للأسف أننا نضطر لمناقشة هوامش اللعبة السياسية بدل صب الاهتمام على العمق، كما أن ما يسمى بالمعارضة البرلمانية الرسمية تتجنب الخوض في صلب المواضيع، وتركز على المعارك الفاشلة حتى وإن استجلبت تغطية إعلامية واسعة. التعديل الحكومي الأخير الذي عرفته حكومة ابن كيران يوم 10 اكتوبر 2013 شهد عدة مخالفات دستورية لو سعت المعارضة البرلمانية لرفعها امام أنظار المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية) لحققت من وارئه مكتسبات سياسية وقانونية محققة، فالدستور الحالي لا يسمح بأن تضم الحكومة وزراء منتدبون أو وزير من دون حقيبة، كما لا يسمح – بناء على قاعد ربط المسؤولية بالمحاسبة- بوجود وزراء غير منتمين لأحزاب سياسية (ما يسمى بوزاري السيادة)، والمعارضة البرلمانية أيضا لم تهتم بتنظيف بيتها قبل النضال من أجل تنظيف العمل الحكومي، فمعارضة مجلس المستشرين (والأغلبية أيضا) تتناسى أنها في وضعية شرود دستوري وأنها تُسهم في إهدار المال العام خلافا على المقتضيات الدستورية. يتم القفز على كل هذه الاشكالات السياسية والدستورية من قِبل المعارضة الرسمية، مقابل التركيز على مسألة تافهة لا ترقى للإشكال الدستوري، كأن يتم، مثلا، الزعم بأن التعديل الحكومة يستتبع تصريحا حكوميا جديدا وتنصيبا برلمانيا واجبا، بناء على قِراءات مغلوطة من الأساس. وهو ما سنوضح بعض تفاصيله في النقاط التالية: أولا: إن الاستناد إلى الفصل 88 من الدستور الوارد تحت باب "السلطة التنفيذية" من أجل الدعوة إلى رفض نتائج التعديل الحكومي بدعوى عدم الدستورية، يعبر عن وجهة نظر غير صائبة في نظرنا. فهذا الفصل ينص على ما يلي: "بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه(..) يكون البرنامج المشار إليه أعلاه، موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب. تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج الحكومة". فالقراءة المتمعنة لهذا النص، باستصحاب كل النصوص الدستوري ذات العلاقة، تُظهر أن الأمر يتعلق بالتعيين الأول للحكومة برئيسها ووزرائها، سواء كان هذا التعيين بعد الانتخابات مباشرة أو من خلال اسقالة كامل الحكومة أو رئيسها، أو سحب الثقة منها (ف 103) أو التصويت على ملتبس رقابة يسقطها (ف 105). أما مسألة التعديل الحكومي فهو غير مشمول بنص الفصل 88، مادامت الحكومة غير مستقيلة ولا مقالة، ومادام التعديل الحكومي لم يشمل رئيس الحكومة المنتمي للحزب الفائز في انتخابات مجلس النواب؛ ثانيا: قد يكون من المقبول المطالبة بتصريح حكومي وتنصيب برلماني في حالة ما إذا كنا أمام حكومة جديدة وليس مجرد تعديل حكومي، فالذي جرى يوم 10 أكتوبر هو أن الحكومة القائمة رمّمت نفسها وأعادت هيكلتها بناء على معطيات سياسية، وذلك بعد استقالة بعض الوزارء بشكل جماعي بناء على الفصل 47 من الدستور الذي ينص على ما يلي:" (...)للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم. ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة.ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية. يترتب عن استقالة رئيس الحكومة إعفاء الحكومة بكاملها. تواصل الحكومة المنتهية مهامها، تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة". إذن، فالدستور يمنح الملك حق إعفاء وزير أو أكثر من الحكومة، وهو نفس الحق الممنوح لرئيس الحكومة، كما من حق الوزراء أن يستقيلوا بشكل فردي أو جماعي من الحكومة، لكن كل هذه الاجراءات لا تؤثر على الوضع القانوني للحكومة ما دام رئيسها مستمر في منصبه حتى ولو أقيل كامل وزائره أو استقالوا. لأن نفس الفصل وضّح بأن الحكومة لا تعتبر في حكم المستقيلة إلا إذا استقال رئيسها، أو سحبت منه الثقة أو في حالة التصويت على ملتمس الرقابة كما تطرقنا سلفا؛ بمعنى أن استقالة أو إقالة جميع أعضاء الحكومة لا يجعل الحكومة في موقع تصريف الأعمال، والعكس صحيح، أي أن استقالة رئيس الحكومة دون باقي الوزراء يجعل الحكومة في حكم المستقيلة، وذلك حفاظا على المبدأ الدستوري الذي يوجب تحصين رئيس الحكومة من أي مساءلة