغامر شركات لها صيت عالمي باستعمال «نفايات» من المفروض أو تكون «سامة» في أفرنتها وهي تعمل علم اليقين أن ذلك يضر بصحة المواطن بدون اكتراث للمواثيق والمعاهدات الدولية؟ أم أن هذه «النفايات» المستوردة قد لا تعدو أن تكون فعلا سوى وقودا مستخرج من نفايات صلبة معالجة RDF لاتحمل أية خطورة، وتطابق معايير الاتحاد الأوروبي وبنود اتفاقية «بال» الدولية، التي وقعها المغرب سنة 1995، والتي تنظم وتتحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها؟ تبقى إذن أسئلة، ضمن أخرى، تبادرت إلى ذهن الصحفيين المغاربة وهم يزورون شركة «ديكو» منتجة الوقود المستخرج من النفايات بإيطاليا ومعمل الاسمنت «هيديلبرغ» وشركة لتدوير ومعالجة النفايات بألمانيا للبحث عن الحقيقة. مدير عام شركة «ديكو» الإيطالية يوضح خلال الزيارة التي نظمتها الجمعية المهنية لشركات الإسمنت، من 26 إلى 30 يوليوز الماضي لكل من إيطالياألمانيا، اتضح الأمر وزال الغموض الذي كان يلف هذا الملف واطلع الوفد الصحفي على أدق التفاصيل واستمع لشروحات المهندسين والمسؤولين على شركات إنتاج الوقود المستخرج من النفايات ومعامل الاسمنت بالبلدين ، وأجمع على أن الملف أخذ ذلك المنحى لغياب المعلومة من طرف شركات الإسمنت، التي كان عليها أن تقدم للمغاربة كل الشروحات والتوضيحات بخصوص استهلاكها واستعمالها لنفايات مصدرة في الوقت المناسب. شركة «ديكو» كانت أول محطة في الزيارة. على بعد 250 كلم من العاصمة روما في اتجاه الشرق تقع مدينة بسكرة المطلة على البحر الأدرياتيكي والتي يوجد في ضواحيها المصنع المتخصص في إعادة تدوير ومعالجة النفايات وإنتاج الوقود المستخرج منها الذي يسمى علميا بRDF. المصنع الذي ينتج «النفايات» التي من المفروض أن تكون «سامة» ومضرة بالإنسان والحيوان والبيئة لا يبعد عن السكان المجاورين إلا بأمتار قليلة، بل إن المصنع يعرف توافد التلاميذ والطلبة والباحثين طوال السنة الدراسية للاطلاع على عمليات التدوير وإنتاج الوقود المعروف بRDF. الجريدة طرحت السؤال على أحد المواطنين الإيطاليين، في الستينات من عمره، من الذين يقطنون بجوار المصنع حول مدى خطورة تلك المواد التي يتم معالجتها في المصنع، فأجاب باستغراب أن الأمر لا يشكل أي خطورة على الساكنة ولم يسبق لهم أن اعترضوا واشتكوا من وجوده في المنطقة الذي يعود إلى أوائل التسعينات من القرن الماضي. أعادنا طرح السؤال عينه على عاملين بالمصنع فأكدا أنهما لم يسبق لهما أن اشتكيا من أي مرض له علاقة بعملهما علما أن الجميع يخضع لكشوفات طبية سنوية إجبارية. وفي السياق نفسه رد المدير العام للشركة الإيطالية فابريتسيو ديبير، أن «النفايات ليست مضرة بصحة الساكنة سواء هنا أو في البلد المصدرة له، لكون الشركة تحترم الشروط البيئية الدولية»، معربا عن استغرابه للضجة التي رافقت دخول الشحنة المنتجة من طرف شركته. النفايات الإيطالية الموجهة للاستخدام كوقود بالمغرب، «تم في احترام تام لمعايير السلامة، وأن جميع مراحل تدبير ومعالجة النفايات المصدرة للمغرب، تمت تحت مراقبة برامج تشغيل ذاتي من مستوى عالي». ديبيرو أضاف أن الشركة رائدة في إنتاج الوقود البديل الذي تستعمله مصانع الإسمنت في العالم ولديها تعاملات مع عدة دول، معززا حديثه بشواهد لجودة العالمية (إيزو) التي حصلت عليها لشركة. وبخصوص كلفة الوقود الذي يستخرج من النفايات قال ديبيرو إنه يبلغ حوالي 120 أورو للطن وذلك باحتساب جميع مصاريف العمليات التي تمر منها معالجة النفايات والشحن، موضحا أن «الشركة تبيع وقود RDF ولا تتخلص منه كما تم تداوله من طرف بعض وسائل الإعلام الإيطالية والمغربية. وفي هذا السياق كشف أن المبلغ الذي سددته شركة الاسمنت المغربية هو 25 أورو للطن. وأوضح المتحدث نفسه أن الشركة تساهم في استبدال الفحم الملوث للبيئة المستعمل من قبل مصانع الإسمنت وذلك بإنتاج