إلى متى سنظل نحاول ستر عوراتنا مهما بدت مكشوفة للعالم؟ إلى متى سنظل نشيح بوجوهنا عن المرايا التي تعكس حقيقتنا؟ إلى متى سنظل نتغنى بأشياء فينا بينما هي ليست فينا؟ بالأمس فقط، انتهينا- مع كثير خسائر لصورتنا في العالم- من حكاية اسمها "الزين لي فيك" ولبنى أبيضار. واليوم، نعيد السقوط في مطبات أخرى نحن من نجهز شروطها، ونحن من نصورها، ونحن من نبتها على الفيسبوك واليوتوب، ونحن من نشخصها بكل الأداء الرائع. في سلا، غاب الأمن عن تدخل كان سيفضي إلى ما لا تحمد عقباه لو نجح المهاجمون على بيت سيدة قيل إنها تمارس الشعوذة في أن يقتحموه. وفي بني ملال، هاجم آخرون شابين مثليين وهما داخل غرفة. عُنف الشابان وتركا عاريين عنوة للانتقام منهما في فعل جماعي لا يمكن إلا إدانته. وعندما جالت الصور العالم، كان طبيعيا أن يلعب الإعلام الحر، المستقل، المؤمن برسالته، دوره في تقصي الحقيقة. جاء طاقم من قناة "كنال بلوس" الفرنسية لينقل حقيقة ما جرى لحساب برنامج "لوبوتي جورنال"، إلا أن الأمن – هذه المرة- كان بالمرصاد لمنعه من التصوير بدعوى عدم الحصول على إذن بالتصوير. وطبعا، لم يكن الطاقم ليسكت عما حدث. فالمنع من التصوير صار هو الخبر. وأصبح المغرب في قلب تقرير أعده الطاقم وبته على قناة في برنامج يكفي أن نعد دقائق الزمن الإشهاري فيه لنقف على مدى حظوظه واجتياحه لطيف المشاهدة في فرنسا والعالم. إلا أن الطاقم نجح قبل التوجه إلى بني ملال في أن يلتقي شبابا شواذا ويصور معهم حديثا خاصا على قارب يسبح على مياه أبي رقراق لمتعة العين… والأذن أيضا. تكرر اسم المغرب مرات كما تكرر في حديث لبنى أبيضار على نفس البلاتو قبل مدة ليست بالطويلة. هكذا، إذن، نجدنا في وضع لا نحسد عليه ونحن الذين نحاول جاهدين أن نرسم عن أنسفنا صورة وردية، ناعمة عبر العالم. ولكي ندفع عنا تهما كثيرة، نضطر إلى أن نتناقض مع مبادئنا التي نكتب عنها ونتحدث فيها ونجهر بها في أحايين الصفاء الذهني. نضطر لأن نقول إن المغرب يمارس حقه في تطبيق القانون على أرضه. نضطر لأن نقارن أنفسنا مع فرنسا حين تمارس أجهزتها سلطتها على أرضها. نضطر لأن نضع مساحيق على وجوهنا ونحن نعرف أننا نرتكب فعلا لا نؤمن به في دواخلنا. القضية، يا سادة، ليست قضية قانون ولا سيادة ولا حق في منع أو في ترخيص بقدر ما هي قضية انسجام مع الذات ومع المبادئ ومع ما نريد لنا ولمستقبل هذا البلد، وأيضا مع القانون… هذا الذي نفعل به ما نريد حين نريد ونتجاهله حين نريد أيضا. هذا القانون نفسه هو الذي سخرناه لكي ندين به امرأة متزوجة وجدت نفسها وزوجها في شريط فيديو اعتُبر إباحيا (من قبل حماة معبد الأخلاق) لم يصوراه بإرادتهما بل عن جهل بلعبة التطبيقبات المعلومياتية. هو القانون نفسه الذي سخرناه لكي نقود بموجبه إلى السجن شابين كانا يمارسان ما يعتبره المجتمع والقانون فعلا ممنوعا في غرفة مقفلة. هذا القانون هو نفسه الذي نتجاهله حين لا نرغب في تحريك دعاوى أعظم بكثير مما يعتبره فقهاؤنا رذيلة في فقههم الذي رسم لمجتمعاتنا حدودا أضحينا معتقلين فيها باسم الطاعة. فجأة، لن يعد يهمنا الفعل الأساسي لأن التفصيل هو الأهم. سيادتنا. قانوننا. أرضنا… شوفينيتنا باختصار. أما الفعل الإجرامي، الذي شاهدناه يرتكب في حق شخصين مسالمين، فلم يعد الأهم. نضطر لأن نغمض العين وننسى أننا كنا ذات زمن إنسانيين ومؤمنين بالحق في أشياء عديدة ونتمادى في فعل التنكر هذا. في هذه، يصبح "لوبوتي جورنال" برنامجا غير مرغوب فيه. مكروه. منبوذ، بينما حتى عهد قريب جدا كنا ننتشي بما يفعله منشطوه في سياسيي فرنسا وغير فرنسا، وبالعمل الجميل والرائع الذي يقدموه لمهنة الصحافة ولحقها في كشف المستور وفضح المُغيّب… نشاهد- ونحن نقارن في عمق ذواتنا بين صحافتهم وصحافتنا- كيف يتمتع الصحافي بقوة إحراج السياسي دون أن يسعى الاخير إلى الانتقام ولا إلى إقفال حنفية الإشهار على صحيفته أو قناته… إحراج رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والنواب والشخصيات الحزبية بشكل مهني لا يتجاوز حدود اللياقة، وذلك من منطلق أن الجميع سواسية عند صاحبة الجلالة والقانون، وأن لا أحد يسمو على جلالها وجلاله. ننتشي حين يقدم لنا هؤلاء الصحافيون الوجوه الأخرى للحالات الإنسانية والسياسية والاجتماعية في فرنسا هولاند وآل لوبين وفي أمريكا أوباما والميز العنصري ودونالد ترامب وفي يابان المفاعلات النووية المتفجرة بعد اجتياح التسونامي، وفي تركيا أردوغان ومخابراته التي تقتل الأكراد في قلب باريس وفي فلسطين القتل الإسرائيلي… إلخ، ثم نغرس رؤوسا بين فخدينا حين نكون نحن في قلب العاصفة؛ حين نكون نحن موضوع الفرجة لأننا نحاول إخفاء الشمس بغربال عيونه واسعة، ولأننا ندعي المجتمع الحداثي ونحن من خرجنا بعنوان بالبنط العريض نكتب فيه: "هل يلزم إحراق المثليين؟"، ولأننا اعتذرنا عنه ثم نعود للدفاع عنه من باب الدفاع "السنطيحي" والادعاء بتقليدية المجتمع وبسحر العناوين المثيرة أمام كاميرا "لوبوتي جورنال" نفسها التي طرحت علينا أسئلتها المحرجة. هي السكيزروفرنيا نفسها ودائما. لا ندري إلى أين الحسم ولا مع من الحسم ولا في أي شيء الحسم. أخلاقنا مشكلتنا. ماضينا يرهننا. حاضرنا نتناقض في تدبيره, مستقبلنا؟… غامض ومخيف. رهيب والله رهيب.