المتطرفون والقتلة يتشابهون، بين الظلاميين من مجانين ابن لادن وبين أمثال النرويجي (الأصولي المسيحي صاحب الآراء المعادية للإسلام) أندرس بريفيك، لا يوجد فرق، والبشاعة هي نفسها. لقد استهدف القتل هذه المرة الشباب المشارك في المخيم الصيفي لشبيبة الحزب العمالي النرويجي الحاكم، وذلك بجزيرة يوتويا القريبة من أوسلو، كما تم تفجير قنبلة في قلب حي الوزارات بالعاصمة النرويجية، وزهقت أرواح 92 بريئا، كما أن 97 آخرين أصيبوا بجروح، ولازال عدد كبير غير محدد بعد من المفقودين، وبذلك حلت بالنرويج «مأساة وطنية» حقيقية. من المؤكد أن ما حصل يمثل «سابقة» بالنسبة للنرويج، كما أنه قد يغير أشياء كثيرة في السياستين الداخلية والدولية لهذا البلد الاسكندنافي، لكن الأساس أنه يعيد إلى الواجهة خطر تنامي اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية، وخصوصا في الشمال، وهذا ما دفع محللين إلى التحذير من احتمال تحول الدول الاسكندنافية (النرويج والدا نمارك والسويد) إلى أهداف سهلة للإرهابيين. في معظم بلدان أوربا، التي كان اليمين المتطرف إلى حدود الثمانينات لا يثير سوى النفور من لدن شعوبها ونخبها، صار اليوم خطاب التشدد ومعاداة المهاجرين والإسلام يجد مواقع له، حتى أن أحزاب متطرفة وفاشية تمكنت من الدخول إلى البرلمان بل والمشاركة في التحالفات الحاكمة، ومن هنا ينبع الخطر المحدق بأوروبا، وبقيم التعايش والانفتاح والتسامح. في النرويج مثلا يعتبر حزب التقدم ثاني أكبر حزب في البلاد وهو من أبرز تيارات اليمين المتطرف وكان معروفا بتعاطفه مع الفاشية، ثم هناك حزب الأمة وحزب التحالف الانتخابي الأبيض وحزب القوميين، بالإضافة إلى مجموعات «النازيين الجدد»، كما يعرف اليمين المتطرف صعودا لافتا في الدانمارك والسويد المجاورتين للنرويج، ومختلف هذه القوى ترتبط باتصالات على الصعيدين الأوروبي والدولي، وهي لا تتردد في تصعيد أساليبها التخريبية وأشكال مواجهتها. الخطر الكبير إذن يوجد هنا، أي فيما تشهده أوروبا من تحولات سياسية، وفي انجرار شعوبها وناخبيها أكثر نحو اليمين المتطرف، وفي التراجعات المتتالية لقيم الانفتاح والتسامح بداخلها، وتصاعد موجات العنصرية ومعاداة الأجانب والميل نحو الانغلاق، وهي كلها تحديات مطروحة على الطبقة السياسية الأوروبية وعلى نخبها ومثقفيها ومفكريها ووسائل إعلامها حتى تنكب على كل هذه الأسئلة الحساسة والخطيرة على مستقبلها وعلى أمن واستقرار العالم. الشعب النرويجي يستحق منا التضامن والتنديد ببشاعة ما تعرض له، لكن أوروبا بأكملها مدعوة لمواجهة سؤال القيم والأفكار عندها، وأن تتأمل في معنى وخطر أن تقدم أحزاب على إشهار عنصريتها، بل وتتباهى وتتنافس في من يعادي أكثر المهاجرين. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته