شهد التعاون الاقتصادي المغربي- الإماراتي، خلال السنوات القليلة الماضية، نموا متسارعا بلغ مستويات قياسية، بما يتماشى والطبيعة الاستثنائية للعلاقات السياسية والأخوية التاريخية التي تجمع البلدين منذ عقود طويلة. وعبر البلدان الشقيقان، الذين يرتبطان باتفاق للتبادل الحر تم توقيعه سنة 2001، غير ما مرة عن تطلعهما الراسخ إلى جعل علاقاتهما الاقتصادية المتميزة نموذجا يحتذى للتعاون الإقليمي، وعنوانا للتعاون المثمر والبناء الذي ينفتح على آفاق واسعة. وبفضل الجهود الحثيثة التي بذلها المغرب، وذلك عبر جملة من الإصلاحات الهامة التي شملت مختلف المجالات التشريعية والجبائية والمالية، فقد شهدت السنوات الأخيرة تدفقا هاما للاستثمارات الإماراتية نحو المملكة، والتي تنفذها عدد من المؤسسات الكبرى، من قبيل صندوق أبو ظبي للتنمية، والشركة المغربية الإماراتية للتنمية، وشركة طاقة، وشركة المعبر الدولية للاستثمار وشركة اتصالات … الخ. وفي هذا السياق، احتلت الإمارات المرتبة الثالثة على مستوى الاستثمارات الأجنبية بالمغرب خلال السنوات العشر الأخيرة، كما أضحت أول مستثمر ببورصة الدارالبيضاء في سنة 2014 بإجمالي 55 مليار درهم من الاستثمارات. ويشكل مناخ الاستثمار الإيجابي الذي يشهده المغرب، إلى جانب موقعه الجغرافي الاستراتيجي وشبكة اتفاقيات التبادل الحر التي وقعها خلال الآونة الأخيرة مع عدد من الدول، حافزا إضافيا للمقاولات والمؤسسات الإماراتية للانخراط بقوة في الاستثمار بالمملكة التي أضحت بوابة نحو سوق ضخمة يفوق تعدادها مليار مستهلك في أزيد من 60 بلدا. ولعل من العوامل المشجعة لتطور المبادلات الاقتصادية بين البلدين، هو ارتباطهما بأزيد من 60 اتفاقية تعاون تغطي مختلف المجالات، انطلاقا من الصناعة والفلاحة ومرورا بسياحة. وساهمت الإمارات، من خلال صندوق أبوظبي للتنمية، في تمويل عدد من المشاريع المهيكلة الكبرى بالمغرب من قبيل خط القطار الفائق السرعة الذي يربط طنجةبالدارالبيضاء والمركب المينائي لطنجة – المتوسط والطريق الساحلي بين طنجة والسعيدية. وقد بلغ إجمالي الاستثمارات التي قدمها صندوق أبوظبي للتنمية، نيابة عن حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، لتمويل مشاريع تنموية بالمغرب، منذ سنة 1976، نحو 7,3 مليار درهم إماراتي (حوالي ملياري دولار)، خصصت لتمويل 64 مشروعا تنمويا تشمل، بالخصوص، قطاعات النقل والبنيات التحية والمواصلات والماء الصالح للشرب والإسكان والصحة والتعليم والفلاحة والكهرباء. ومن جانبها، تحرص المجموعات الاستثمارية الإماراتية على الانخراط في مشاريع عديدة بالمغرب، لاسيما في قطاعات الاتصالات والفنادق والأنشطة السياحية والصناعات الغذائية والعقار والطاقة، بفضل التحفيزات التي توفرها المملكة للمستثمرين والاستقرار السياسي والانفتاح الاقتصادي والقرب من أوروبا، فضلا عن كونها بوابة مثالية لولوج الأسواق الإفريقية. كما يعكس هذا الحضور المتزايد في المملكة ثقة المستثمرين الإماراتيين في الاقتصاد المغربي الذي بات يتيح فرصا واعدة للاستثمار في عدة قطاعات تنموية. كما حرص المغرب من جهة أخرى، على تعزيز حضوره في مختلف الملتقيات والمنتديات الاقتصادية التي تحتضنها الإمارات، وذلك بهدف إطلاع الجانب الإماراتي على الآفاق الواعدة التي بات يتيحها سوق الاستثمار الوطني، والتعريف بالفرص الاستثمارية الجديدة في شتى المجالات الحيوية، وإبراز خصوصيات البيئة الاستثمارية الوطنية وكافة الجوانب ذات الصلة. وإلى جانب الجانب الاقتصادي، تسعى المملكة، التي تطمح إلى أن تصبح واحدة من أكبر المحاور المالية على الصعيدين الإقليمي والدولي، إلى استقطاب رؤوس الأموال الإماراتية والخليجية بشكل عام، وذلك في سياق جهودها نحو سد فجوة التمويل في منطقة شمال وغرب إفريقيا، التي تمتلك مقومات واعدة للنمو الاقتصادي والاستثماري خلال السنوات المقبلة. ومن جهة أخرى، تشهد المبادلات التجارية بين البلدين، نموا يتزايد بشكل ملحوظ سنة بعد أخرى، وهو المنحى الذي يعززه بالأساس ارتفاع الواردات من الإمارات العربية المتحدة. وقد شهد الميزان التجاري بين المغرب والإمارات العربية المتحدة عجزا عند متم يونيو 2015 على حساب المملكة المغربية، برصيد تجاري يقدر ب 22ر2 مليار درهم، وذلك حسب أرقام مكتب الصرف. وتقدر صادرات المغرب في اتجاه الإمارات العربية المتحدة ب 35ر217 مليون درهم عند متم يونيو 2015، في حين أن وارداته من هذا البلد الخليجي بلغت 44ر2 مليار درهم عند متم أكتوبر 2014. وتشكل زيارة العمل والأخوة التي يقوم بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لدولة الإمارات العربية المتحدة، مناسبة جديدة، للتأكيد على عمق العلاقات الثنائية، وحرص البلدين على الارتقاء بها إلى أعلى المستويات. كما تعد هذه الزيارة مناسبة جديدة لفتح آفاق جديدة للتعاون السياسي والاقتصادي والتجاري بين البلدين، بهدف استثمار الزخم الذي شهدته الشراكة المغربية- الإماراتية في مارس 2015 بعد توقيع 21 اتفاقية للتعاون الثنائي، على هامش الزيارة الأخيرة التي قام بها للمغرب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة .