طبعا سبقنا رئيس الحكومة بالتحية... لكنها تحية في شكل ما يسميه المغاربة «ترمضينة». لا حاجة طبعا لشرح اللفظة لأننا سنراها في شوارعنا كما دأب عليه الحال كل رمضان... لكن يظهر أن رئيس حكومتنا عبد الإله بنكيران في ترمضينة دائمة... ظهر ذلك جليا وهو يعامل صحافيا وصحافية بعنف لفظي لأنهما فقط طلبا منه تصريحا يخص تسيير الشأن العام. عبد الإله بنكيران قال للصحافية أنت لن أحترمك وأجاب الصحافي أنت موقع معادي...! رئيس الحكومة وهو يعادي ولا يحترم، يفصح عن خلل ما في علاقته، ليس مع الصحافة فقط وإنما مع المجتمع الذي يمثله باعتبار الصحافة تمثل الوسيط بين السلطة والمجتمع. رئيس الحكومة ينسى أحيانا أنه في منصبه هذا يسير الشأن العام المغربي وهو بالتالي رئيس حكومة كل المغاربة وليس رئيس حكومة أتباعه والمتعاطفين معه فقط. التعامل باحتقار مع الصحافة لا يمس الصحافيين فقط بل فيه قلة احترام للمجتمع ككل. قد يقول قائل عن أية صحافة تتحدث؟ هذا السؤال بالضبط فيه نوع من خلط الأوراق، فانتقاد الصحافة لا يجب إخراجه من سياقه المجتمعي العام. إن ضرب الصحافة فيه مس بأحد أركان الديموقراطية، والتمييز فيها هو مس بالتعددية وفي كل هذا نزوع استبدادي ديكتاتوري... لكن دعونا نطرح سؤالا جوهريا على السيد رئيس الحكومة: هل كل من يختلف معك هو عدوك؟ هل يجب أن يكون كل الناس في صفك يفكرون بنفس تفكيرك ويصفقون فقط لما تعتبره إنجازات حكومية ولا حق لأحد في انتقادك وإلا أصبح عدوا؟ هل يحق، في السياسة، الخلط بين الخصم والعدو؟ أعتبر أن هذا هو بيت القصيد في علاقة بنكيران مع كل الذين يختلفون مع أسلوب تسيير الحكومة للشأن العام. فهم تماسيح وعفاريت، وتنضاف لهم اليوم لفظة أعداء. هل نفسر أسلوب بنكيران الإندفاعي والحماسي أكثر من اللزوم أحيانا بسمة شخصية في الرجل ونكتفي بهذا التفسير وانتهى؟ عبد الإله بنكيران هو رئيس الحكومة بقوة القانون. لكن هل هذه القوة تعطيه الحق في أن يهين الناس حتى ولو اختلفوا معه؟ أليست طريقة تدبيره للشأن العام قابلة لمبدئي الصواب والخطإ؟ أليس بنكيران بشرا؟ لم تكن حادثة الصحافية التي لا يحترمها والصحافي المعادي معزولة، وإلا لمسنا العذر للسيد رئيس الحكومة. إن للرجل سوابق عديدة أشهرها لما استضاف القناتين الأولى والثانية منذ سنوات، وفرض على الصحافيين الذين جاءا ليحاوراه إيقاعا محددا وجردهما من صفتهما الصحافية المبنية على المهنية والحياد والموضوعية. طبعا هناك خلل في الأمر. شيء ما ليس على مايرام ومنطق غريب حقا «أتركوني أفعل ما شئت وإلا فإنكم ضد الإصلاح»، أي منطق في الديموقراطية يعطي لمن حصل على أغلبية الأصوات أن يتحكم في كل شيء ويرفض أي معارض ؟ لقد بين عبد الإله بنكيران في غير ما مناسبة، ومع كل فعاليات المجتمع بمؤسساته وتنظيماته نوعا من التعالي والعدوانية غير المبررة. بل لقد ابتدع في السياسة أشكالا جديدة من التعامل مبنية على ما يحمله معه، وهو في حركة الإسلام السياسي، من «غبن» وادعاء للمظلومية، الشيء الذي يعتقد معه أحقيته في التعامل بعنف لفظي مع خصومه ومع الآخرين... لا أريد هنا أن أسمي بعضا مما يقترفه رئيس الحكومة في مناسبات عدة، غير أن الرجل يجب أن يفهم أن منصبه يفرض عليه الإنصات للناس واحترامهم ولو اختلفوا معه. لقد سبق لهذا الركن أن تطرق إلى موضوع مظلومية بنكيران وقال بأن فشل حكومته لا يريدها كل غيور على وطنه. غير أن نجاح الحكومة لا يمكن أن يقوم على التعامل مع مكونات في المجتمع باحتقار فقط لأنهم غير مقتنعين بأداء هذه الحكومة... وفي كل الأحوال فإن التعامل بعدوانية لا يستطيع أن يحسن عمل حكومة. والأمور تعرف بخواتمها. أما «النرفزة» فهي حالة نفسية لا تؤخر ولا تقدم ولا تغير من الأمور شيئا، بل هي فقط تكدر الخواطر.