قالها عبد الإله بن كيران الأمين العام ل«العدالة والتنمية» ورئيس الحكومة، بصريح العبارة في المجلس الوطني لحزبه نهاية الأسبوع الماضي، «ليس هناك قطيعة بين حزب العدالة والتنمية والإصلاح والتوحيد»، وهو كلام يلزم رئيس الحكومة، ولا يحق له بعد هذا أن يقول بأن مواقف الحركة لا تعنيه في الحزب. من المؤاخذات الأساسية على حزب «العدالة والتنمية» هو عدم تمكنه من الفصل بين الحركة الدعوية والعمل الحزبي السياسي المنظم بقوانين على رأسها الدستور، ولطالما رفض مسؤولون بهذا الحزب مؤاخذتهم بذلك، معتبرين حزبهم كيانا مستقلا عن الحركة وإن كان معظمهم منتميا إليها. هذا اللبس ظل يلازم أصحاب «العدالة والتنمية» وإن كان المتتبعون يعرفون أن الأمر مجرد تقسيم وتوزيع للأدوار ليس إلا. تصريح رئيس الحكومة الأخير يعطي الانطباع بأن الكلام الذي قاله الآن وسبق له أن أنكره، كلام فيه تحد واضح لما تواضع عليه المغاربة في دستورهم من كون العمل السياسي هو من اختصاص تنظيمات سياسية تخضع لدفتر تحملات مقننة وواضحة، بل وللأساس الذي وضعه الدستور حين فصل العمل السياسي الحزبي عن الشأن الديني الذي هو من اختصاص مؤسسة إمارة المؤمنين. لقد خاض الإسلاميون معركة إعلامية وسياسية كبيرة أثناء إعداد نص الدستور، من أجل فرملة الصياغة الدقيقة لبعض بنوده استنادا إلى الاتفاقيات الدولية، وذلك بدعوى الخصوصية، لكن رغم ذلك فهناك فصل في الدستور بين العمل السياسي والشأن الديني، وهو ما يبعد العمل الدعوي عن التسيير الحكومي. المهم أن رئيس الحكومة يضرب بعرض الحائط هذا الفصل وهو يعتبر نفسه في رئاسة الحكومة امتدادا لحركة «الإصلاح والتوحيد». وما نخشاه هو أن يتطور هذا الأمر من مجرد كلام، قد يكون ناتجا عن لحظة عاطفية، إلى فعل ملموس. تخوفنا هذا نابع من معطيات تفيد بأن الحزب الحاكم الآن يثبت بعض أعضاء حركته الدعوية في مجالس الوعظ وفي المجالس العلمية. وإذا كان من حق أي مواطن بقوة القانون أن ينتمي إلى أي تنظيم جمعوي قانوني، فإن الخلط بين الديني والشأن السياسي من شأنه أن يدخل البلاد في متاهة الفتنة. فالسيد ابن كيران يحق له كأي مواطن أن ينتمي سياسيا وجمعويا، لكن الواجب يفرض عليه، كما يفرض على غيره، ضرورة التقيد بالقانون. وأي خلط إنما سيصب في صالح الجهات التي ترغب في إدخال البلاد في المجهول وهي تسمح لنفسها بضرب القانون وتطبيق أشياء أخرى تمس بنظام الدولة. وخير دليل على ذلك ما تقوم به بعض «الجمعيات المدنية» هذه الأيام من خرق للقانون بدعوى «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». وهذه ليست سوى البداية، إذا لم يتم وضع حد لهذا الخلط، ومن الممكن، لاقدر الله، أن نصل إلى مستوى تعطي فيه كل جهة لنفسها حق القيام بالتعزير، مما سيدخل البلاد في الفوضى. لهذا يجب على الجميع أن يتقيد بالقانون ابتداء من رئيس الحكومة إلى أبسط مواطن.