لأن أعمالهم كانت تزج بأبرياء في ظلمات السجون، بعد أن ينتزع الحق منهم ويساند خصومهم بمن احترفوا شهادات الزور، خدمة لأغراض مادية ينالوا مقابله نقدا أو ولائم، ممن يتكلفون بخدمة مصالح أمام المحاكم أو الإدارات العمومية. شمر أحد ضحايا فرد من عصابة شهادات الزور، وهو المتهم الموقوف كآخر عنصر ضمن المجموعة، على إثر مذكرات البحث التي صدرت في حق المتورطين، عن ساعد الجد. أخذ يترصد خطواته أينما حل وارتحل. كان يراقب حركاته في كل الواجهات، ويتبعه في كل الاتجاهات، إلى أن وصل اليوم الموعود. خلاله تابع المشتكي السيارة المعلومة التي كانت من نوع «كونغو». انطلقت من مدينة تارودانت باتجاه أكادير. وعلى مستوى «حي الباطوار» على بعد أمتار من مقر سينما «سلام»، حيث توجد محطة للوقود، ركنت السيارة وبداخلها المتهم، ومن ثم انطلقت في اتجاه المدخل الرئيس لمدينة الانبعاث بحي السلام. على مقربة من أحد الدكاكين وقف الزميلان، هذه الوقفة المفاجئة استغلها الضحية المدعو «الصغير»، وقام بالإبلاغ عن المبحوث عنه لدى رجال الأمن الولائي لمدينة الانبعاث. بعد أن ترصد من كانوا سببا في جعله متهما هو الذي كان يعتقد نفسه أنه صاحب حق. “قصعة ديال الكسكس وطبق من الديسير”، جعلت أفراد العصابة يبوحون بجرائمهم التي يعاقب عليها القانون، في جلسة تركوا فيها العنان لألسنتهم لتبوح بما اعتبروه في ساعة مفاخرة إنجازات وثقها زوج إحدى الضحايا دفاعا عن براءة زوجته. وتناول أفراد الشبكة في أحاديثهم مواضيع أخرى تمثلت في المس بالمقدسات ثم السب والقذف في حق محامين بهيأة أكادير. وبالرجوع إلى القرص الذي كشف عن العصابة، الطرق التحايلية المعتمدة للوصول إلى جيوب الضحايا من جهة، وخلق المتاعب للفئة الثانية كما هو الشأن للضحية «فتيحة» والمدعو «الصغير». ظل المتهم رقم «أربعة» الذي ورد اسمه ضمن لائحة المبحوث عنهم في قضايا تتعلق بالإدلاء بشهادة الزور في ملف ما أصبح يعرف بمدينة بقضية « الكسكس والكاميرا»، وهي القضية التي كشفت عن شبكة مختصة في الزج بالمواطن العادي داخل دهاليز السجون سواء تعلق الأمر بالسجن الفلاحي بتارودانت عن طريق جنحة أو بسجن إنزكان أو أيت ملول في ملفات موضوعها جناية. ومن بين ضحاياهم المدعوة “ف، م” التي أدت ضريبة جنحة برأتها منها هيأة المحكمة الابتدائية المدينة ذاتها بعد قضائها مدة تسعة وعشرين يوما قضتها تحت الحراسة النظرية. لكن براءتها لم تكن بالأمر السهل، حيث دفع زوجها ثمن براءتها عن طريق وليمة جعلت المتهمين الثلاثة الذي غاصوا في “كصعة ديال الكسكس وطبق من الديسير”، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مقالات سابقة، يبوحون بجرائمهم التي ينبذها الدين ويعاقب عليها القانون، بل الأكثر من ذلك تناولت الشبكة مواضيع أخرى تمثلت في المس بالمقدسات ثم السب والقذف في حق محامين بهيأة أكادير. وبالرجوع إلى القرص الذي كشف عن العصابة، لا يحتاج المرء إلى أي تعليق، بل سيكتشف كيف تنشط الشبكة أمام المحاكم، ثم الطرق التحايلية المعتمدة للوصول إلى جيوب ضحاياها من جهة، وخلق المتاعب للفئة الثانية كما هو الشأن للضحية «فتيحة» والمدعو «الصغير». ظل الظنين منذ صدور أحكام في حق زملائه الذي مازالوا يقضون عقوبتهم الحبسية بكل من السجن الفلاحي بتارودانت ثم السجن المدني بأيت ملول، بعد إدانتهم من طرف هيأة المحكمة في الملف نفسه، يلعب لعبة