حين وجدت كريستين توبيرا، و وزيرة العدل الفرنسية السابقة، نفسها في موقف يعارض مشروع الرئيس فرانسوا هولاند القاضي بسحب الجنسية من المدانين في قضايا الإرهاب، لم ترتكن للمعارضة من داخل الحكومة، اختارت أن تبقى منسجمة مع قناعاتها ومبادئها، فكان أن مارست حقها في التعبير عن الاختلاف من داخل مجال حرية التعبير قبل أن تنتقل إلى حقل التقاليد الديمقراطية وهي تستقيل من منصبها في حكومة مانويل فالس. وفي المغرب لم نصل بعد في الممارسة الوزارية للنخبة المغربية إلى هذا المستوى من الالتزام الديمقراطي، ولدينا حتى الآن نموذجين على الأقل كان عليهما أن يسيرا على درب كريستين توبيرا، وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار الذي تعرض لتقريع غير مسبوق من طرف رئيس الحكومة دون أن يرد عليه أو ينضبط لقراراته، ومحمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية الذي لم يصدر حتى الآن بيانا توضيحيا للخلاف بينه وبين رئيسه الحكومي، فالأحرى أن يقدم استقالته بعض أن ظهر أنه يخالف الحكومة الرأي فيما يتعلق بتدبير أزمة ملف الأساتذة المتدربين. كل الدساتير المغربية أعطت للوزراء الحق في تقديم استقالاتهم الفردية من الحكومة، لكن التقاليد المرعية في الأحكام السلطانية ظلت إلى حدود الأيام الأخيرة من عمر دستور 1996 تقضي بأن الوزراء يقالون ولا يستقيلون، فهم «وزراء جلالة الملك» وهو وحده يملك صلاحية تحديد مصيرهم، وحتى الحالات الناذرة التي استقال فيها وزراء كما في حالة محمد زيان مثلا الذي كان وزيرا لحقوق الإنسان، لم تكن المبادرة من الوزير بل جاءت عبارة عن مخرج يحفظ له ماء الوجه يوم طلب منه أن يقدم استقالته من منصبه. وحتى دستور يوليوز 2011 الذي قوى من الطابع البرلماني للحكومة لم ينجح في تغيير هذا التقليد، وقد كان لدينا في النسخة الأولى من حكومة عبد الإله ابن كيران نموذج الوزيرين الحبيب الشوباني وسمية بنخلدون اللذان اختارا ممارسة حياتهما الخاصة دون أن ينتبها إلى أنهما في موقع رمزي يجعل اختياراتهما الفردية تناقض السياسة الحكومية فيما يتعلق بتعدد الزوجات، لكن الوزيرين لم يبادرا إلى الإستقالة، وانتظرا إلى أن تمت إقالتهما بطريقة تحفظ لهما مرة أخرى ماء الوجه، وهكذا طلب من الوزيرين أن يقدما استقالتهما حتى لا تتم إقالتهما، ولو لم يتعرضا لهذه الضغوطات لتشبتا بمناصبهما الحكومية دون اهتمام بردود فعل الرأي العام. والظاهر أن الوزراء ليسوا وحدهم من يتمسك بمناصبهم أو بالتقاليد المرعية، حتى رئيس الحكومة الذي صار بموجب الدستور الجديد سلطة رئاسية على الوزراء، لا يريد ممارسة صلاحياته في إقالة الوزراء الذين يختلفون معه أو يتمردون عليه أو أن أحزابهم تستعد للإنسحاب من الحكومة، وقد رأينا سنة 2013 كيف أضاع ابن كيران أسابيعا من الزمن السياسي في انتظار أن يقدم الوزراء الاستقلاليون استقالتهم من الحكومة بدل أن يقيلهم، فقد ظل يعتبر ذلك اختصاصا ملكيا، وكان عليه أن ينتظر إلى اللحظة التي تلقوا فيها الضوء الأخضر بتقديم استقالاتهم الفردية. واليوم ، لن ننتظر من ابن كيران أن يبادر إلى إعفاء وزير الإقتصاد والمالية من مهامه ولا أن ينهي خلافه مع رشيد بلمختار في تدبير إشكالية اللغات بإقالته، هو لن يفعل ذلك من منطلق نفس التقاليد المرعية، ولن يفعل ذلك أيضا لأنه يعيش وهما إسمه الأغلبية الحكومية التي لم تعد توجد إلا في عبارات المجاملة الحزبية التي سرعان ما تفجرها ألغام التضامن الحكومي. وبين الركون إلى التقاليد المرعية وعدم تفعيل أخلاق التقاليد الديمقراطية، لا تسهم النخبة الوزارية والمعارضة كذلك في تطوير الممارسة الديمقراطية ولا في تفعيل نصوص الدستور، فالحكومة ماتزال تعتبر نفسها «حكومة جلالة الملك» كما يقول نبيل بنعبد الله والمعارضة بدورها ترى نفسها «معارضة جلالة الملك»، وفي الحالتين معا ينتظر هؤلاء وأولئك إشارات المبادرة، فلا الوزراء يستقيلون من الحكومة ولا المعارضة تسعى لأن تسقطها بملتمس رقابة. ففي النهاية للتقاليد المرعية سلطانها على الأفهام سواء لدى النخبة أو العوام.