سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العماري: كنت أنتظر رفع السيوف لقتلي وليس رفع صوري في احتجاجات 20 فبراير قال إن العدل والإحسان لا ترغب حاليا في السلطة والأحزاب تداولت في حسم رئاسة الجهات بالإجماع
اختار إلياس العماري، نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة والرئيس المدير العام لمجموعة «آخر ساعة»، أن يبعث بإشارات مطمئنة حول توجه المشروع الإعلامي الجديد، ومدى علاقته بحزب الجرار. وتوقف العماري، الذي حل ضيفا على برنامج «مناظرات المساء»، عند عدد من الأسئلة الحارقة والاتهامات التي يوجهها إليه خصومه، ومنها استعمال أساليب «التحكم» و»توزيع المال» لنيل رئاسة جهة طنجة-تطوان-الحسيمة. في هذا اللقاء، تحدث الرجل القوي داخل «البام» عن جماعة العدل والإحسان، وعلاقته بمرشد الجماعة عبد السلام ياسين. - توجه إليك الكثير من التهم ولديك العديد من التعاريف، لكنك فضلت بعد انتخابك رئيسا لجهة طنجة-تطوان- الحسيمة أن تسمي نفسك ب»الخماس». ما دلالة هذه التسمية بالنسبة إليك؟ أنا ابن البادية، وعشت طقوسها وثقافتها وعلاقاتها وتقاليدها. أعرف جيدا ما تعنيه كلمة «خماس»، فقبل أن أترشح للانتخابات كنت أساهم في التخفيف من معاناة الناس باقتناع، حيث أناضل وأصرخ لأرفع قدر الإمكان والمستطاع هذه المعاناة سواء في الصحة أو التعليم لفك العزلة بشكل عام، وهذا كان يمليه علي ضميري والتزامي بقضايا شعبنا والعمق الإنساني لهذه القضايا. الآن، وبعدما كانت هذه المساهمة في رفع التهميش قناعة شخصية أو خيارا جماعيا أو فرديا، أصبح الأمر بعد الانتخابات مفروضا علي لأنني التجأت للمواطنين وطلبت أصواتهم وثقتهم، وفي المقابل سأشتغل لخدمتهم. - هل يقدر إلياس العماري أن هناك أزمة نخب في بلادنا؟ لا أقدر بأن هناك أزمة نخب في المغرب، بل هناك مشروع لإقصاء النخب من طرف الذين لا ينتمون إلى هذه الفئة. فأنا متأكد بأن الذين يحاورونني الآن تتوفر فيهم من الشروط للمساهمة في كثير من الأشياء التي لا تتاح لهم فرصة المساهمة فيها، لسبب بسيط هو وجود «باراج». - خصومك يوجهون إليك اتهامات مختلفة، منها إشعال مخيم اكديم إزيك والزج بالمعتصم في السجن وغيرها من الاتهامات. ما الذي يجعل هؤلاء السياسيين يوجهون إليك مثل هذه الاتهامات؟ بالنسبة لأحداث مخيم اكديم إزيك، فلا أدري كيف تتجه «النخب» إلى الأشياء السهلة. فهل يمكن إقامة خيمة فوق سطح المنزل دون أن يستفسرك المقدم أو القائد؟ فعندما تكون هناك جنازة، يأتي ممثلو السلطة ويسألونك إن كنت تتوفر على ترخيص، رغم أنك قمت بنصب خيمة فوق سطح المنزل، وليس في الشارع العام. الصحراء منطقة عسكرية كما يقال وفيها نزاع، فتشييد 5000 أو 10 آلاف خيمة لا أظن أنه تطلب يوما أو 15 يوما فقط. هذا العقل الذي بحث عن إلياس العماري فعل ذلك ربما لأنه لا يريد الدخول في بعض الأمور أو أنه طلب منه أن يقول تلك الأشياء. لذلك لم أرد على تلك الاتهامات ولن أجيب عنها أبدا، بل دائما أقول إن الرأي العام عليه أن يبحث. أنا إلياس العماري المتهم بإقامة مخيم اكديم إزيك أطلب من المغاربة نصب خيمة فوق سطح المنزل وليس في الشارع، وسيرون كيف سيتم التعامل مع الأمر. أما بالنسبة للمعتصم، فقد صدر في جريدة «المساء» أن أحد قادة حزب الاستقلال صرح بأنه هو من وضع شكاية ضد المعتصم وأدخله للسجن. - كيف تفسر هذه الاتهامات، وهل هي مرتبطة بتاريخك اليساري؟ الأمر ليس مرتبطا بتاريخي اليسار، بل يجب أن نعترف بأن هناك فراغا مهولا في النقاش العمومي، حيث أخذت الإشاعة موقع المعلومة الصحيحة، إلى جانب التحليل البسيط الذي أخذ مكان التحليل العميق والجدي واستعمال أدوات المعرفة في التعامل مع القضايا. كما أن تاريخنا قبل الاستقلال وبعده مبني على الشخصنة، فجميع الكوارث يتم إلصاقها بشخص معين، فمن تمكن من الحصول على الاستقلال هو فلان وفلان وليس الشعب، ومن كان مسؤولا على مغرب ما بعد الاستقلال في غياب التنمية الاقتصادية والديمقراطية قلنا بأنه هو أوفقير، وبعد ذلك جاء الدليمي وبعده إدريس البصري، وننتظر من سيأتي عليه الدور. من يستفيدون من هذا الوضع ليس من مصلحتهم مأسسة الصراع، لأن ذلك سيشكل بداية لحل المشكل. - هل هذا العقل الذي يشخصن ويعتمد التفكير البسيط هو الذي أضاف إلياس العماري إلى هذه اللائحة التي تحدثت عنها؟ هذا الأمر أصبح نمطا وليس صدفة، بل إننا أمام منظومة تفكير وممارسة للحكم لم يخترعها المغاربة بل توجد في العالم. ففي أي بلد يوجد أناس تخيفهم أو ليست في صالحهم الديمقراطية، فإنهم يبحثون عن طرق أخرى لتدبير الصراع وممارسته، وهذه ثقافة موجودة في العالم ولديها منظرون. أسهل شيء هو أن تتعامل مع التدبير السيئ لأحد القطاعات بكتابة مقال وإصدار تصريح تتهم فيه فلانا، علما أن الرأي العام مؤهل لتصديق هذه الأمور. الرأي العام المغربي إلى حدود الساعة محروم من المعلومة الصحيحة وممنوع من القيام بالتدبير، وبالتالي فالإشاعة تصبح السيدة الأولى داخل عائلاتنا على اعتبار أن هذا العرف الذي أسسنا له منذ زمان أصبح بقوة التاريخ قانونا. - في سنة 2011 رفعت صورك من طرف حركة 20 فبراير وقال بنكيران إنك هربت إلى فرنسا. هل هذا جزء من الإشاعة؟ هناك أشخاص على امتداد التراب يحتجون برفع صور بنكيران التي تشبهه بدراكولا الملطخ فمه بالدماء، وبالتالي لم يكن لدي مشكل تجاه من يمارس علي ما مارسته عليه، وينتقدني كما انتقدته. أعرف أن هناك توجها داخل المجتمع المغربي من حقه أن يرى في إلياس الخطر وينظر إليه من زاويته، وفي المقابل فمن حقي أن أراه من وجهة نظري. حينما قلت بأن تيارات معينة مارست القتل وسميتها، فالذين قتلوا عمر بنجلون هتفوا برحيل إلياس لأن الأخير قال بأنهم قتلوا عمر. فهل سيقدمون لي الورود؟ لم أكن أنتظر أن يتم رفع صورتي فقط أو أن يقولوا بأنني ذهبت إلى فرنسا أو كندا، بل كنت أنتظر أن يحملوا السيوف لقتلي، لأنهم فعلوها. طبعا أنا لست مؤرخا لأعرف إن كانوا قد تطوروا أم لا، بل إنني إنسان أتعرف على الأحداث وليس من مسؤوليتي أن أمنح لها تفسيرا أو تعليلا، لذلك فليس لدي مشكل أن يتهمني أحد بأي شيء لأن ذلك من حقه. أما القول بأنني هربت إلى فرنسا، فآنذاك كان بنكيران أمينا عاما لحزب ولم أكن أعلم بأنه مسؤول عن شرطة الحدود. أنا أنزهه عن هذه الأمور، فعبد الإله بنكيران من حقه أن يقول ما يشاء لكن ليس من حقي كمغربي يحب وطنه أن أقول أشياء ولو حقيقية في حق رئيس الحكومة. منذ أن أصبح بنكيران رئيس الحكومة لم أتفوه في حقه بأي كلمة ولن أقول عنه شيئا، لسبب بسيط جدا هو أنني إذا أجبته فلن أجيبه إلا في مستواه. تصوروا معي أن يقول بأنني سارق أو تاجر مخدرات وأرد عليه بأنه هو التاجر الذي أشتغل معه، فهل سيتعامل الأجانب مع رئيس الحكومة؟ لكن بالنسبة لي فصندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الأجنبية لا تكترث للاتهامات التي توجه لإلياس العماري. - أطلقتم بحر الأسبوع الماضي المشروع الإعلامي «آخر ساعة»، والمثير هو أنك استطعت أن تجمع شخصيات من الطبقة المالية والسياسية والمثقفين والمفكرين والأدباء في حفل إعطاء الانطلاقة للمشروع. ألا يعكس هذا الحدث ثقل إلياس العماري في البلد؟ نحن وجهنا الدعوة إلى جميع الناس الذين لديهم مصلحة في المشروع. وجهنا الدعوة إلى رئيس الحكومة وجميع الوزراء بدون استثناء، وبعض السفارات والاتحاد العام لمقاولات المغرب وجميع مدراء النشر والمكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية والوكالات الإشهارية وكتاب وصناع الرأي العام من فنانين ومثقفين ورياضيين. أنا لم أوقع أي دعوة أو وضعت لائحة المدعوين ولم أتصل بأي أحد، بل إن المؤسسة هي التي تكلفت بذلك، لدرجة أن وزراء رفضوا الحضور لعدم اتصالي بهم لدعوتهم. نحن اتجهنا إلى الجميع، فحضر من حضر وتعذر ذلك عن البعض ولن أعتبر الأمر موقفا لأنني لا أقرأ النيات. - هناك من يدفع بفكرة التحكم الإعلامي من خلال هذا المشروع، بعد النجاح في التمكن السياسي والاقتصادي. ما ردك؟ أحيانا نستعمل مصطلحات عن قصد أو غير قصد في غير مكانها. لغة التحكم هو المصطلح الذي استعمل من طرف الأنظمة الديكتاتورية في مواجهة الأنظمة الديمقراطية، حتى تنفي عنها تهمة التحكم. كلما سمعتم شخصا يستعمل لغة التحكم فيجب البحث عن ماهيته. فقد سألني أخيرا أحد الصحافيين عن التحكم في الانتخابات الأخيرة، فكان ردي هو أن التحكم يكون في أرضية تعرف الجهل والأمية وجميع الظواهر الاجتماعية الخطيرة من سرقة ودعارة ومخدرات، وفي هذه الأحياء ينشط التحكم لأن هؤلاء المواطنون يسايرونك إما لأنك تقوم بحمايتهم أو طمعا في الدفاع عنهم، ولذلك دعوت هذا الصحافي إلى القيام ببحث حول الأماكن التي فاز فيها كل حزب. بالنسبة للمشهد السياسي، فمنذ الاستقلال بقي يتحرك في مكانه، إذ أن القوى السياسية في مراحل معينة كانت لديها من وسائل السيطرة التي جعلت المختلفين معها يتحركون داخلها. - هل هذا الذي يفسر خروج «البام» إلى الوجود؟ «البام» شيء آخر، وسنعود للحديث عنه. أنا أستغل هذه اللحظة والفضاء لنفكر جميعا بصوت مرتفع، فالأحكام البسيطة والسريعة لن تؤهلنا إلى مجتمع متطور لأن نفس ما يروج اليوم قيل في الماضي، حيث حملنا المسؤولية لأوفقير لكن بعد نهاية هذا الرجل هل أنهينا مع أسلوب التدبير؟ والحال أن المشكل لم يكن مرتبطا بأوفقير. السؤال يتربط بمن لديه المصلحة ليدفع النخب إلى الاكتفاء بالتحاليل السطحية والأحكام التبسيطية، وألا يبدع هذا الشعب ويبقى جاهلا وفقيرا ومتخلفا. لا أظن أن الأمر يتعلق بشخص سواء كان إلياس أو بنكيران أو غيرهما. - لمن يتوجه مشروع «آخر ساعة»، وهل جاء لمواجهة الإسلاميين؟ لا يجب أن نعطي بعض الأشياء أكثر مما تستحق. فبعد أن قدمت استقالتي من الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، جلست لمدة شهرين أفكر فيما سأفعله والحال أن المجال الذي أفهم فيه هو الإعلام. في البداية اشتغلت في شركة للاتصال، لكنني لم أستطع أن أتأقلم بداخلها فعالم الوكالات المكلفة بالتواصل يخضع لقوانين جديدة. وبالتالي أحسست بأنني أحصل على أجر في مؤسسة رغم أنني لم أجد نفسي بداخلها، فقررت أن أبحث عمن سيساعدني لتشييد مطبعة، ولم تكن نهائيا أية نية لإصدار جريدة أو مجلة. - كيف تمت الأمور بالنسبة للمطبعة؟ لدي الكثير من الأصدقاء، ووجدت رجال أعمال ليست لديهم أدنى علاقة بالسياسة، بل هم أشخاص يبحثون عن الربح وهو ما أثبت إمكانية تحقيقه بشراكة معهم. وبعد قيامي بجولة عبر العالم لاقتناء الآلات، اقترح أحد الأصدقاء فكرة إصدار جريدة، ليس لمنافسة الجرائد المغربية بل بمقاربة أخرى، فابتدأت الفكرة. لم يكن هناك حضور لهواجس سياسية أو غيرها بشكل مطلق، لكن من حق الرأي العام والقارئ والمتتبع أن يقوم بالتأويل الذي يريد، غير أن الحقيقة هو ما تحدثت عنه. ورغم أنني فاعل سياسي أختلف مع الآخر، إلا أنني أؤكد أن الطبيب من حقه أن يكون فاعلا سياسيا شأنه في ذلك شأن المحامي وغيرهما، غير أن هذا الطبيب عندما يقوم بالتشخيص فإنه لا يلجأ إلى الوثيقة المذهبية لحزبه. - بين السياسي والإعلامي، هل يستطيع إلياس العماري خلق التوازن؟ فيصل دراج مثقف كبير وعضو بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لكنه مارس الصحافة والكتابة وكأنه ضد الجبهة التي ينتمي إليها. - هل هذا يعني أن مشروع «آخر ساعة» لا علاقة له ب»البام»؟ لغة البراءة هي لغة نسبية. في المغرب نتوفر على ثلاثة أنواع من المؤسسات الإعلامية، فهناك الإعلام الحزبي الذي يعلن عن نفسه والإعلام الحكومي والرسمي، وهناك الإعلام الخاص وليس المستقل، إذ لا يوجد في العالم شيء اسمه الإعلام المستقل. هذه مجرد بدعة، وبالتالي فهذا المشروع الإعلامي خاص ولا يمكنه أن يصادر حق العاملين والكتاب في التعبير عن رأيهم المخالف للآخر، فغدا سينزل رأي شخص يخالف رأي «البام» أو العدالة والتنمية أو مجموعة أخرى فيقال بأن هذا الشخص تابع، والحال أن ناقل الكفر ليس بكافر. - افتتاحية العدد الأول من «آخر ساعة» جاء فيها: «لسنا أدعياء خوارق ولا ندعي امتلاك مصباح الحقيقة مطلقا»، و»لن يكون دورنا حبك الأحكام ولا التطفل على التشريع والسطو على مهام الإفتاء». هل هذان المقطعان يختزلان خلفية المشروع؟ لا يجب عزل عبارات معينة عن سياقها، كما لا يجب الحكم على مقال من خلال الموقع عليه. هذه الافتتاحية بمثابة ميثاق للتحرير ساهم فيه أزيد من 80 صحفية وصحافي وعامل في هذه المجموعة، وأنا من جملة الناس الذين ساهموا في كتابته. المصباح كان قبل الحزب واستعمل في سياقات مختلفة قبل أن يستعمل كشعار لهذا التيار السياسي أو ذاك، وبالتالي فليست هناك أي إحالة بشكل نهائي. فيما يتعلق بالتطفل على التشريع والسطو على مهام الإفتاء، فالصحافي يحترم القانون المنظم لهذه المهنة ويثير الانتباه إلى الخلل الموجود في القانون، لكنه لا يغيره لأن وظيفة التشريع