القط والفأر مع رجال الأمن، حيث كان يعتمد في تنقلاته على سيارة أحد أصدقائه من نوع “كونكو” ذاتاللون الأبيض، رغم كون هذا الأخير على علم أن مرافقه صدرت في حقه مذكرات بحث جهوية. شمر أحد ضحايا المتهم، على إثر مذكرات البحث، عن ساعد الجد وأخذ يترصد خطواته أينما حل وارتحل. كان يراقب تحركاته في كل الواجهات وفي كل الاتجاهات، إلى أن وصل اليوم الموعود، خلاله تابع المشتكي السيارة المعلومة التي انطلقت من مدينة تارودانت في اتجاه أكادير، وعلى مستوى «حي الباطوار» على بعد أمتار من مقر سينيما «سلام»، حيث توجد محطة للوقود، ركنت السيارة وبداخلها المتهم، ومن ثم انطلقت في اتجاه المدخل الرئيس لمدينة الانبعاث بحي السلام. على مقربة من أحد الدكاكين وقف الزميلان، هذه الوقفة المفاجئة استغلها الضحية المدعو «الصغير»، وقام بالإبلاغ عن المبحوث عنه لدى رجال الأمن الولائي لمدينة الانبعاث. هرعت العناصر الأمنية إلى مسرح الحادث، على الفور، حيث عملت على إيقاف المبحوث عنه. بادر في بداية الأمر في محاولة منه للفرار من قبضة العدالة، كما تم إيقاف زميله السائق صاحب السيارة البيضاء اللون، وقتها طلب من بلغ عن المبحوث عنه من رجال الشرطة الاتصال بالنيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بتارودانت لتأكيد المذكرة الصادر في حق الظنين، ليتم إحالة الموقوفين على المصلحة الأمنية حيث خضعا لبحث تمهيدي. بعد قضاء الضيوف ليلة كاملة في ضيافة الشرطة، تحت الحراسة النظرية، في اليوم الموالي أحيل المتهم على مصلحة الضابطة القضائية للأمن الإقليمي بتارودانت، وبإيقاف المتهم، استطاعت الضابطة القضائية أن تصل إلى آخر «عنقود» شهود الزور المنتمي لشبكة الفقيه ومن معه. كل ذلك في انتظار أن تصل يد العدالة إلى شبكة المدعو “بو السنادر” ومن معه، بضواحي أيت إيكاس، ثم شبكة أخرى بضواحي البورة على مستوى سطاح المدينة، البعض منهم يدعي أنه قادر على حل كافة المشاكل والقضايا، معتمدا في ذلك على علاقاته الحميمية التي تجمعه بمسؤولين قضائيين. أمام العميد جلس المتهم وقد أصغر وجهه، ومع بداية المساءلة، قرر المتهم الإجابة على أسئلة العميد، وبعد تحديد هويته كاملة، ووجه بالتهم المنسوبة إليه، حيث أبدى في بداية الأمر اعتماد أسلوب الإنكار، لكن بمواجهته بمضامين القرص المدمج، بدأ يتلعثم في الكلام، الشيء الذي دفع العميد بالمناداة على الضحية التي كانت وقتها ترتدي “ملحافا”. أمرها رجل الأمن بالجلوس بالمقعد المجاور للمتهم المكبل بالأصفاد، ثم سأله: “واش هاذ المرأة هي اللي طلبت منكم تشهدوا ليها؟”.. أجاب المتهم: نعم، “واش كتعرفها مزيان...؟” يقول العميد للمتهم. كان الجواب مرة أخرى «نعم». وقتها لم تتمالك المرأة نفسها حيث عبرت عن ذلك بابتسامة عريضة، “شوف فيها مزيان” يقول العميد للمتهم. “واش أنت متأكد أنها هي.. ؟ أكد المتهم معرفته بالمرأة على أنها هي من كانت تزور المشتكى بها في منزلها، لكن المفاجأة التي لم تكن سارة بالنسبة للمتهم، معرفته أن المرأة التي أكد معرفته بها أن تحمل اسم “ف.م” ليس هي بالفعل، وأنها كانت خدعة أقدم عليها العميد للتأكيد من معرفة المتهم بالمشتكية، ليقع المتهم في المحظور. تمت المناداة على المشتكية التي حضرت، نظر إليها المتهم وبصوت مرتفع طالب منها الصفح.. “الله يرحم الوالدين سمحي ليا راني عندي الوليدات..” يقول المتهم، “أنت عندك الوليدات، وأنا اللي صيفطتيني للحبس فيوم عرس بنتي، أش درت ليك، وكلت فيك الله “... انتهت المناقشة الثنائية بتدخل العميد الذي طلب من الطرفين التزام الصمت، ثم توجه بالسؤال الموالي للمتهم: “واش غادي تعترف بالجريمة اللي اقترفت فحق هاذ المرة؟ أو بغيتي نخدم ليك السيدي اللي كتشهد فيه بأنك أدليت بشهادة زور في حقها”؟ سؤال طرحه العميد على المتهم. تراجع الأخير عن إنكاره للتهم المنسوبة إليه، وعاد ليعترف تلقائيا بما أقدم عليه في حق الضحية إلى جانب زملائه، من خلال تصريحاته أفاد أنه بالفعل سبق أن أدلى بشهادة زور إلى جانب زملائه، وأنه ظهر بالقرص المدمج يتحدث عما كان يقترفه في حق ضحاياه، مؤكدا أن الشهادة برمتها كانت كذبا ولا أساس لها من الصحة. كانت شهادة ثمرة اتفاق بينه وبين سيدة أخرى مسماة «ز. ب»، وكذا «ع. أ» بإيعاز من المدعو «الفقيه» مقابل مبلغ مالي لم يتسلمه بالمرة، أما فيما يتعلق بمحتويات القرص المدمج وما تفوه به بخصوص ما حصل بالفعل، وأن المدعو «ل. أ» أي زميله، طلب منه عدم الحضور للجلسة للإدلاء بشهادته في حق الضحية. اعترافات المتهم أكدها أثناء مواجهته بالضحية، ليسدل الستار عن أول فصول البحث التمهيدي بإحالة المتهم في حالة اعتقال على أنظار وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتارودانت، حيث أكد مرة أخرى جميع تصريحاته. تقررت متابعته بتهمة النصب والإدلاء بشهادة الزور في قضية جنحية طبقا للفصل 370 و 540 من القانون الجنائي المغربي، ثم بتهمة إهانة موظفين عموميين من خلال تقديم أدلة زائفة متعلقة بجريمة خيالية طبقا للفصول 263 و 264 من القانون الجنائي، وإحالته على السجن الفلاحي في انتظار محاكمته. تراجع المتهم عن أقواله أمام هيأة المحكمة، بعد مكوثه أيام قليلة بالسحن الفلاحي قبل محاكمته، استطاع من خلاله أن يستفيد من دروس في الإنكار، ولا شيء إلا الإنكار. اتضح ذلك من خلال تصريحاته المدلى بها أمام الهيأة، حيث كانت أجوبته المتعلقة بالملف يطبعها الإنكار. أنكر اعترافاته المدلى بها أمام النيابة العامة، مشيرا إلى أنها قامت بتحرير المحضر دون مساءلته حول المنسوب إليه، ثم أجبر على التوقيع. وعن وجود صوره بالقرص المدمج. “فين مسجل هذاك القرص ؟” سأل القاضي. “يمكن فشي عرس.. “؟ أجاب المتهم. “على العرس فيه الكسكسو.. “؟ يقول رئيس الهيأة للمتهم... اقتنعت هيأة المحكمة بوجود أدلة دامغة تدين المتهم، لتعطى الكلمة لممثل الحق العام، الذي التمس في كلمة مقتضبة إدانة المتهم والحكم عليه طبقا لفصول المتابعة مع تشديد العقوبة في حقه حتى يكون عبرة لمن سواه. الدفاع، اعتبر إيقاف المتهم بمثابة خطوة مهمة لوضع حد لمثل الحالات التي يذهب ضحيتها أبرياء، مؤكدا على أن الشبكة التي ينتمي إليها المتهم، لها خبرة واسعة في مجال الإدلاء بالشهادة، إلى درجة أن الشريحة المتحدث عنها ينقصها فقط مكتبا للدفاع عن حقوقها، موضحا أن ما تضمنه الفرص من سب وقذف وإهانة ومس بالمقدسات، جرائم لا يجب السكوت عنها، ملتمسا بدوره تشديد العقوبة في حق الظنين، الذي كان آخر من تكلم. ليحجز هذا الأخير إلى آخر الجلسة للتداول فيه. بعد مداولة الملف، قضت هيأة المحكمة بمؤاخذة الظنين بما نسب إليه والحكم عليه بعشرة أشهر حبسا نافذا فاقدة للحرية وتعويض مدني قدره عشرون ألف درهم مع غرامة قدرها خمسة آلاف درهم، وذلك طبقا لفصول المتابعة.