تناقلت وسائل الإعلام يوم أمس حديثا غاضبا لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران حول الصحافة. وقد استعمل فيه الأستاذ بنكيران، كدليل على غضبه، كلمة قوية في تصنيف سلوك الصحافة، عندما قال «إذا كانت عدوة سأحاربها». هل نقول إن ذلك كافيا لكي نصبح كصحافيين أعداء ؟ أبدا! وهل هذا كافيا لكي نعود إلى مربع القلق بين صحافة وبين حكومة بدأت عملها منذ أسابيع فقط؟ أبدا؟ وأين المشكلة لكي تطرح للنقاش؟ المشكلة هو أن توصيف «العداوة» ليس صوابا بالمرة، ولا يمكن لرئيس حكومة أن يعلن الحرب على الصحافة، إلا الحرب التي تعلنها القوانين والمسؤولية الأخلاقية والمعرفية. إذا أصبحت الصحافة عدوة؟ فهي عدوة من: هل هي عدوة القانون؟ وهل هي عدوة ثوابت الأمة؟ هل هي عدوة الوطن؟ هل هي عدوة الأخلاق كمشترك مغربي وإنساني أيضا؟ هل هي عدوة بنكيران، الرئيس الدستوري للحكومة ؟ بنكيران الرئيس السياسي لحزب العدالة والتنمية؟ في كل عداوة ما، هناك شيء ما غير سليم. وأعتقد بالنسبة للقانون، أن الصحافة التي تستعديه، تكون عدوة الجميع. عدوة المهنة، وعدوة الأخلاق وعدوة الحكمة.. وعدوة المعارضة وعدوة نفسها أيضا.. في جانب من الجوانب.. والصحافة التي تكون عدوة ثوابت الأمة، هي، أيضا، عدوة هذا الكم المترامي من الشخصيات المعنوية والطبيعية.. والصحافة التي تكون عدوة الوطن، فإن الوطن لا يكون غفورا معها، ولا هي تكون فيه.. فهل العداوة هنا تتعلق ببنكيران كرئيس الحكومة؟ أعتقد أن الصحافة ليس مطلوبا منها أن تكون عدوة، ولا حتى صديقة، إذا أرادت أن تكون هي نفسها، بل عليها أن تكون مسؤولة وملتزمة بالمهنة. وإذا أخطأت لا بأس من الاعتذار أو التصويب ... إن العلاقة الوحيدة هي علاقة الإحترام والتحري والموقف المحكوم بالنبل وبالخدمة العامة.. ولا أجد مبررا لقولة «عدوة» عند بنكيران سوى الغضب. فلا موقف عاطفي أو مبدئي يمكنه أن يبرر العداوة بين السلطة التنفيذية والسلطة الإعلامية. ولا أحد يمكنه أن يسلم من النقد أو الخصومة المعلنة، بما فيها المعارضة (وقد جربنا نحن كيف طارت «بكارات» كثيرة في هذه الأيام). لاشيء يبرر هذا المنحى في السياق الذي نعيشه اليوم. فنحن نخرج بالكاد من صحراء الجفاء التي طبعت علاقة الصحافة - ولا سيما المكتوبة - والسلطات العمومية. واليوم سيكون من مصلحة بلادنا أن تخلق الأجواء المناسبة لكي نطبع المرحلة القادمة بنوع آخر. نحن مطالبون جميعا، والحكومة هي الأولى، بخلق الشروط السليمة لكي ننزل كل القوانين التي نحن بصددها اليوم. أمام قانون الصحافة، ولابد من أن يجد طريقه إلى الواقع.. ولابد، أيضا، من خلق الشروط السليمة لكي ننتقل إلى العقد البرنامج الجديد والقوانين الأخرى التدقيقية إذا شئنا. ونحن هنا لكي يكون لنا موقف إيجابي حتى تسير الأمور على سجيتها الإيجابية.
لقد نطق نور الدين مفتاح، باسم الفدرالية، في تعليقه على زلة بنكيران، وباسمنا جميعا، وضع الأمور في سياقها، بدون أن يبخس أي طرف. ونعتقد بأن ذلك عين العقل. نحن أمامنا مسيرة ليست سهلة، وقوانين انتظرناها طويلا، وهي اليوم تحت إشراف زميل لنا، اشتغل طويلا، وبنزاهة فكرية نقول، إنه اشتغل بكفاءة عالية من داخل الفدرالية وبصدق وجدية.. ولابد من أن تكون شروط تنزيل القوانين الجديدة جيدة. وهي مسؤولية المهنة، ومسؤولية الحكومة التي عليها أن تساعد عضوا فيها باحترام المهنة. نقولها بصراحة للسيد رئيس الحكومة، إن الأنظمة التي تشعر بعاطفة العداوة تجاه الصحافة، هي في الغالب ذات طبيعة استبدادية وكليانية، ولم يعد المغرب في هذا المنطق. فلا عواطف سوى ما يجرمه أو يبيحه القانون. والغضب على كل مكروه لابد من اجتنابه. والتضخيم، أيضا، مكروه، لابد من اجتنابه.. عمود "كسر الخاطر" ينشر في "كود" باتفاق مع الكاتب 2/14/2012