يحتضن قصر المؤتمرات بفاس يومي 13و14 ماي الجاري ندوة دولية تحت عنوان "الاتجاهات الكبرى للاجتهاد القضائي للمحكمة الدستورية في منازعات الحقوق والحريات الأساسية"، من تنظيم شعبة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس والمركز المغربي للدراسات السياسية والدستورية، بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان ومحكمة النقض، بالإضافة إلى فاعلين مؤسساتيين آخرين. و تهدف إلى المساهمة في دعم الصرح القانوني والحقوقي الوطني عبر الإعداد لتوجهات أساسية للاجتهاد القضائي الدستوري تتلاءم والمقتضيات المتطورة التي كرسها دستور 2011، دون الإخلال بالتوازنات الهشة بطبيعتها بين متطلبات أطياف المجتمع من حيث الحفاظ على العمق التقليدي للهوية المغربية من جهة والتطلع إلى مواكبة الركب التقدمي من جهة أخرى. وعبر أربع محاور أساسية يركز الأول منها على حصيلة الاجتهاد القضائي الدستوري قبل 2011 في منازعات الحقوق والحريات في المغرب. و الثاني يهم منهجية التشريع في إطار المطابقة للدستور والمعايير المرتبطة به بناء على مسطرة الدفع بعدم الدستورية. فيما المحور الثالث يهم المدخل الأساسي لمسطرة الدفع بعدم الدستوري و المحور الأخيرا ينصب على طرح الإشكاليات المرتبطة بتنزيل الحقوق ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والشأن الديني والشأن السياسي كمحددات لمرجعية للاجتهاد الدستوري في مجال الحقوق والحريات الأساسية. كما تروم هذه الندوة معالجة السؤال المطروح كموضوع أساسي لهذه الندوة هو "مدى مقدرة القضاء الدستوري على الاستجابة لمتطلبات ضمان وحماية الحقوق والحريات الأساسية التي أسس لها النص الدستوري برمته، أي الذي يتضمن التصدير كجزء لا يتجزأ، وذلك من أجل تنزيل متمعن وواع لروح النص الدستوري بجميع مكوناته، ولو في ظل إكراهات تتعلق أساسا بتحديد لم يتم بعدم الحسم فيه لمضامين مصطلحات وازنة في الحقل الدستوري والحقوقي، والتي شكلت مواضيع عرضية لسجالات متعددة عرفتها الساحة الاجتماعية والسياسية ولم تفض بعد إلى رؤية واضحة (الحق في الحياة، حرية العقيدة، حرية التصرف بالجسد، إشكالية النوع الاجتماعي)، وكذلك ما هي طبيعة القراءة التي على القاضي الدستوري اعتمادها والتي تتلاءم مع دوره ليس فقط كراع للشرعية الدستورية ولكن أيضا وبالخصوص كمصدر لقواعد مستنبطة من الدستور وتتمتع بنفس الطبيعة القانونية" وأكدت الورقة لتقديمية لهذه الندوة الهامة على أن "مسالة حماية الحقوق والحريات الأساسية من أهم التطورات التي عرفتها المنظومات السياسية والقانونية الغربية والديمقراطية على وجه العموم". وإذا كان الأصل أن الولاية العامة لحماية الحقوق الأساسية ترجع للقضاء العادي في إطار المنظومة التشريعية الوطنية برمتها، فمبدأ حماية الحقوق والحريات الأساسية ينبني على خضوع المنظومة التشريعية للمقتضيات الدستورية والقواعد ذات الطبيعة الدستورية المؤسسة للحقوق والحريات الأساسية بناء على خصوصية كل منظومة قانونية وسياسية. واعتبرت هذه الورقة "مبدأ التراتبية المعيارية الذي ينبني على سمو النص الدستوري يشكل إحدى مقومات دولة القانون التي تعتبر أساس مبدا حماية حقوق وحريات الفرد ضد تعسف السلطة التي كانت سابقا لا تضع نفسها تحت طائلة القانون إلا برغبة منها ومتى وكيفما شاءت، وهو واقع أبعد من كونه امتثال للسلطة العليا للقانون. ومن خلال فحصه لمدى مطابقة المقتضيات التشريعية لنص أو لروح الدستور يضع القاضي الدستوري قراءة خاصة لهذه المقتضيات، مكملة بدرجة كبيرة للنص الدستوري". أما بالرجوع إلى المنظومة القانونية الوطنية،فالإستنتاج الذي تؤكد عليه هذه الأرضية هو إشارتها إلى "أن سياق مراقبة دستورية النصوص التشريعية بقي نوعيا في مستوياته الدنيا، إذ لم يتجاوز الاجتهاد القضائي الدستوري حاجز القراءة المرتبطة بظاهر النص الدستوري، أي مدى الشرعية الدستورية، حيث لم يعمل المجلس الدستوري، على سبيل المثال، على فتح نقاش كان قد يفضي إلى إقرار الطبيعة الدستورية لتصدير الدستور كبادرة في هذا السياق، ولم يستطع بالتالي الخوض في مسلسل إقرار الطبيعة الدستورية لقواعد أخرى ومنها أساسا المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية التي لم تتضمن الدساتير قبل 2011 إلا البعض القليل منها. وهذا ما جعل مسألة حماية الحقوق والحريات بقيت تحت السلطة التقديرية للمؤسسة التشريعية وبطريقة غير مباشرة للسلطة التنفيذية." وأكدت الوثيقة ذاتها على أن دستور 2011 جاء لتقويم قصور اجتهاد القضاء الدستوري وحسم النقاش حول الطبيعة الدستورية لتصدير الدستور، حيث العبارة الجلية يشكل هذا التصدير جزء لا يتجزأ من هذا الدستور. وبناء على مقتضيات التصدير أما فيما يتعلق أساسا بالتراتبية المعيارية، فتشير الوثيقة إلى ان "الاجتهاد القضائي الدستوري مقبل على مرحلة تختلف في أبعادها وطبيعتها عن سابقتها. فالمحكمة الدستورية ملزمة بتكريس حجية النص الدستوري والقواعد المرتبطة به، أي ذات الطبيعة الدستورية، والتي سوف تنبثق عن قراءة معينة لروح النص الدستوري وأيضا لقواعد تصدير الدستور، وخاصة ما تعلق منها بالحقوق والحريات الأساسية. وهي ملزمة أيضا بتكريس القواعد التشريعية المنبثقة عن التصدير عموما وكذا عن المواثيق والاتفاقيات الدولية التي أقرها المغرب والمتعلقة على وجه الخصوص كذلك بالحقوق والحريات الأساسية التي لم يتأت للمشروع إنشاءها كقواعد تشريعية عادية." ويؤطر هذه الندوة الدولية نخبة من الأساتذة المتخصصين والباحثين مغاربة وأجانب ، عبر أكثر من 20 مداخلة وعرض على مدى يومين. محمد المتقي