وقود يقلل من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، مشددا على ضرورة تجنب الخلط بين النفايات غير المعالجة وتلك التي تمر من عدة مراحل وتتطلب مدة محددة لكي تصبح وقودا قابل للاستعمال دون الإضرار بالبيئة وصحة الإنسان. وزاد المسؤول الإيطالي أن شركته التي تعالج أكثر من 270 ألف طن من النفايات، توجه 70 في المائة من الإنتاج إلى السوق الداخلي في حين أن النسبة المتبقية توجه إلى التصدير إلى بلدان أوروبية أو في القارة الأمريكية أو في آسيا أو إفريقيا، مؤكدا أن صادرات الشركة لم يسبق لها أن واجهت أي مشكل أو تعرضت للتوقيف. كما أكد أن الشركة التي تأسست سنة 1989 حصلت على العديد من شهادات الجودة والمحافظة على البيئة، مثل إيزو 9001 وإيزو 14000 وشهادة «إيماس» EMAS المتعلقة باحترام معايير السلامة البيئية. تحويل النفايات إلى طاقة "الأحداث المغربية"، خلال زيارتها الميدانية، وقفت على العمليات التي يمر منها إنتاج RDF بكل من وحدة الإنتاج بمصنع «ديكو» الإيطالية أو بشركة «إيمريك» بدورتموند شمال ألمانيا، واطلعت على كيفية تحويل النفايات إلى طاقة وتثمينها، حيث تتمثل الفئات الرئيسية للتقنية المستخدمة لتحويل النفايات إلى طاقة في الطرق الفيزيائية، والطرق الحرارية، والطرق البيولوجية. مصنعا «ديكو» و«إيمريك» يتبعون الطريقة الفيزيائية لتحويل النفايات إلى طاقة من خلال المعالجة الميكانيكية للنفايات من أجل إنتاج أشكال أكثر مناسبة للاستخدام كوقود، وإنتاج الوقود المستخرج من النفايات (RDF). هذا الوقود هو الناتج عن تمزيق وتجفيف النفايات الصلبة مثل تلك التي تجمع من الأزقة والشوارع، وفصل المواد القابلة للاحتراق عن المواد غير قابلة للاحتراق حيث يتم معالجتها بضغط البخار لمدة تفوق 15 يوما. ويتكون الوقود المشتق من النفايات إلى حد كبير من المواد العضوية المستخرجة من النفايات الصلبة، مثل البلاستيك والكارتون والنسيج والنفايات القابلة للتحلل الحيوي. ويجري معالجتها في البداية لإزالة الزجاج والمعادن وغيرها من المواد غير القابلة للاشتعال. ويقتل التعقيم، عن طريق المعالجة ببخار عالي الضغط، الفيروسات، ويتسبب أيضا في تليين البلاستيك وتسطيحه، وفي تفتيت الورق وغيره من المواد الليفية. وتقلل هذه العملية من حجم النفايات، بحيث يمكن بعد ذلك ضغط المواد المتبقية في شكل كريات أو كتل مستطيلة وبيعها كوقود صلب. ويعد حرق الوقود المشتق من النفايات RDF أكثر نظافة وكفاءة من استعمال الوقود الأحفوري الملوث للبيئة. ويتميز هذا الوقود (RDF) بقوة حرارية مهمة تستعمل على نطاق واسع بمصانع الإسمنت في أوروبا وبمجموعة من الدول الأخرى، الأمر الذي جعل مصانع الإسمنت بكل من بلجيكا وفرنسا وألمانيا وهولندا وسويسرا ترفع من نسبة النفايات التي تستعملها كوقود بديل سنويا. ويستمد معظم هذا الوقود من عملية الإنتاج في الموقع ويستخدم بتكلفة قليلة أو معدومة، وبذلك يخفض تكاليف الوقود الإجمالية حيث أنه يستبدل الوقود الأحفوري. يقلل استعمال وقود النفايات الصلبة أيضاً من حجم النفايات اللازم التخلص منها، ويخفض من تكلفة التخلص على المصنعين. خلال الزيارة التي قامت بها الجريدة إلى معمل الاسمنت «هيديلبيرغ» بدورتمند الألمانية الذي تحيط به المنازل ولاتبعد عنه إلا بأقل من 100 متر، عاينت كيف يستعمل وقود RDF وإطارات العربات والطائرات بأكملها. لماذا لا يحول المغرب نفاياته إلى طاقة؟ إذن إذا كان هذا الوقود يمتاز بكل هذه المواصفات ولا يشكل أي خطر على الإنسان والبيئة، فلماذا لا تستعمل شركات الإسمنت الوقود المشتق من نفايات المغرب؟ الجواب بكل بساطة يعود إلى كون المغرب لا يتوفر أصلا على مطارح عصرية يمكن أن يستخرج منها وقود RDF باستثناء مطرح «أم عزة» الواقع قرب عين عودة ضواحي العاصمة الرباط ومطارح أخرى في طريق الإنشاء بكل من مدينة بني ملالومراكش. في هذا السياق طرحت «الأحداث المغربية» السؤال على ممثلي الجمعية المهنية لشركات الإسمنت بالمغرب الذين رافقوا الصحفيين في زيارتهم، حول إمكانية إنتاج الRDF انطلاقا من النفايات المغربية؟ فكان الجواب نعم، بل أكدوا استعداد المهنيين للدخول في شراكات مع الجماعات المحلية والوزارة الوصية من أجل إنشاء مطارح عصرية ومعامل لإنتاج وقود RDF، بل شدودا على ضرورة أن يكون هناك تعاون بين البلديات وشركات إدارة النفايات ومصانع الاسمنت والعمل كفريق واحد لنجاح هذه التقنية. وبخصوص انبعاث الغازات السامة أكد عبد المولى باوي المهندس والخبير المغربي الذي يعمل لدى شركة «هيديلبرغ» للإسمنت بألمانيا أن «استهلاك هذا الوقود البديل إجراء بالغ الأهمية من أجل تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون»، مضيفا أن «تثمين النفايات المنزلية بالمدن المغربية سيمكن من تقليص الغازات الدفيئة في المستقبل»، وهو الأمر الذي تسعى إلى تحقيقه المملكة لاسيما وأنها تستعد لاحتضان حدث عالمي يعنى بالتغيرات المناخية «كوب 22». تثمين النفايات المغربية ضرورة ملحة إذن، يمكن القول أن شركات الإسمنت بالمغرب لو وجدت ضالتها في الوقود المستخرج من النفايات المغربية لما كانت ستثار كل هذه الضجة والجدل الذي واكب «النفايات» القادمة من إيطاليا، والتي يكفي فقط ذكر اسمها ليتم ربطها بالمافيا، التي كانت تسيطر على عمليات التخلص من النفايات في جهة «كامبانيا» لما يذره ذلك من أرباح تقدر بملايير الأورو. تثمين النفايات المغربية أصبح ضرورة ملحة بعدما تبين بكل وضوح أن وقود RDF هو الحل المستقبلي لإدارة النفايات والتخلص منها في المملكة، خاصة وأن مصانع الإسمنت مستعدة لاستخدام RDF كوقود بديل، بسبب مساهمته في التقليل من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وتوفيره لتكاليف الوقود اللازم لهذه الصناعة استنادا على معطيات وزارة البيئة فإن إنتاج النفايات يقدر ب 5 ملايين طن في السنة. كما أن القطاع الصناعي يخلف أزيد من 1،5 مليون طن من النفايات في السنة، من بينها 256 ألفا عبارة عن نفايات خطيرة. بينما يصل إنتاج النفايات الطبية 6000 طن في السنة، وبالتالي فمستوى التنمية والدينامية السوسيو اقتصادية والحضرية التي يعرفها المغرب، تجعلانه سيواجه إشكالية النفايات بحجم أكبر إذا لم يتم معالجتها واستخراج وقود RDF منها. استعمال وقود RDF، توجه عالمي على ضوء ما جمعته "الأحداث المغربية" من معطيات ومعلومات وتوضيحات بشأن هذا الموضوع، فيمكن الجزم بالقول أن استعمال النفايات في تصنيع الإسمنت أمر جار به العمل في العالم وخاصة في البلدان المتقدمة ولا يشكل بأي حال من الأحوال أضرارا على صحة الإنسان والبيئة. وعلى سبيل المثال، فقد ضاعفت مصانع الإسمنت بكل من بلجيكا وفرنسا وألمانيا وهولندا وسويسرا من نسبة النفايات التي تستعملها، منذ أكثر من عشرين سنة، كوقود بديل، حيث بلغت ملايين الأطنان ساهمت بتعويض 70 في المائة من الطاقة الأحفورية، وفق شروحات يان ثولون، مدير الموارد البديلة بمعمل «هيديلبرغ»، الذي أشار إلى أن ألمانيا تستهلك لوحدها 3 ملايين طن من هذه النفايات وباليابان أكثر من أربعة وثلاثون مليون طن سنويا يتم تثمينها بمصانع الإسمنت. ثولون أكد أن المصنع لم يسبق له أن تلقى شكاوي من السكان المجاورين له بسبب استعماله للطاقة البديلة بنسبة 70 في المائة، الأمر الذي يساهم في التقليل من غاز ثاني أكسيد الكربون. أما في المغرب فلا تتعدى النسبة 12 في المائة، حسب بيانات المهنيين، وهو رقم لا يصل للمعدل الأوروبي المعمول به حاليا. إذن التحديات التي تواجه صناعة الإسمنت بالمغرب والمهام التي تقع على عاتق المصنعين هي القيام باستنباط عمليات جديدة بغية الوصول إلى الحد الأدنى من تأثير هذه الصناعة على البيئة، وذلك من خلال استعمال الوقود البديل المستخرج من النفايات الصلبة.