فلسفة التطرف يطرح الاعتداء الإرهابي الذي شهدته دولة النرويج مساء الجمعة الماضي وأودى بحياة ما لا يقل عن 90 شخصا، أسئلة جديدة حول التطرف وعلاقته بالمجتمع المتمدن والمتحضر، فالذي نفذ الهجوم على أحد المنتجعات الصيفية وقتل العشرات من الشباب المنتمين للحزب الحاكم في النرويج، مسيحي له ارتباطات باليمين المتطرف، الذي ينهل في كثير من الدول الأوروبية، من المعتقدات النازية التي تؤمن بفلسفة التطهير. والحادث الذي وقع في واحدة من أكثر الديمقراطيات في العالم، لديه من دون شك جذور، والمتهم بكل تأكيد ظل لأسابيع وربما لشهور يخطط لعمله هذا، مما يعني أن هناك تفكيرا مسبقا، وتحضيرات تمت في غفلة من المجتمع الآمن، وحين يقع التفجير داخل دولة تتميز بمستوى معيشي مرتفع، وبعدد قليل من السكان، دولة اسكندنافية هادئة, قلما تستأثر باهتمام وسائل الإعلام، فإن في الأمر ما يستحق الوقوف عنده مليا لتفسير لماذا يقدم شاب ثلاثيني على فعل من هذا القبيل. التقارير الأمنية أكدت أن المشتبه فيه متطرف حد الموت، وأنه متأثر بالأفكار النازية، وعلاقته قوية بالمسيحية، بل إن بعض هذه التقارير ذهبت إلى حد التأكيد أنه يعادي الإسلام والمسلمين، لكن هل هذا كاف لكي يجعله يقتل 90 شخصا دفعة واحدة. الواقع أن تفجيرات النرويج قد فتحت الباب على مصراعيه أمام نقاش قديم يتجدد كلما وقعت تفجيرات من هذا القبيل، نقاش يتعلق بماهية التطرف، وعلاقته بالمعتقدات الدينية، وحدوده الفاصلة، خصوصا أن السؤال الذي يطرح دائما، هو ما علاقة الإرهاب بالدين. إن التطرف في إطاره العام هو خروج عن المألوف، ومحاولة لتغيير واقع بالقوة، مع أن هذا الواقع توافقت عليه الأغلبية كشكل من أشكال الديمقراطية، لكنه في نظر البعض هو ممارسات هجينة وغير مستساغة، لذلك يتحول التطرف مع مرور الوقت إلى فعل انتقامي، وإذا كان البعض يربط بين التطرف والدين، فإن ذلك راجع بالأساس، إلى تلك النظرة الأحادية التي ينظر بها إلى التطرف، مع أن هناك تطرفا إيديولوجيا وعقديا وعرقيا وما إلى ذلك، وإجمالا فالتطرف ليس سوى فكرة تختمر لدى الفرد، وتتبلور بعد ذلك إلى أفعال معادية. صحيح أن بعض أشكال التطرف اتخذت صبغة دينية، بسبب البيئة التي ترعرع فيها، لكن ذلك لا يعني أن هناك علاقة جدلية بين التطرف والدين. لذلك فما وقع في النرويج، يؤكد فرضية أساسية وهي أنه أينما كانت هناك فكرة يولد شكل من أشكال التطرف الذي يأخذ في بعض أبعاده صبغة دامية كما حصل في النرويج، وفي دول أخرى بينها المغرب، لذلك لا غرابة أن ترتفع حصيلة الضحايا في كل مرة يضرب فيها الإرهاب الأعمى الذي يقتل بلا هوادة، إرهاب تغذى من أفكار متطرفة، ووجد من يأويه ويرعاه حتى يشب. فالإرهاب ليس مرادفا للإسلام كما يظن البعض، كما ليس مرادفا للمسيحية أو اليهودية باعتبارها ديانات سماوية، لكنه يكون ضد الديمقراطية وضد الحق في الاختلاف، وضد الآخر كيفما كان دينه ولونه، وهو في نهاية المطاف جزء لا يتجزأ من واقع مجتمعي يسعى فيه البعض إلى فرض وجوده بقوة السلاح، في تغييب كامل للغة العقل والمنطق. لكن هناك تيارات دينية في الإسلام والمسيحية تغذي التطرف وترعاه حتى يكبر.