رجل الظل في الديبلوماسية المغربية، لكنه الماسك بكل الخيوط . ناصر بوريطة، الوجه الشاب في المكتب الخلفي لصلاح الدين مزوار، يعتبر واحدا من جنود الديبلوماسية الوطنية، لكل ما تعمله هذه الكلمة من معنى . فكل من يتابع أنشطة الديبلوماسية المغربية، لا بد أن ينتبه لنشاط ناصر بوريطة، ويضعه تحت المجهر، من الاستقبالات التي يخص بها الوفود الرفيعة التي تزور المغرب، الى الزيارات التي يقوم بها لعواصم دولية رئيسية و مؤثرة، مرورا بتمثيل المغرب في أنشطة الوكالات الدولية، و المؤتمرات العالمية، سواء تعلق الأمر بالأنشطة النوووية، أو ترتيبات قمم المناخ، أو المنتديات الدولية لمحاربة الارهاب . تعيين ناصر بوريطة في موقع مهم داخل مبنى وزارة الدبلوماسية المغربية، وزارة الخارجية، يأتي في سياق عام، وتوجه جديد للدولة المغربية بإقحام الوجوه الشابة في معترك الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى. ففي وقت وجيز ومتعاقب، وهو أمر لم يحدث حتى في مفاصل أخرى من تطورات ملف الصحراء، تم إعداد العدة، من خلال الوجوه الشابة للديبلوماسية المغربية، للوقوف في خط المواجهة الأول . وإذا كان من حسنة لهذه المنازلة الدبلوماسية مع مؤسسة الأمانة العامة للأمم المتحدة، فهي الدفع بوجه جديد في الدبلوماسية المغربية، وجه شاب وحيوي، ويقول المقربون منه وأصدقاؤه في مكاتب وزارة الخارجية في الرباط، إنه على درجة عالية من النباهة والتمكّن، واشتغل سنوات في منصب "الكتابة العامة" (السكرتارية) قريباً من الملفات الكبرى، وعلى علم بكل تفاصيل الملفات الراقدة في "الخارجية"، والتي تشكل اهتمام الدولة المغربية. يتعلق الأمر بالوزير المنتدب في الخارجية، ناصر بوريطة، الذي كان إلى وقت قريب كاتباً عاماً في وزارة تعتبر حقيقة من وزارات السيادة، والتي على الرغم من أن من يقودها صاحب لون سياسي، صلاح الدين مزوار رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، فإنها تبقى من القطاعات الحساسة، وخليته الفعلية موجودة في الهيئة الاستشارية التي تضم وزيرين سابقين في الخارجية، هما الطيب الفاسي الفهري، مستشار الملك، ويوسف العمراني، المكلف بمهمة في القصر. ابن منطقة الشمال، و تحديدا مدينة تاونات، مواليد 27 ماي 1969 ، متزوج وأب لطفلتين، حصل سنة 1991 على الإجازة في القانون العام (العلاقات الدولية) من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، وحصل من نفس الجامعة سنة 1993 على شهادة الدراسات العليا. كما حصل الوزير الجديد سنة 1995 من نفس الكلية على دبلوم الدراسات العليا في القانون العام الدولي في العلاقات الدولية . بخصوص مساره المهني فقد شغل الوزير المعين حديثا من سنة 1992 إلى 1995 منصب كاتب الشوون الخارجية في المديرية العامة للتعاون الشامل والعلاقات المتعددة الأطراف بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون . وتم تعينه في الفترة الممتدة من 1995 إلى 2000 كاتبا أولا في سفارة المغرب في فيينا، ومن 2000 إلى 2002 مستشارا في المديرية العامة للتعاون الشامل والعلاقات المتعددة الأطراف . وفي سنة 2002 شغل منصب رئيس مصلحة الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة، وعين من سنة 2002 إلى 2003 مستشارا في بعثة المغرب لدى المجموعة الأوروبية في بروكسيل . وعين من 2003 إلى 2006 رئيس قسم منظمة الأممالمتحدة، ومن 2006 إلى 2009 مدير الأممالمتحدة والمنظمات الدولية، ومن أكتوبر2007 إلى غشت 2011 مدير ديوان وزير الشؤون الخارجية والتعاون. وشغل السيد بوريطة منصب كاتب عام لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى أن عينه جلالة الملك وزيرا منتدبا لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون . المقتربون من ناصر بوريطة، يعرفون أن لهذا الشاب الكثير من المزايا التي تجعله يقود مشواره في منصبه باقتدار وحنكة، مع العمل على وضع أسس مستقبل ديبلوماسي واعد بكل المقاييس. هاتفه لا يتوقف عن الرنين داخل المكتب وخارجه، وطلب الاستشارات يتجدد على مدار الساعة، سواء من داخل المجمع الديبلوماسي المغربي أو من خارجه، أو باقي مسؤولي القطاعات الأخرى. وهي ثقة تعكس تمكن الشاب ناصر بوريطة من كافة المواضيع الحساسة والقضايا الكبرى للديبلوماسية المغربية. ميزة لتواضع، سمة أخرى من سمات ناصر بوريطة المشهودة. فالشاب لا يتواني عن تقديم المساعدة كلما طلب منه ذلك، كما أنه، وفي لقاءاته الخاصة مع الصحفيين، غالبا ما أظهر سعة صدر وقدرة كبيرة على تلقي كل الاسئلة والإجابة عليها بكفاءة كبيرة . الدينامو والقلب النابض للديبلوماسية المغربي، يتميز أيضا بالدقة في معالجة القضايا المطروحة على مكتبه، والتركيز الشديد في الإجابات وتهييئ الملفات الحساسة. بالاضافة إلى نظرة استباقية، تنم عن معرفة كبيرة وتحليل سليم للمواضيع والملفات والقضايا. في واحدة من أجمل تعريفاته للديبلوماسية في معناها الجديد، يقول ناصر بوريطة ‘‘ الدول اليوم تعمل على إعادة كتابة سيرتها الذاتية، ديبلوماسيا، لتقدمها أمام عالم يعاد تشكيله مجددا . والمغرب يجد نفسه اليوم مضطرا إلى أن يقدم صورة مماثلة، محترمة، بصورة تحافظ على سيادته ووحدته الترابية ‘‘. وفي الوقت الذي كان المغاربة قاطبة، بجميع أطياف المجتمع، ينتفضون أمام تصريحات بان كي مون المنحازة للاطروحة الانفصالية في الصحراء المغربية، كان ناصر بوريطة يتحلى بالصبر والهدوء، وهو يحلل الأخطاء البروتوكولية الجسيمة التي تميزت بها زيارة الأمين العام الأممي إلى الجزائر، في مرحلة أولى، ثم صنيعتها البوليساريو في تندوف . وهو دور مهم مكن المغرب فيما بعد، من انتقاد علمي وممنهج للزيارة ومحتوياتها، دفعت به المملكة أمام الأممالمتحدة ضد أمينها العام. كما أن اختياره لمرافقة وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار لكل من روسيا خلال الزيارة الرسمية التي قام بها جلالة الملك محمد السادس لهذا البلد مؤخرا، ثم حضوره الحالي فعاليات دورة مجلس التعاون الخليجي الجارية الآن في دولة الإمارات العربية المتحدة، لدليل على أن تنصيبه في هذا الموقع يثبت استعداد المغرب للمحطات الصعبة، إقليميا ودوليا، التي تنتظره في الملفات الكبرى خلال الفترة القادمة.