تحل اليوم ببلادنا ذكرى 16 ماي المشؤومة التي عرفت تنفيذ عمليات إرهابية إجرامية ذهب ضحيتها العشرات من المواطنين المغاربة الأبرياء وحيث تم التغرير بشبان في وضعية اجتماعية هشة واستعمالهم كقنابل حية من أجل المساس بأمن المغرب والتمهيد لزعزعة الأمن ونشر الفتنة الطائفية وتقويض السلم المدني. وبهذه المناسبة فإن حركة ضمير تتوجه من جديد إلى عائلات الضحايا بعبارات التضامن والمؤازرة المعنوية. إن الأحداث المتتالية في بلادنا والمنطقة عموما ما انفكت تؤكد أن هذه المخططات لم تهدأ أبدا وما تزال. وإن التحولات العنيفة الجارية في منطقة الشرق الأوسط والمناوشات المتوجهة إلى شمال إفريقيا، وكذا المبادرات السياسية للقوى المهيمنة في العالم اليوم لتدل باطراد على انسجام الاهداف بين هذه القوى وبين الاتجاهات النكوصية المتلفعة بالمقدس الديني للمسلمين. إن الاختيار الارهابي يخدم هذه الأطراف كلها باعتباره يخلق وضع لااستقرار بنيوي يشل كل سياسة تنموية ويضرب في الصميم محاولات ترسيخ الدولة الوطنية ويضعف إمكانيات البناء الديمقراطي ويمس عمل المجتمع المدني الذي يناضل من أجل حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، إذ يزج بالشعوب في سياقات الصراعات الطائفية المقيتة ويبعدها عن الاهتمام بقضاياها الحقيقية المتمثلة في ضمان شروط العيش الكريم وإنتاج الثروة وتوزيعها بشكل عادل، ويرهن بذلك مصيرها ومصير كل المنطقة، لصالح الأقوياء في العالم. وبالنسبة لبلادنا فإن قيام حركات وأحزاب سياسية باستخدام الدين الاسلامي كمقدس مشترك للمغاربة واستعماله في صراعات سياسية من أجل كسب مواقع في السلطة لينتمي، وإن بدرجات متفاوتة، إلى نفس المنطق الذي يؤدي، في نهاية المطاف وفي كل الحالات، عن قصد أو عن غير قصد، إلى دق إسفين في اللحمة الوطنية ذات الروافد المتعددة والمكونات الغنية المتنوعة وإلى إشعال الفتنة التي لا تبقي ولا تذر. ومن هذه الزاوية فإن هذه الأطراف تتحمل المسؤولية المعنوية في تغذية النزعات العنيفة عن طريق تسويغ التفسيرات المتطرفة للدين وتبرير المبادرات المستسهلة للاعتداء على الغير بسبب الاختلاف بل وفتح الباب أمام دعوات التكفير التي طالت لحد اليوم، دون ردع، العديد من الفاعلين السياسيين والجمعويين وغيرهم. وهو وضع يدعونا من جديد إلى التأكيد على ضرورة تجريم التكفير والتحريض على الكراهية في مشروع القانون الجنائي الرائج اليوم في النقاش العمومي. إن تنديدنا الشديد بهذه الخيارات وتنبيهنا إلى خطورتها على مستقبل بلدنا ليأخذ كل معناه وراهنيته انطلاقا من الاستهداف المتكرر لبلادنا من طرف الشبكات الإرهابية، مما تعكسه المصادر المختلفة وتقف الأجهزة الأمنية في وجهه اليوم بحنكة وفعالية، مما يتوجب معه التنويه بالجهود الأمنية التي تتصدى بفاعلية وحزم للمخططات الإرهابية. إن حركة ضمير تدعو في هذه المناسبة إلى التحلي بأعلى درجات اليقظة وإلى الاستمرار في إعطاء الأولوية لحماية أمن الوطن وصيانة الحقوق المشروعة للمواطنين، كما تدعو كافة الفاعلين إلى استحضار الوضع الدقيق الذي تمر منه البلاد والمتسم باستهداف استقرارها على مستويات عدة، كما تؤكد على ضرورة اعتماد سياسات طويلة المدى من أجل تجفيف منابع الإرهاب فكريا وفقهيا وتربويا بما يقطع مع كل التوجهات ذات الطابع المنغلق التي تؤدي في نهاية المطاف إلى تغذية الفكر الداعشي وتبرير تداوله والارتكان إليه كمبرر لكل الفظاعات والجرائم.