«قصور الحكامة تمنع طنجة من مغادرة مربع تخبطها الأول نحو مربع جديد يسوده منطق احترام قيم و مبادئ التنمية المستدامة»، بهذه العبارة ختم مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة، تقريره السنوي حول حصيلة سنة 2015، بخصوص حالة البيئة والمآثر التاريخية بالمدينة، بعدما بصمتها إنجازات مهمة وفي الوقت نفسه طبعتها إخفاقات مؤسفة. المكتب التنفيذي للمرصد، الذي بدى أكثر حيوية، وهو يعرض بكل حماس تقريره الرابع منذ تأسيس المرصد، في لقاء إعلامي احتضنه أحد فنادق المدينة الأسبوع المنصرم، جدد دعوته للجهات المسؤولة من أجل مراعاة الخصوصيات الطبيعية والتاريخية للمدينة، وجعلها في صلب اهتماماتهم خلال إعداد مخططات التأهيل الحضري والتهيئة العمرانية، ولعل إشراف المرصد على توفير تقارير ميدانية تهتم بالمحافظة على البيئة وحماية المآثر التاريخية للمدينة، من شأنه كما ورد في تقديم تقرير المرصد «المساهمة في توثيق المعلومة البيئة وجعلها في متناول الجميع، مع تسليط الضوء على سلوك مختلف المؤسسات والفاعلين، كتمرين لحفظ الذاكرة وجعل مبدأ المحاسبة ملازما لممارسة وتدبير القطاعات التي تهم الحياة اليومية للمواطنين». ويتضمن تقرير حالة البيئة والمآثر التاريخية بطنجة برسم سنة 2015، مجموعة من المعطيات تسلط الضوء على مواضيع وقضايا آنية كالتغيرات المناخية، إلى جانب تدبير النظافة والتأثيرات المهددة للمجال البحري والغابوي، وكذا المباني التاريخية والمواقع الأثرية. وقد وجه المرصد دعوة للمجلس الجماعي لطنجة من أجل إحداث خلية مختصة بقياس تلوث الهواء، منفتحة على كلية العلوم والتقنيات بطنجة وعلى مختلف مراكز البحث ذات الصلة، والإسراع بإخراج التصميم المديري للسير والجولان بعدما أصبح التصميم الحالي متجاوزا، نتيجة التوسع العمراني وضيق الشبكة الطرقية، خصوصا في مركز المدينة، كما طالب بالتعجيل بإغلاق الموقع الحالي للمطرح العمومي وتحويله إلى منتزه حضري للحد من تلوث الهواء بالمنطقة، مع ضرورة اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتفادي تكرار هذه المعضلة في المطرح الجديد، الذي يوجد في طور الإنجاز، واقترح المرصد أيضا تعزيز القدرات ودعم المؤسسات من أجل إدماج مقاربة التدبير المندمج للمناطق الساحلية في التخطيط والتنمية المحلية، والعمل على تحسين مراقبة أداء الوحدات الصناعية الخاضعة بحكم القانون للمقتضيات المتعلقة بالحد من التلوث الهوائي، وكذا إشراك الجمعيات والساكنة المتضررة في لجان المراقبة كملاحظين. وبخصوص الساحل، سجل التقرير استمرار نفس الاشكالات، التي رصدها في تقاريره السابقة، حول نهب واستخراج الرمال الشاطئية والقعرية، خصوصا بمنطقة سيدي قاسم وأشقار، وانتهاك المواقع التاريخية و الأركيولوجية الموجودة بالسواحل، وأهمها مدينة كوطا والموقع الأثري بالقصر الصغير، وكذا زحف البناء غير المعقلن والعشوائي بمحاذاة السواحل والشواطئ من قبيل مشاريع ملاباطا الساحلية والغندوري، وتلوث الساحل بالتسربات الناجمة عن عصارة نفايات مطرح امغوغة والمقدرة ب 100.000 متر مكعب سنويا والتي تجد طريقها إلى البحر. واهتم المرصد بوضعية المناطق الخضراء بالمدينة، باعتبار أن طنجة تتميز بموقعها الجغرافي الذي يجعلها محاطة بالغابات من جهات متعددة، غير أن التوسع العمراني شكل ولا يزال تهديدا مستمرا للغطاء الغابوي بالمنطقة، الذي يتواجد على مساحة تقدر بحوالي 21 ألف هكتار، موزعة بين طنجة و المنزلة ودار الشاوي، وتختلف من حيث موقعها ما بين الغابات الحضرية (داخل المدينة) مثل كاب سبارطيل والراهراه وفدان شابو، والغابات شبه الحضرية كالغابة الديبلوماسية، كما أن من بين 154 موقعاً متميزاً بالمغرب بتنوعه النباتي و الحيواني، تحتضن طنجة متنزه بيرديكاريس بغابة الرميلات، ومنتزه كاب سبارطيل بغابة السلوقية، ومحمية تهدارت المصنفة ضمن اتفاقية رامسار. أما معدل توزيع الحدائق الحضرية بالمدينة، فقد لاحظ المرصد وجود فرق كبير فيما يتعلق بكمية المساحات الخضراء مقارنة مع المعايير الدولية، حيث تختلف من مقاطعة لأخرى، فأعلى معدل سجل بمقاطعة المدينة 6.22 متر مربع ، بينما أقل معدل بمقاطعة ببني مكادة 1.97 متر مربع، وبمعدل 2.30 متر مربع للمقاطعات الأربعة لمدينة طنجة. وكان لمآثر المدينة نصيبا مهما في تقرير المرصد، حين اعتبر هذا الأخير ما سجله عبر تقاريره المتعاقبة حول مآثر المدينة تعاني من إشكالين أساسيين، يتمثلان في عدم تصنيف طنجة كتراث عالمي، وعدم ترتيب عدد كبير من مآثرها ضمن لائحة التراث الوطني، وتم رصد استمرار نفس مؤشرات السنوات الماضية، من قبيل ضعف الإمكانيات والوسائل اللوجستيكية المتوفرة لدى مصالح وزارة الثقافة والمفتشية الجهوية للمباني والمواقع التاريخية، وكذا قلة الموارد البشرية بهذه المصالح، إلى جانب ضعف القوة القانونية القادرة على فرض تطبيق القانون والعمل على حمايته، وغياب مخطط شمولي للتعاطي مع هذا الموضوع على مستوى الولاية و الجماعة، وضعف التنسيق بين مختلف المصالح، ناهيك عن محدودية إشراك حقيقي لمؤسسات المجتمع المدني في هذا المجال، كما يرى المرصد أن تدبير ملف المآثر التاريخية يجب أن يكون ضمن منظور شامل يعكس تمثل المشروع الثقافي للمدينة بما يتطلبه ذلك من مقاربة عامة ومندمجة تبلور بشكل تشاركي بين جميع الفاعلين. ولم يغفل تقرير المرصد ما تميزت به سنة 2015 على مستوى المآثر التاريخية، من خلال إنجاز مهم تمثل في ترتيب 16 موقع وبناية بالمدينة ضمن قائمة التراث الوطني، وهو إنجاز وصفه المرصد بالنادر في تاريخ طنجة، مع تأكيده على أهمية المجهودات التي تقوم بها مختلف المصالح من أجل تأهيل المدينة وجعلها في مستوى المدن العالمية، دون أن يعني ذلك أن تلك المجهودات خارج مجال النقاش والتقييم.