أجمع أساتذة باحثون في مجال التصوف على أن المحبة تشكل ركنا ركينا في الخطاب الصوفي وهي خميرة التجربة أو المعاناة الصوفية. كما أكد هؤلاء الباحثين خلال الندوة التي نظمتها وزارة الثقافة في إطار فعاليات الدورة الثانية لليالي رمضان، بتعاون مع جمعية مهرجان الرباط ومجلس المدينة يوم الجمعة الماضية بالرباط حول «آداب التصوف»، على أن التصوف اقترن بالأخلاق وأن أرقى درجة في التصوف تقاس بالأخلاق كما يقول الإمام الجنيد البغدادي «التصوف كله أخلاق ومن زاد عليك في الأخلاق زاد عليك في التصوف». وقارب وزير الثقافة بنسالم حميش الذي أدار هذه الندوة الفكرية، مفهوم الجمال في الآداب الصوفي، مشيرا إلى أن تيمة الجمال كقيمة أساسية لدى المتصوفة تكمن في كل الأقوال الصوفية سواء في الشعر أو النثر أو في الشطحات الصوفية، بالإضافة إلى قيم «الخير» و»الحق» التي اجتهد فيها أهل التصوف، مبرزا على أن الصوفية اجتهدوا للبحث عن الحقيقة، وبالتالي يقول الوزير «العمل على ضوئها ونبراسها، واجتهادهم في قيمتي الجمال والخير يأتي لإبرازهما كقيمتين حميدتين مقابلتين للذمامة والشر». ومن جانبه، أفاد محمد فوزي القصلي أن للصوفية تعاريف متعددة لأنها تحاول أن تحلل موضوعا معقدا وله أبعاد عميقة، على اعتبار أن الصوفية هي «علم الأذواق»، وهو ما اعتقده الصوفية أنفسهم ومنهم المغربي الشيخ أحمد زروق الذي قال «إن تفاسير وتعاريف التصوف تجمع على صدق التوجه إلى الله». وأثار فوزي الصقلي مجموع من الأسئلة والإشكالات التي كانت مثار نقاش الباحثين في مجال التصوف من قبيل السؤال «حاجة المريد من عدمه إلى شيخ»، وإشكالية «الخطاب الصوفي» خاصة الجوانب اللغوية فيه والأسئلة المتفرعة عنها. وقارب فوزي الصقلي هذه الأسئلة انطلاقا من رؤية ابن خلدون للتصوف مشيرا مسألة اهتمام ابن خلدون بالتصوف، هو جانب «مثير للاهتمام» في الشخصية الخلدونية، إذ خص كتاب «شفاء السائل لتهذيب المسائل» للتصوف صنف فيه أنواع المجاهدة إلى ثلاثة أنواع أولاها «التقوى» وثانيها «الاستقامة» وثالثها «المكاشفة». وأوضح فوزي الصقلي أن ابن خلدون خاض في النقاش الذي أثير في الأندلس حول حاجة المريد إلى الشيخ من عدمه، أي هل لابد من الشيخ في التصوف أو الاكتفاء فقط بقراء الكتب؟ وأجاب في كتابه «شفاء السائل لتهذيب المسائل» إن «لكل مقام مقال» مشيرا إلى أن التصوف درجات أولاها «التقوى» وثانيها «الاستقامة» وثالثها «المكاشفة». مؤكدا عدم الحاجة للشيخ في المقامين الأولين (التقوى والاستقامة)، وضرورته في المقام الثالث للمجاهدة (المكاشفة)، مشيرا إلى أنه لا يمكن تصور مقام الوجدانية التي يندرج من خلالها السالك إلى الله تعالى في رتبة «المجاهدة» أو «المكاشفة» والتي تفرض الحاجة إلى الشيخ. وحول المقاربة الخلدونية في مجال التصوف، أورد فوزي الصقلي أن ابن خلدون الذي يؤصل بشكل كبير للتصوف استناد على الكتاب والسنة، له انتقادات لاذعة للمتأخرين من المتصوفة خاصة ابن عربي وابن سبعين. وذكر الأستاذ الجامعي عبد الإله بن عرفة أن سؤال «حاجة المريد من عدمه إلى الشيخ» الذي حرره الإمام الشاطبي، ووصل إلى المغرب وأجاب عليه بالخصوص ابن عباد الرندي، لم يوجهه لابن خلدون، على اعتبار أن ابن خلدون آنذاك كانت تغلب عليه الصفة الفقهية ولم يخض بعد التجربة الصوفية، وبالتالي فالكلام الذي قاله في حق أبن عربي وابن سبعين وآخرين كلام لا يعتد به. وذكر ابن عرفة أن التصوف «تجربة بالأساس»، متسائلا، هل لغة الصوفية قادرة على أن تعبر عن كل شيء، مؤكدا أن للغة حدود تقف عندها ولا تستطيع تجاوزها، أما التجربة الصوفية فهي في أرقى تجلياتها تفجير للغة وتعطيها مفهوما يعرف ب»الشطحات». من جانبه أعتبر الجامعي مصطفى عزام، أن التصوف يعتبر الكلام حجابا في معضلة التجربة والكلام، ومن هنا فلغة التجربة الصوفية، بحسبه، مستعصية على الفهم على كل المستويات، مشيرا إلى أن تجربة التصوف هي بالأساس تعبدية، ودافع المتصوفة هو استشراف المقامات العليا. وبخصوص تجربة التصوف من خلال الكتب أو خلال الشيخ قال مصطفى عزام «إن هذه المساءلة استفتى في الشاطبي علماء المغرب الذين أجابوا ب»ضرورة الشيخ» وفق ما جاء في جواب الشيخ زروق الذي يوصف بمحتسب الصوفية والذي يقول فيها بأن «فتح المريد يبقى ناقصا» لأن التجربة الصوفية حسب مصطفى عزام هي تجربة تعبدية تسعى إلى التقرب إلى الله ومحاولة معرفة المعبود عن طريق التعبد، وبالتالي فإن المعرفة عند المتصوفة هي «غاية في حد ذاتها» يقول المحاضر الذي أكد على ضرورة وجود الشيخ لبلوغ مستوى الاستقامة وفي مستوى المجاهدة، إنه لا يمكن أن يفتح بابها دونما حاجة إلى شيخ مؤهل للوصول بالمريد على مستوى المكاشفة. وأبدى مصطفى عزام اختلافه مع ما ذهب إليه ابن خلدون فيما اشترطه في المجاهدة الأولى وهي «التقوى» مشيرا في الصدد أن نظر ابن خلدون كان قاصرا في القول بعدم ضرورة وجود الشيخ لا في «مجاهدة التقوى» ولا في «مجاهدة الاستقامة» مشيرا إلى أنه إذا كان كلام ابن خلدون صائبا في زمانه، لكن اليوم هذه المجاهدات تحتاج إلى الصاحب وإلى المرشد.