من اختصاص السياسيين. الصحافي لا يمكن أن يقول إن القانون غير ديمقراطي فيضع بنفسه قانونا آخر، أما الإفتاء فلا يعني فقط المجال الديني بل أيضا المجال القانوني والأكاديمي. وعليه، فنحن لسنا بمفتين في هذه المجالات أو من أصحاب مشروع السطو على اختصاصات الآخر. - بالعودة إلى فوزك برئاسة جهة طنجة-تطوان- الحسيمة، وجهت إليك اتهامات بممارسة التحكم وتوزيع المال، ناهيك عن تساؤل بنكيران عن الكيفية التي وصلت بها إلى رئاسة هذه الجهة رغم أنك لم تحصل في جماعة «النكور» إلا على حوالي 140 صوتا. هل من توضيحات بهذا الخصوص؟ بنكيران رئيس حكومة ل35 مليون مغربي، وأصبح كذلك بأقل الأصوات مقارنة معي حيث لم يتجاوز 18 ألف صوت في مدينة سلا، علما أن هذه الدائرة تضم أزيد من 700 ألف نسمة. أنا حصلت على أزيد من 45 ألف صوت، أي ثلاث مرات أكثر منه، في دائرة إقليمالحسيمة التي لا يتجاوز عدد سكانها 400 ألف، وهو ما يعني أنني حصلت على 50 في المائة من الأصوات التي نالتها باقي الأحزاب. وإذا استندنا في هذا الطرح إلى عدد الأصوات فبنكيران لا يستحق أن يكون رئيسا للحكومة، لأنه لم يحصل على أصوات تتجاوز ما فاز به سياسيون آخرون. بالنسبة للحديث عن التحكم، فمن يمارس التحكم هو من يسير لوحده في المغرب. فمن يسير فاس هو شخص واحد والشيء نفسه في طنجةوالدارالبيضاءومراكش. هذه الثقافة لم يسبق أن كانت في المغرب، وهذا هو التحكم. عندما تكون لديك القوة فإنك لا تشرك معك الآخر، لكن «البام» في 2009، التي نحن متهمون فيها بالتحكم، فإننا سيرنا مراكش مع العدالة والتنمية وكذلك في الدارالبيضاءوسلا، ودخلنا في مساندة ولعلو في الرباط رفقة العدالة والتنمية. الآن المدن التي حصل فيها العدالة والتنمية على الأغلبية المطلقة جعل فيها باقي الأحزاب المغربية في المعارضة وهو أمر خطير، إذ أنه يوجد شخص واحد هو الذي يسير وباقي الأحزاب بما فيها المنتمية للأغلبية في المعارضة، ولم يشركها في أي مدينة. - هل هذا يعني أن «البيجيدي» يمارس التحكم؟ لغة التحكم لا أحب استعمالها، بل إنه يمارس التدبير السياسي كما هو مقتنع به، وهذا من حقه. هناك فاعلون سياسيون لديهم منطق الحزب الوحيد ويقومون بذلك، فأردوغان أعاد الانتخابات وصرف الملايير. هناك بعض العقليات السياسية في العالم أنا أختلف معها، لكن من حقها أن تكون. - هل إلياس العماري يرى أن العقل السياسي الإسلامي الذي جاء من انطلاقا من الحركة الإسلامية هو عقل احتكاري؟ بعض الأصدقاء في العدالة التنمية، ومنهم مصطفى الرميد قال بأن «البام» يجب أن يقدم اعتذارا لأنه جاء لمواجهة الإسلاميين. حتى نكون واقعيين، فنحن جئنا للدفاع عن المسلمين في مواجهة الإسلاميين، ونحن بلد مسلم ولسنا بلدا إسلاميا. نحن مجتمع مسلم خضعنا للإسلام بثقافتنا وليس بالثقافة الشرقية. - الأصالة والمعاصرة جاء لمواجهة «البيجيدي»، أليس كذلك؟ أبدا، فإذا كان «البيجيدي» يعتبر نفسه صناعة شرقية ومدافعا عنها وناطقا باسمها، فلا أظن ذلك إلى حدود الساعة وبالتالي فهو غير معني. لكن إذا كان يعتبر نفسه معنيا، فإنه بالنسبة لنا في الأصالة والمعاصرة فهذا المشروع لم يبدأه حزبنا بل بدأ مع الإسلام في عهد مولاي إدريس. حينما بويع مولاي إدريس فإنه بويع ضدا على خلافة الشرق، ليس لأنه مسلم فقط أو ليقول المغاربة بأنهم لن يدخلوا تحت أجنحة الخلافة، بل إنهم بايعوا شخصا متمردا ومعارضا لخليفة الشرق، حتى يبلغوا رسالة واضحة بأنه لا يمكن أن نكون جزءا من مشروع هذه الخلافة. المغاربة، بمختلف تعبيراتهم الثقافية والسياسية والاجتماعية والمدنية، يصارعون هذا المشروع منذ 12 قرنا، حيث حاولت الإمبراطورية العثمانية ذلك، والشيء نفسه بالنسبة لمحمد بن عبد الوهاب في أواسط القرن ال18، حيث راسل السلطان للدخول تحت هذا النظام التوحيدي الجديد الذي سيخرج منه اسم الوهابية، فأجابه بأننا نشترك في الله وليس من حق أي كان أن يخوصص الإله، فلم يدمر الأضرحة أو الزوايا أو وضع نمطا معينا للتدين. أنا ابن فقيه وأمي مسلمة لكنها تعيش بوشمها وزيها الريفي وطريقة طبخها وسلامها على الناس، فنحن أمة نستوعب ولا نُستوعب، ومن سعى إلى استيعاب هذه الأمة فشل. - هذا النقاش يجرنا إلى الحديث عن العدل والإحسان. كيف يقرأ «البام» مستقبل الجماعة؟ بحكم اشتغالي في مجال الطباعة، فكما تعاملت مع بنكيران تعاملت أيضا مع المرحوم عبد السلام ياسين وهو في الحصار من خلال أعضاء الجماعة. كثير من كتب عبد السلام ياسين ساهمت في طباعتها من خلال الورق، وسيأتي الوقت لأكشف المطبعة التي قامت بطباعتها. هذا يجعلني على اطلاع يومي بفكر الجماعة، وما أحييه في المرحوم ياسين هو جنوحه نحو السلم. ربما هناك ممارسات ارتكبت من طرف أتباع أو منتسبين للجماعة، لكن المرحوم كان دائما ضد العنف وكنت أقول في زمن الحسن الثاني إن هذا الرجل وأتباعه يحتاجون لفضاءات، فإذا أغلقت عنهم سيبحثون عن مسارات أخرى كما هو الشأن بالنسبة للماء، وأغلب ما حدث في التجارب العالمية يكون سيئا. كانت لدي لقاءات متكررة، وكنت أقول بخصوص البشيري إن الجماعة كانت ستأخذ مسارا آخر، حيث كان لديه تصور آخر. أقول صادقا إن معرفتي بالعدل والإحسان اليوم تتم ليس من خلال ما تكتب بل من خلال ما يكتب عنها، وما يكتب عن الآخر في بلادنا لا يعكس دائما الحقيقة. فبالنسبة للسؤال حول ما إذا كانت مؤهلة أدبيا وتنظيميا للانتقال إلى السياسة بمفهومها الأدواتي والمؤسساتي، فليس مهما أن يكون الحزب شرعيا أو غير شرعي لأن كثيرا من التجارب السياسية في المغرب كانت غير قانونية، إلا أنها كانت تنظيمات سياسية قائمة تقول إن هدفها هو الوصول إلى السلطة. الآن جماعة العدل والإحسان تطالب بالهداية لمن سيصلون إلى السلطة، ولم تعبر عن رغبتها في الوصول إليها. فهي تطرح النموذج الذي تريده، وننتظر مرحلة أخرى تعبر فيها عن رغبتها في السلطة، وآنذاك سنعرف إن كانت تريدها بشكل منفرد أم بطريقة مشتركة، وسندخل آنذاك في مرحلة الأدوات. - هل هناك قنوات حوار؟ ليست هناك قنوات للحوار، بل لدي أصدقاء وبعض أفراد عائلتي القريبة جدا الذين أدخل معهم في نقاشات خلال بعض المناسبات العائلية التي تجمعنا. - بالعودة إلى السؤال الذي طرحناه حول توزيع المال للوصول إلى رئاسة الجهة. ما ردك على هذه الاتهامات؟ الزمن الذي عشت فيه كنا نؤدي الضريبة عن الكلام، واليوم تغير الوضع. هذا أمر رائع ومهم، لكن يجب أن تكون لذلك تبعات. أن يأتي مسؤول كيفما كان ويصرح بهذا الكلام فعلى النيابة العامة واللجنة الحكومية المكلفة بالانتخابات أن تمارس مهامها مباشرة، وليس أنا الذي سيمارسها أو أنفي. أنا سأقول بأن هذا الأمر غير موجود، وهو غير موجود بالفعل، لكن ذلك غير كاف لأن إشاعة هذه الثقافة سيكون أمرا سيئا. إلياس العماري بحكم تكوينه وتجربته وصبره لا تؤثر فيه هذه الاتهامات، لكن الآخرين تؤثر فيهم وقد يقومون برد فعل غير متوقع. عندما تتهمني بمنح رشوة فقد أتهمك بأمور أخرى، وأقول دائما بأن مقدمة العنف المادي هي العنف اللفظي. فحذار من توجيه الاتهامات هكذا، لأنه لدينا مؤسسات على علتها لكن يجب أن نلجأ إليها للخروج من الشخصنة ونتركها تقوم بدورها. إذا كانت لديك شكوك حول شخص بأنه إرهابي يريد تفجير نفسه، فهل ستطعنه بالسكين أو تصرخ أمام الملأ بأن هناك إرهابي، أم ستلجأ إلى من لديه سلطة معرفة إن كان إرهابيا أم لا؟ اليوم بعض الإخوان في بعض التنظيمات السياسية يظنون بأنهم يبنون بهذه الطريقة. ربما هم يبنون أمجادهم ويعطون صورة جيدة عن أنفسهم حتى يقول المغاربة إنهم ليسوا فاسدين، لكنهم يهدمون الوطن بكامله، وعندما يهدم الوطن فالنار ستأتي على الأخضر واليابس وستلتهمه بدوره. وبخصوص ما أثير حول فيلم عيوش تحدثت للخلفي وأصدرنا بيانا في الموضوع، لأن القول بأن الشعب أصدر الحكم فهو غير مقبول، بل لدينا مؤسسات هي التي يجب أن تصدر الحكم وليس الشعب، فالقذافي هو صاحب هذه النظرية ولم يطبقها. الشعب لا يجب أن يصدر الحكم، لأنه إذا أعطينا الحكم للشعب فهذا الأمر خطير، فاليوم لك وغدا عليك. اليوم إلياس العماري لا يرد ويكتفي بالضحك، لأنني أعرف نفسي ولا تؤثر علي هذه الاتهامات، فأنا لم أعط لأحد ولم آخذ منه وليست لدي مصالح، لكن هناك أشخاص ليسوا مثلي وعندما يسمعون هذه الأمور فقد يردون باتهامات مماثلة، واليوم بالكلام وغدا بأشياء أخرى. - بالعودة لموضوع الجهوية الموسعة، ما هي أبرز التحديات المطروحة؟ حذار من أن يخرج مشروع الجهوية «من الخيمة مايل». عندما كنا في إطار المشاورات بين الأغلبية والمعارضة حول القوانين الانتخابية، اتفقنا على إصدار قانون الجهة بالإجماع وشخصيا، بمعية فاعلين آخرين، قلنا بأن الرئاسات يجب أن نذهب فيها بالتوافق والإجماع أيضا. مسألة الجهوية لا تهم هذا الحزب أو ذاك، فهي قبل أن تهم المجتمع المغربي تهم مصداقية بلادنا في الخارج لأنها مرتبطة بالحكم الذاتي في الصحراء. هذا الأخير هو نتيجة طبيعية للتراكمات التي ستحدث على مستوى الجهوية الموسعة، فإذا فشلت لن يصدقنا أحد في الخارج. وعليه دَعَوْنا إلى هذه المقاربة دون أن نهتم إن كان الحزب الفلاني سيحصل على 15 جهة وآخر على رئاسة جهة واحدة، بل الأهم أن ندبر الرئاسات بالإجماع وبنخب في المستوى ضمن مرحلة انتقالية، وبعد ذلك سنكون أمام نخب جهوية ناضجة. - كيف قرأت خروج الاستقلال من تحالف المعارضة الذي يضم «البام»؟ الاستقلال لم يخرج من التحالف مع «البام». لقد كان هناك تنسيق على مستوى المعارضة، بيد أن كل واحد لديه تقديراته ونظرته الخاصة لهذا التحالف من زاوية مصلحة حزبه، ويقرأ مصلحة الوطن بطريقته. فحزب الاستقلال من حقه أن يقرأها بطريقته كما قرأها في الأمس، فانتقل من التصويت ب»لا» إلى الامتناع عن التصويت. ماذا عن مستقبل الأصالة والمعاصرة في أفق المؤتمر القادم، خاصة فيما يتعلق بالمرجعية الفكرية؟ «البام» لا يراجع مرجعيته الفكرية. فجميع الأحزاب في العالم عندما تضع لجنة تحضيرية لمؤتمراتها تكون هناك لجنة للتدقيق في هوية الحزب، ويقع نقاش داخل هذه اللجنة. أنا متأكد أن المؤتمر سيصوت على المشروع الذي يراه مناسبا. هوية الحزب واضحة، وهي الديمقراطية الاجتماعية المنفتحة التي درسناها بشكل كبير قبل المؤتمر الأخير، وجمعنا جميع الأدبيات وأخرجنا هذه الوثيقة المذهبية، وما ساعدنا كثيرا هو الأزمة الاقتصادية في 2008، حيث قمنا بقراءة اقتصادية واجتماعية وإيديولوجية، وطرح هذا السؤال: لماذا أصابت هذه الأزمة البلدان الرأسمالية ولم تصب غيرها؟ فاكتشفنا أن هذه الأزمة لم تصب أيضا البلدان الاسكندنافية، على اعتبار أن الخلفيات الثقافية والفلسفية والإيديولوجية للأحزاب في هذه البلدان أخذت من الاشتراكية البعد الاجتماعي ومن الرأسمالية البعد الديمقراطي. - هل ستترشح للأمانة العامة؟ لن أكذب إذا قلت بأني لا أعرف إن كنت سأترشح أم لا. إلى حدود الساعة هناك نقاش، فالحزب دبر المرحلة بشكل جيد خلال الأربع سنوات الأخيرة وهذا مؤتمر عادي وليس باستثنائي، ولابد أن ننظمه في وقت حتى لا نكون خارج الشرعية ولا نستفيد من الدعم. مادام أن الحزب دبر أموره بشكل جيد فلا يجب أن يغير القيادة، وهذا المتعارف عليه. لكن في نهاية المطاف مسألة قيادة أي سفينة ليست مرتبطة فقط بالناس المتواجدين فيها، بل أيضا بقائدها وطاقمها. هذه أمور لم نقتحمها بعد، وإن كان من يطالب بإثارتها الآن ليفكر حكماء الحزب في هذه الأمور، في حين يدعو آخرون إلى ترك هذه المسألة للمؤسسات. اليوم لدينا 10 سنوات، وحتى بالنسبة لمن كان يشبهنا بجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية وقال بأن الحزب انتهى بعدما غادره بعض الأشخاص، فاليوم أثبتت هذه التجربة على علتها بأن هذا الحزب موجود بما له وما عليه، وأكد شرعيته من خلال المحطات المختلفة انتخابيا وسياسيا واجتماعيا كفاعل موجود. فمادامت هذه العناصر حاضرة فلنترك للمؤسسات أن تقول لنا من سيقود هذه السفينة، ولا أستطيع أن أؤكد الرأي الذي ستميل إليه الكفة. - في نهاية هذه الحلقة، نود منك التعليق على ما وقع داخل مجلس النواب عندما توجه بنكيران إلى وزير التربية الوطنية بانتقادات شديدة. أتمنى من رئيس الحكومة أن يتدارك الموقف، ويقول بأن ما وقع هو مجرد فاصل إشهاري باعتبار أن الجلسة تنقل مباشر لعموم المواطنين، ولم يقصد ذلك. أما إذا بقيت الأمور على ما هي عليه، فهذه أول مرة في العالم يخاطب رئيس الحكومة وزيره في المؤسسة التشريعية. - هل هذه رسالة سياسية؟ إن بعض الظن إثم، ولذلك لا أحب أن أقرأ النيات. أفضل أن يصبح الموضوع صغيرا، وحتى بالنسبة للحزب فلم نشأ الحديث عنه حتى تمر العاقبة بخير، وإلا فسنؤسس لأمور سيئة. إذا كان رئيس الحكومة يخاطب وزيره بتلك الصيغة، فغدا سنجد رئيس الحزب يخاطب برلمانيا بصيغة أكثر من ذلك، وسنشرعن للفتنة. لن أتحدث عن كون الأمر زلة لسان من طرف رئيس الحكومة، بل أفضل أن أعتبرها مجرد فاصل إشهاري في برنامج سياسي.