لا عيب إطلاقا أن ترتفع دعوة مدنية من مواقع التواصل الاجتماعي في البلد تطالب بمزيد من الأمن والأمان، وبتعزيز هاته الخدمة العمومية التي تقدمها مصالح الأمن للمواطنين لاضير في ذلك ، لذلك تفاعل البعض ببراءة مع حملة "زيرو كريساج"، على اعتبار أنها تمرين ديمقراطي في التواصل بين المغاربة حول تدبير الشأن العام. لكن الحكاية لم تكن بهاته البراءة عند الجميع، لأن ما ظهر منها الآن خطير للغاية، عندما اكتشفت الناس فيديوهات قديمة وقديمة جدا لاعتداءات في الشارع، وترويج لثقافة قصاص الشوارع ، وهو أمر أدانه المغاربة في حينه واعتبروه أمرا خطيرا وخطا أحمرا لايجب أن نتجاوزه، لأن ثقافة التعزير والدعشنة والتوحش مرفوضة ومناهضة للثقافة الديمقراطية، لأن في الأنظمة الديمقراطية وحدها الجهات الشرعية تتكفل بإنفاذ القانون وإعماله. عند البحث والتنقيب قليلا عمن نشر الفيديوهات، وعمن يشتغل بحماسة منقطعة النظير، هاته الأيام، لإعطاء مشروعية فيسبوكية وشعبية للممارسات التعزيرية كقصاص شعبي في الشارع العام، نجد مواقع يحركها المستشار الإعلامي الدائم للأمير الأحمر، وانكشارية الكتيبة الإلكترونية لجماعة العدل والإحسان. كيف ذلك؟ ولماذا ؟ أسئلة سنحاول أن نجيب عنها عتبة بعتبة لنسلط الضوء على خبايا العتبات. العتبة الأولى: زيرو تعزير عزيزي الأمير ! لنجعلها عتبة البدء وعتبة تاريخية نتذكر من خلالها واقعة الأمير الأحمر في "بلازا أثيني" بالدائرة الثامنة لباريس، ذات يوم، 4 يوليوز 1993 بالضبط، و هو ينتحل صفة "الأبطال الخارقين"، ويقوم بمهام الأمن، أو كما أطلقت عليه صحيفة "لوفيغارو" وقتها، "لوجوستيسي" (le justicier). في ذلك اليوم، تعرضت سائحتان كنديتان (بالصدفة)، لعملية سرقة أمام الأمير، فركض هذا الأخير لمسافة ثمانمائة متر تقريبا، مطاردا اللص اللعين، وقبض عليه شر قبضة، و رد المسروق للفتاتين، ولم يكتف بذلك بل أمسك بخناق المجرم سئ الحظ، و ذهب به الى مقر الشرطة، و سلمه الى الأمن الباريسي الذي كان ينتظره، كما تنتظر شرطة مدينة "غوتام" في أفلام الخيال العلمي، بطلها "باتمان" ليسلمها المجرمين. هذه الحادثة "الطريفة"، أوردتها وكالة اتصال يديرها صديق للأمير، في حملة "علاقات عامة"، ثم نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية، و بعدها بعض الجرائد المغربية مثل "الانطلاقة" و "البيان" و الموعد السياسي".. لكن ما حصل للأمير، يعاكس على عدة أصعدة، ما تطالب به أبواقه هنا في المغرب. الصعيد الأول، هو أن العاصمة الفرنسية، و هي تستقبل لوحدها قرابة نصف السياح الذين يزورون فرنسا (حولي 40 مليون سائح من أصل 85 مليون)، لا تخلو من جرائم نشل و قتل و اعتراض سبيل، بل عمليات ارهابية شنيعة، كما حصل مؤخرا، فكيف نطالب ب"زيرو كريساج" في المغرب، و هو أمر، لم يتوفر حتى للدول الخمس الكبرى في العالم؟ الصعيد الثاني، هو أنه في قلب باريس، و في ساحاتها الكبرى، يمكن للأمن ورجاله أن يختفوا، حتى يتمكن "الأمير المنقذ" من توقيف لص نشال، فكيف نطالب الأمن المغربي بالتواجد في كل متر مربع من مساحة بلاد المغرب الشاسعة، و هو أمر غير ممكن منطقيا و عمليا، في أي دولة في هذا الكون؟