خارج ما توجزه الوثيقة الدستورية للبرلمان حصرا في الفصلين 103 و 105؛ ثالثا: بما أن رئيس الحكومة لم تسحب منه الثقة ولم يفقد منصبه بالتصويت على ملتمس الرقابة، فإن حكومته تعتبر قائمة حتى ولو استقال كل أعضائها، والحال أن ما وقع قبل 10 أكتوبر هو أن بعض الوزراء قدموا استقالتهم لرئيس الحكومة وليس للملك، وأن رئيس الحكومة قبلها، مما جلعهم وحدهم في وضعية تصريف الأعمال، دون أن يطال هذا الوضع باقي أعضاء الحكومة ورئيسها، مما يدخلنا ضمن نطاق تعديل حكومي وليست حكومة جديدة، وهو ما ينفي صفة اللادستورية على حكومة ابن كيران فيما يخص هذا النقطة، وإن كانت غير دستورية من نواحي أخرى (راجع مقالنا بعنوان: ملاحظات نقدية على التعديل الحكومي). فالذين يقولون بأن على حكومة ما بعد التعديل، تقديم برنامج حكومي جديد لكي تنال تنصيب البرلمان، يخلطون بين الحكومة الجديدة والتعديل الحكومي، فماذا لو استقال من هذه الحكومة وزير أو أكثر وترتب على استقالته إعادة هيكلة الحكومة كأن يتم دمج وزارتين في واحدة حتى لا تتم إضافة وزير جديد، فهل هذا ايضا يستجلب برنامج حكومي جديد؟ وهل كلّ ما طرأ تعديل على حكومة قائمة ينبغي لها ان تنال تنصيبا جديدا من قِبل البرلمان؟؛ رابعا: أين كانت المعارضة البرلمانية عشية التعيين الأول للحكومة من قبل الملك سنة 2011، لما لم تلتزم الأخيرة بنصوص الدستور، وعندما أصرّ أعضاء الحكومة على التسريع بتسلّم مهامهم قبل التنصيب النهائي للحكومة من قبل البرلمان، كما ينص على ذلك الدستور صراحة (الفصل 88) ، وهو ما يضرب في العمق مسألة التنزيل الديمقراطي للدستور؟ لماذا لم يطعنوا آنذاك في هذا الاجراء وقد كان من ضمنهم وزراء ينتمون اليوم إلى حزب يتزعم مطلب التنصيب البرلماني الجديد؟؛ خامسا: إذا كان ما تطرقنا إليه يخصّ الجانب القانوني، فإن المنطق السياسي يستدعي من حكومة ما بعد التعديل أن تتقدم ببرنامج حكومي جديد، بما أنها عرفت تغييرا جوهريا في هيكلتها وبنيتها السياسية، إذ انها أصبحت تضم حزبا كان في المعارضة، لكن هذا البرنامج لا ينبغي أن يكون على أساس الفصل 88 من الدستور لأن الأخير لا علاقة له بالتعديلات الحكومية، ولكن بإمكان رئيس الحكومة أن يستند إلى الفصل 103 من الدستور بأن يربط التصويت على برنامج حكومته بتصويت يمنحه الثقة أو يسحبها منها، وهذا ليس من باب الالزام الدستوري ولكن من باب الحنكة والمصداقية السياسية، التي من شانها التأسيس لعرف دستوري يعتد به لاحقا؛ سادسا: نستغرب أن أعضاء المعارضة بمجلس المستشارين يتزعّمون المطالبة بدستورية الحكومة، في الوقت الذي يخرقون فيه القانون كل يوم ومنذ افتتاح دورة البرلمان سنة 2012. لقد تناسى السادة المستشارون أن مجلسهم الحالي منتخب بناء على دستور 1996 ويخضع في تجديد تركيبته لفصوله، وخاصة الفصل 38 الذي يحدد مدة انتخاب أعضاء مجلس المستشارين في تسع سنوات، ويجدد ثلثه كل ثلاث سنوات، وهو ما يعني أن موعد تجديد الثلث المنتخب سنة 2003 حان مع افتتاح دورة أكتوبر 2012، وهو ما يفيد أيضا بأن هذا الثلث لا يحق له الاستمرار في نيابته بدون موجب قانوني. فاستمرار مجلس المستشارين الحالي في أداء مهامه الرقابية والتشريعية وكأنه مجلس شرعي لا غبار قانوني عليه، يعد مخالفة للقوانين وضدا على طلبات ترشيد النفقات. لأن المجلس الحالي يتكون من 270 مستشار بينما لا ينص الدستو الجديد إلا على 90 أو 120 مستشارا، أي بفارق 180 مستشارا وهو ما يكلف ميزانية المغاربة أكثر من 650 مليون سنتيم في الشهر. لم نهدف من خلال هذه المقالة الدفاع عن حكومة نسجل عليها كل يوم مجموعة من المخالفات الدستورية والقانونية، ولكن الموضوعية والأكاديمية تفرض علينا أن نخوض في هذا النقاش حتى وإن اختلفنا مع الحكومة أو لم نوافق على مضمون الدستور نفسه، حيث كنا أنجزنا دراسات تبين العديد من النواقص الدستورية، بل تبنَّينا القراءة القائلة بأن المغاربة محكومون بدستور غير دستوري(يمكن مراجعة دراستنا وبالعنوان ذاته). *باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة [email protected]