مهرجان فاس للثقافة الصوفية، اسم على مسمى، صوفيته وصلت حتى ميزانيته. مليون ونصف مليون درهم ميزانية حدث ثقافي بمثل هذه القيمة. الأموال لا تصنع وحدها مهرجانا ذو قيمة ثقافية. «المبلغ يبدو قليلا، وميزانيتنا ضعيفة. ولكن فيه باركة الصوفيين ونشتغل وفق منطق وتعانوا على البر والتقوى» يقول رئيس المهرجان فوزي الصقلي. وما يؤكد على منهج التعاون بالبر والتقوى أن فرقة الطريقة الخلواتية من تركيا تحملت مصاريف تنقل أعضائها الأربعين على نفقتها الخاصة. منهج اشتغال هذا المهرجان ينأى بنفسه عن المنطق التجاري، ويشتغل في إطار مشروع فكري متكامل طويل الأمد هدفه محو تلك المقاربة الفلكلورية يحاول البعض إلصاقها بالفكر الصوفي «نحاول بلورة مقاربة لصناعة ثقافة جديدة تقطع مع المقاربات الفلكلورية التي تتجاهل ما هو أعمق قيميا وأخلاقيا وسلوكيا وتربويا في الثقافة الصوفية المنتشرة عبر ربوع العالم» يضيف فوزي الصقلي. من عشرة أيام إلى ثلاثة فقط أهم تغيير دخل على مهرجان فاس للثقافة الصوفية في نسخته السادسة. لم يكن سبب هذا التغيير مالي مرتبط بترشيد النفقات كما قد يتبادر إلى الذهن أول وهلة، ولكن السبب الجوهري كما بسطه فوزي الصقلي ترشيد الطاقم البشري الضعيف من حيث العدد، إذ لا يتعدى عشرة أشخاص. ومباشرة بعد نهاية المهرجان، يدخل فوزي الصقلي في إعداد آخر اللمسات على النسخة 18 من مهرجان فاس للموسيقى العريقة، بعد أن عاد إلى أحضانه مديرا عاما له. ولكن هل الاشتغال بشكل متواز بمهرجانين كان له تأثير مباشر على مهرجان الثقافة الصوفية؟ «ليس هناك أي تأثير لأن ما يؤرقنا في مهرجان الثقافة الصوفية هو حرصنا على الكيف أكثر من الكم، والكيف حاضر بقوة هذا العام رغم تقليص أيام المهرجان من عشرة إلى ثلاثة فقط، ونجري التفكير حاليا ليتحول هذا المهرجان إلى مهرجان أكبر ننظمه أثناء موسم مولاي ادريس زرهون...» يجيب فوزي الصقلي كما درج مهرجان الثقافة الصوفية أن يكون لكل دورة عنوان عريض أو تيمة كبرى، سيكون الخيط الناظم لكل الموائد المستديرة والمحاضرات هو الحكم. لماذا اختيار هذه التيمة في هذا الوقت بالذات؟ يجيب الرئيس فوزي الصقلي بندوة صحفية نظمت الثلاثاء الماضي بالدار البيضاء «الفكرة تتعلق بمجموعة من الأدبيات الموجودة بشكل كبير ومتنوع في الثقافة الصوفية. ومن أدبيات الحكم المشهورة في العالم المغاربي والعربي «الحكم العطائية» لابن عطاء الله الاسكندري، وإذا ما حللنا وتعمقنا في تضاريس هذه الحكم سوف نكتشف أن شيخ ابن عطاء الله هو أبو عباس المرسي، وأن شيخ هذا الأخير هو أبو حسن الشادلي، وأن شيخ هذا الأخير عبد السلام ابن المشيش» هذا النموذج يؤكد أن أدبيات الحكم سلسلة روحية متواصلة تتواتر من شيخ إلى شيخ، ولا تقتصر على هذا المثال حسب فوزي الصقلي، بل تتعدد مصادر هذه الحكم ومراجعها كحكم النقاري وابن عربي وجلال الدين الرومي، وتختزن كلها من حيث معناها ومبناها تركيبة جمالية ،مضامين ومفاهيم عميقا جدا افتتاح الدورة السادسة سينطلق صباح الخميس 12 أبريل القادم بمحاضرة تحت عنوان «أدبيات الحكم» بمتحف البطحاء، ومساء محاصرة أخرى تتناول واحد من القامات الكبرى في فكر التصوف الباكستاني محمد إقبال، جمع بين الفسلفة والشعر والتصوف والفكر، بل وقدم نموذجا مشرقا للتلاقح بين الفلسفتين الغربية والشرقية. استدعاء هذا الإسم وفي هذا الوقت كان مبرره ما تعيشه المجتمعات العربية من نسائم ثورات عربية أسقطت أنظمة استبدادية، وفكر هذه الشخصية الفذة كما وصفه فوزي الصقلي «قد تساهم بشكل كبير في إغناء التجديد الفكرى خاصة أنه منح للفلسفة مكانها في صلب هذا التجديد....» «الحكم وطريق الفتوة» عنوان محاضرة صباح الجمعة، والفتوة في الفكر الصوفي معناها طريق الأخلاق. وشرح مدير المهرجان أنها مستنبطة من كلمة الفتى لتعني الشباب القلبي الذي يستحيل أن يتحقق إلا عن طريق قوة الأخلاق والقيم الباطنية. وفي مساء اليوم نفسه تنظم محاضرة أخرى تطرح إشكال العلاقة بين الحكم والثقافة الشعبية، ويسدل الستار يوم الستار السبت 13 أبريل بمحاضرة تطرح إشكالا كبير حري حقا بالتفكير العميق هل يمكن أن نتعلم الحكمة؟ الجواب على لسان فوزي الصقلي «فعلا تساؤل يمكن التفكير فيه واش يمكن نتعلمو الحكمة وتغدو لها مدارس وجامعات تمنح لطلابها شهادات ودبلومات ودكتواره، أم أن الحكمة تأتي من مصدر آخر وهو ما يطرح سؤال آخر حول الفرق بين العلم المكتسب والعلم الموهوب». وإلى ذلك لن تخلو يرمجة الدورة من عروض موسيقية صوفية كما هي العادة، إذ تحضر فرقة سماع لطريقة «نظام الدين» من نيودلهي، وحفل آخر تحييه الطريقة الخلواتية من تركيا، فضلا عن حضور الطريقتين الشرقاوية والقادرية البودشيشية. حضور هاتين الطريقتين طرح السؤال لدى البعض حول تغييب طرق أخرى كالطريقة الحرقية من تطوان وغيرها من الطرق الأخرى، بل وتهميش هذه الطرق على حساب طرق أخرى تسلط عليها الأضواء الكاشفة بشكل كبير كما هو الحال الطريقة البودشيشية المنتمي إليها رئيس المهرجان