، زيادة على أن عدد رجال الأمن في فرنسا، يفوق بكثير عددهم في المغرب. الصعيد الثالث، هو أن القيام بمهام رجل الأمن من طرف أمير عربي في فرنسا، مساعدة "لطيفة"، تريد أبواق الأمير أن تتحول، هنا في المغرب، لممارسة داعشية أي "ارادة توحش" و "قصاص باليد" و "خرق للقانون، والكلمة معروفة للتدليل على كل هذا وهي كلمة "التعزير" أي تطبيق الحدود دون تكليف من ولي الأمر. العتبة الثانية : زيرو استفادة من أخطاء الماضي القريب الموهبة الوحيدة المعروفة للأمير الأحمر، هي موهبة إهانة نفسه كل مرة، وهو معروف بخاصية أخرى هي أنه لا يتعظ ولا يستفيد من أخطائه، وهو لايحصد إلا الخيبات، وكانت الناس تعتقد أن درس 2011 الذي تلقاه في شوارع المغرب أهم من كل الدروس والمحاضرات الأكاديمية التي يدعي أنه تلقاها في مختلف معاهد الدنيا وجامعات العالم. درس مغربي بسيط أو كالبسيط لكنه في بلاغته وعمقه يساوي آلاف المحاضرات والندوات الأكاديمية لمن كان ذا عقل راجح. درس قائم على استيعاب المغاربة بشكل تلقائي للمقلب الذي نصب للمنطقة كلها ووقعت فيه، فكان الجواب الإصرار على الاستقرار، والالتحام حول بنية هذا الاستقرار. رغم المال ورغم التجييش اضطر من تحالفوا إبان العشرين وبقية الأرقام أن يعودوا إلى الجحور مجددا وأن يختفوا من الشوارع بعد أن هجرهم الشعب الذي توهموا أنهم يتحدثون باسمه، وبعد أن تيقنوا أن سلعتهم بارت، ولن تجد مستهلكا في السوق المحلية، يؤمن بأنها قابلة للتصريف. ومع أن الدرس كان قاسيا عليه وعلى أمثاله الذين توهموا أن هذيانهم قابل للتحقيق، إلا أن الأمير الأحمر لم يستفد من الماضي، واليوم يعيد الكرة ويلتقي من جديد مع من تغزل بهم أيام العشرين من آل نادية وياسين، وينتقد في سابقة في التاريخ- وهو الأمير- المؤسسات الأمنية في بلده، بمنطق يدعو إلى تغييب الدولة والسلطات الشرعية المكلفة بإعمال القانون، وإضفاء المشروعية على البلطجة والتوحش، تماهيا مع زابور "أبو بكر البغدادي". في التاريخ كله، لم يسبق لأمير أن انتقد السلطة الأمنية في بلاده، فكيف لحفيد محمد الخامس ولإبن أخ الحسن الثاني أن ينتقد السلطات الأمنية لبلده؟ "واش عارف آش كيدير؟" منذ وفاة عبد السلام الحيحي، والجماعة تعيش أزمة كاريزما القيادة التي انفض من حولها المريدون الذين يؤمنون بالرؤى والخرافات والهلاوس مما جعل الجماعة تبحث عن بدائل لوقف نزيف حصيصها، وبداية عقمها الجماهيري. أما الأمير الأحمر الذي انفضت الناس من حوله ويعيش موسم العزلة الذي لم ينته، يلتقي اليوم مع الجماعة في السباحة ضد التيار كسمك السلمون العتبة الثالثة: زيرو معرفة بالبلاد والعباد سنة 2011 ليست هي سنة 2016 . لقد تغيرت أشياء كثيرة. العالم بأسره يغلي. والإرهاب ضرب في أكثر من قلعة غربية، وانهارت دول وأخرى مهددة بالتقسيم والتفتيت، والغرب بكامله في حالة استنفار، فهل الأمير الأحمر يمزح اليوم كما مزح يوم واقعة "الآنتراكس" مع صديقه العلج؟ فواقع الحال لا يسمح البتة اليوم بالمزاح لا في المغرب ولا خارجه، لأن الأمر يمس في نهاية المطاف أمن الناس، أي أكثر شيء قدسية في الوجود. هل يستوعب الفتى الذي يقول إن له ديبلومات ودرس في جامعات كبرى في أمريكاوبريطانيا الضغط الموجود الآن في العالم كله وليس فقط في المغرب في مجال الأمن هذا؟ هل يعي أن مايقوم به المغرب في هذا المجال من مجهودات وانتصارات جلبت له تنويه العالم بأسره، وأن هذا العمل الجبار هو نتاج مجهود بوسائل متواضعة مقارنة مع ماتملكه أجهزة الأمن في كبريات العواصم العالمية التي تخطب ود المغرب اليوم وخبرته الأمنية لفك طلاسم وتعقيدات التهديدات الإرهابية التي تواجهها؟ ومع ذلك لم يضع حماة الأرض ورجال ظلها السلاح، بل تشبثوا بمعنويات من حديد، وبإيمانهم بالمغرب وهم يباشرون حربا حقيقية ويومية لتأمين المغرب في كليته وتأمين ناسه ضد الإرهاب وضد العنف. ألا يشكرهم أمير وألا ينوه بهم أمر يمكن على مضض قبوله من باب "لاشكر على واجب"، وكفى. أما أن يصل الأمر إلى حد التحريض عليهم، والتنكر لتضحياتهم، والدفع بمستشاره الإعلامي لفبركة فيديوهات قديمة والادعاء زورا أن الناس خرجت بعدد من المدن خاصة الدارالبيضاء وفاس والمحمدية وطنجة لممارسة قصاص الشارع نيابة عن الشرطة، فهو أمر لايمت للشهامة بصلة. أم تراه يعتبرهم جزءا من الديكور المخملي كجواز السفر الديبلوماسي، وحراسه الشخصيين الذين يتنكر اليوم لمجهودات زملائهم وينتقص منهم؟ لذلك يتساءل الكثيرون : واش عارف مولاي هشام آش كيدير؟ واش عارف المغرب بعدا أصلا؟ واش فاهم المغرب مزيان؟ أم تراه يكتفي بالكارت بوسطال الكبرى التي يرسمها بين الفينة والأخرى لنفسه عن بلد لا يحيا فيه. إذا كان خائفا حقا من "الكريساج" وهو الذي يحظى بحماية شخصية ويطالب حقا ب"زيرو كريساج" في المغرب فماعليه إلا أن يلجأ إلى بلده الثاني لبنان هو المعروف ب"النص – نص". وهناك طبعا سيكون الاختيار لديه كبيرا بين العيش في شارع الحمرا أو الذهاب إلى معسكر الزبداني، أو اختيار الإطلالة على عين الحلوة، أو النهر البارد أو لم لا النزوح جنوبا عند حزب الله . العتبة الرابعة: "زيرو كريساج" لا توجد إلا في الرقة والباقي تعرفونه ثم لنعد إلى منطلق كل هذا الكلام، وإلى حكاية "زيرو كريساج" التي أصبحت شهيرة هاته الأيام.. مامعنى "زيرو كريساج"؟ هل يعني التخلص من الجريمة بشكل نهائي والوصول إلى صفر جريمة اعتداء في اليوم؟ المسألة مستحيلة تماما ولا توجد في أي مكان من العالم، اللهم إلا إذا كان الأمير الأحمر يعتبر "زيرو جريمة" التي يروجها نظام البغدادي في الرقة أمرا واقعا. خذ لك مثلا نموذج أمريكا التي درس فيها الأمير الأحمر والتي يعيش فيها أبناء قيادي شهير من مجلس إرشاد العدل والإحسان: هي اليوم تعاني الأمرين مع الجريمة، ومع كيفية الحد من آثارها، بل حتى الترخيص بحمل السلاح في بعض الولايات لم ينفع في الحد من الأثر الوخيم للجرائم، بل زادها انتشارا وخلق مشكلا آخر هو اليوم محور كل النقاش العام في بلاد العم سام. خذ لك بريطانيا، والأمير الأحمر على مايبدو يتوفر على مسكن بها، مثله في ذلك مثل عبد الواحد المتوكل رئيس الدائرة السياسية للعدل والإحسان الذي عاش سنوات في دروبها. بريطانيا هي الأخرى لاتجد حلا لجرائمها وتجرب المرة بعد الأخرى الوسائل تلو الوسائل عساها تصل إلى الحد من هذا الأثر المدمر للإجرام. أو خذ لك مثلا ثالثا: ألمانيا التي يعالج نائب أمين عام العدل والإحسان فتح الله أرسلان أعينه على أرضها، والذي يستطيع أن يرى بعد كل حصة علاج هذا الواقع الذي يهرب منه المتغازلان اليوم، ويفضلان عليه الحلم لنا بوهم إسمه "صفر جريمة" في البلد. خذ لك أيضا المثل الرابع فرنسا، وهي بلد يعرفه الأمير الأحمر أفضل من بقية البلدان، وتعرفه الجماعة أفضل من بقية البلدان التي تحاول فيه احتكار التجارة الحلال، كما احتكرت تجارة الحج والعمرة حد تحولها إلى وكالة أسفار لا يعني لها الركن الأعظم من الدين إلا الأوروهات التي تربحها من وراء المتاجرة به. كل تلك الأمثلة وغيرها كثير تقول لنا بالصريح الواضح أن الجريمة واقع يعيش في مجتمعات تخصص للأمن الأضعاف المضاعفة مما يخصصه له المغرب، ومع ذلك تستمر هاته الجريمة، وتستمر الأجهزة الأمنية في مقاومتها ومحاربتها قدر المستطاع العتبة الأخيرة: زيرو استفادة من الأخطاء وزيرو حياء "زيرو كريساج" اذن، حملة يساندها كثير من الشباب المغاربة بحسن نية و لاشك، لكنها حملة يغيب فيها العقل و يحضر الجهل، في كثير من جوانبها، عنوانها تهييج المشاعر و العواطف بفبركة "فيديوهات" قديمة، و اعادة بعث الروح فيها بخبث و قلة مروءة من طرف من ركب عليها ".. "زيرو كريساج" هي حملة اجتمعت على الركوب عليها أصفار ثلاثة، ذكرناها أعلاه، و ليس من المستغرب أن يطالب الصفر، بصفر جريمة، مادام أنه لم يبق أمامه "موضوع" جدي يمكن استغلاله، و كما خرج من حملات سابقة، صفر اليدين، فالأكيد أنه سيخرج من هذه الحملة أيضا بصفر.. و خفي حنين..دون أمل في أن يستفيد من الأخطاء ودون رجاء أن يتحلى يوما ببعض الحياء….