إدانة الأعمال الإرهابية لا يجب أن تكون بمكيالين. فالإرهاب كيفما كان نوعه هو جريمة تستهدف حياة الناس بالقتل، وهو فعل مدان مهما كانت جنسية الضحية ومذهبه ودينه ولونه ولو كان بكل ألوان قوس قزح، ونفس الشيء ينطبق على القاتل إذ لا يمكن التمييز بين متطرف مسلم وآخر مسيحي أو يهودي أو كيفما كانت المرجعية التي تسمح له بقتل الآخر لأنه مختلف. من هذا المنطلق فإن الجريمة التي استهدفت خمسون شخصا في أورلاندو الأمريكية لأنهم مثليون، هي عمل إرهابي يجب إدانته عوض السكوت عنه بسبب الهوية الجنسية للضحايا والبحث عن الأعذار، فلا أحد على وجه الأرض بإمكانه أن يختار من بين الناس من يستحقون القتل، وحده واهب هذه الحياة باستطاعته أن يسحبها ممن شاء وقتما شاء. تنظيم الدولة سرعان ما تبنى العملية بمجرد إعلان اسم الإرهابي عمر متين ذو الأصول الأفغانية، والذي راجت الكثير من الأخبار حول مبايعته لأبي بكر البغدادي، وحتى إن كانت العملية غير مهيأ لها في الخارج فإن تشبع المتهم بالأفكار المتطرفة من شأنه أن يجعل منه إرهابيا من الدرجة الأولى. ثقافة الاختلاف المنعدمة في عالمنا العربي والاسلامي هي سبب هذه المحن، ويتم التعبير عن هذا السلوك الرافض للاختلاف بطرق كثيرة، لكنها تؤدي نفس المعنى وهو الإقصاء، فثقافتنا وتنشئتنا الاجتماعية تربي على إقصاء الأشخاص الذي يختلفون عنا سواء بسبب اللون أو الجنس أو الوضع الاجتماعي حتى... وحده شكل هذا السلوك الذي يختلف فإذا كان عمر متين قد عبر عن تطرفه بواسطة سلاح ناري أوتوماتيكي استطاع أن يردي خمسين شخصا دفعة واحدة، ففي المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش ينفذ المقاتلون عقوبة الإعدام في حق الأشخاص المثليين، بحيث يقومون بتكبيلهم ورميهم من ارتفاع شاهق. وفي بلادنا أيضا وقعت أحداث مشابهة، قام خلالها عدة أشخاص بالاعتداء على مثليين بالضرب والإهانة كما حدث في بني ملال وفاس والدارالبيضاء، لم تكن العمليات منظمة بل جاءت بشكل عفوي وهو مايطرح أكثر من سؤال ماذا لو كان هؤلاء الأشخاص يحملون سلاحا بين أيديهم؟ هي نفس الحمولة من الأفكار المتطرفة تتدفق من مصادر متعددة نحو مجتمعنا، وحتى عندما هب البعض لإدانة هذا السلوك فقد اعتبر أن هؤلاء الأشخاص يحاولون أن ينافسوا الدولة في احتكارها لتطبيق القانون، ذلك أن القانون الجنائي يعاقب المثلية تحت مسمى «الشذوذ الجنسي»، غير أن الأمر في الواقع هو أعمق من ذلك هي بوادر تطرف واضح وليس منافسة حول من ينفذ القانون !! هو تطرف ديني جلي يغض القانون الطرف عنه في كثير من الأحيان، فهو مثلا لا يعاقب على التكفير الذي يفتح الباب لمثل هذه الممارسات، إذ أنه ليس هناك نص صريح يدين كل شخص سعى إلى تكفير الناس، ولولا أن القانون يرى في المتهمين في الاعتداء على المثليين كمنافسين له لما كانت هناك إدانة أصلا.