بعد جلسة محاكمة ماراطونية امتدت في الزمن طيلة صباح أمس الخميس (من التاسعة إلى غاية الثانية والنصف)، قررت هيئة الحكم بغرفة الجنايات الابتدائية بمراكش، تأجيل البت في القضية التي يتابع على خلفيتها عمدة المدينة الأسبق ونائبه الأول إلى جلسة 26 ماي الجاري لاستكمال المرافعات. ساعات مرت كالدهر على المتهمين الذين بدوا في حالة إرهاق شديد وعياء كبير، خصوصا بالنسبة للمتهم الرئيسي عمر الجزولي عمدة المدينة الأسبق ونائبه الأول عبد الله رفوش (ولد العروسية) الذي ولج قاعة المحكمة بخطى متثاقلة بالكاد تسعفه قدماه على الوقوف والسير، والشحوب يغزو تقاسيم الوجه فيما العينان تمسح تفاصيل القاعة بنظرات ذابلة متعبة. القياديان بحزب الحصان اللذان ظلا يشكلان رقمين صعبين في معادلة تسيير وتدبير الشأن المحلي، جمعهما قفص الاتهام إلى جانب زين الدين الزرهوني الإطار الجماعي الذي تربع على مقاليد رئاسة قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالجماعة الحضرية لمراكش طيلة ولاية الجزولي، وكذا عبد العزيز بلقزيز مدير ديوان العمدة، بعد أن لف قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة المكلف بجرائم الأموال حبل المتابعة حول أعناقهم بتهم تنهل في مجملها من دهاليز «تبديد أموال عمومية وتزوير وثائق رسمية وإدارية واستعمالها والحصول على فائدة في مؤسسة يتولى تسييرها». استهلت المحاكمة بمرافعات هيئة دفاع المتهم الرئيس التي وجهت منجنيقات استهدافاتها نحو نحور «الخصوم السياسيين» باعتبارهم من يقف خلف كل هذه «الهيلمانة»، قبل أن تلتفت تجاه رئيس قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وتحمله كامل المسؤولية عن صرف أموال الجماعة لتغطية نفقات الرحلات الترفيهية لبعض الأشخاص الذين لا تربطهم بالجماعية أي علاقة تبرر كل هذا الكرم الحاتمي، وتدخل بذلك دائرة «إعطاء ما لا يملك، لمن لا يستحق». الشرارة الأولى التي أوقدت نيران المتابعة المذكورة، انطلقت بشكاية تقدمت بها الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب فرع مراكش، وتطلبت تحقيقات ماراطونية من الشرطة القضائية التي أنجزت محضرا تضمن مجمل فصول مظاهر «التخربيق» التي أحاطت بالموضوع، ليتسلم بعدها قاضي التحقيق مفاتيح الملف ويفتح نوافذ للإطلالة على ما تضمنته محاضر الشرطة ومن ثمة إطلاق عملية تحقيق طويلة قادت إلى زرع التهم المومأ إليها في طريق المتهمين. التحقيق القضائي أسقط القناع عن مجمل الظروف والملابسات المحيطة بطريقة صرف مالية الجماعة، والتي فاحت بروائح «جود أمسعود بخليع ليهود»، حيث تم الوقوف على بعض الوثائق والمعطيات، التي تفضح إقدام المسؤولين المتابعين، على تمتيع بعض الجهات المحظوظة بإقامات وإيواءات فخمة تم صرف اعتماداتها من أموال الجماعة دون حسيب أو رقيب. أسماء صحفية ومسؤولون بالإدارة الترابية، تم تمتيعهم بنصيب من الغلة، ورضى المسؤولون المتهمون بالإنفاق على جولاتهم من المال العام دون رادع أو وازع، ودون أي مبرر يذكر بل فقط لغاية لايعلمها إلا الله والعاملون عليها. من ضمن مظاهر العبث و«السفه» في صرف أموال المدينة انقشعت سحب «الكرم الحاتمي» عن قضية مفتش بوزارة الداخلية، حل رفقة زوجته وتمت استضافتهما بأحد الفنادق المصنفة بمراكش، حيث بلغت الفاتورة المدفوعة من صندوق الجماعة لتغطية نفقات هذه «التحويصة» حوالي 20 مليون سنتيم. وحتى تمتد مساحة العبث بينت مجريات التحقيق أن الأشخاص المستفيدين من هذا الكرم البلدي، والذين امتدت تغطيات نفقات جولاتهم الاستجمامية والسياحية داخل وخارج مراكش، بالإضافة الى أنه لاعلاقة تربطهم بمدينة سبعة رجال، فإنه لم يثبت أنهم قدموا أي خدمة مقابل كل هذا «التبراع» تبرر تخصيصهم بهذه «الكعكة». تضمنت قائمة المسؤولين المنتخبين والأطر الجماعية الذين تلقفتهم شباك التحقيق في هذه القضية، بالإضافة إلى اسم عمر الجزولي العمدة السابق ونائبه الأول عبد الله رفوش (ولد العروسية)، اسم محمد نكيل النائب السابق لرئيس المجلس الجماعي المفوض له تدبير وتسيير قسم الشؤون الثقافية والرياضية والاجتماعية على عهد رئاسة عمر الجزولي . أطر وموظفون جماعيون شملتهم كذلك مجريات التحقيق ضمنهم زين الدين الزرهوني رئيس قسم الشؤون الثقافية والرياضية والاجتماعية، وضياء بنجلون رئيسة مصلحة العلاقات الخارجية، والعربي بلقزيز رئيس الكتابة الخاصة للعمدة السابق. بعد هذه الرحلة المارطونية لدى قاضي التحقيق، وقفت مقصلة المتابعة على رأس العمدة ونائبه ومدير ديوانه إلى جانب رئيس قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، علما بأن الأظناء قد سبق لهم أن حشروا على خلفية نفس القضية داخل قفص الاتهام أمام هيئة الحكم بالمجلس الجهوي للحسابات، وتمت إدانتهم بغرامات مالية متفاوتة كل حسب موقعه وكل حسب مسؤوليته. إسماعيل احريملة