هي هكذا تستفز ريشتها وترغمها على السفر بعيدا لاستنباط معاناة الإنسان عبر مسار تاريخه، وتمتح من ذاكرة الزمن رغبة هذا الإنسان في الإنعتاق. مشاكسة حد القسوة في تجسيد شخوصها وتجريدهم لمعانقة أجسادهم، معتمدة على اللون ذي الدلالات العميقة والخطوط كمجهر لملامسة المسام التي تتدفق عرقا ودموعا، تروي مساحات لوحاتها التي تنطوي على شعور بمعاناة الأخر ومشاركة أحزانه. وهذا شكل من أشكال التيه، تدوخنا حينا وتسبح بنا إلى العالم الأخر حينا أخر.
حين تمسك ريشتها،تخرج من قمقمها. جنية هي، ترسل أنوارها البلورية لتسلط الضوء على الزوايا الخفية للوحاتها. تعتلي عرشها حينما حصل امر جلل، كما حدث خلال سنة 1816، عندما غرقت باخرة كانت تسمى " radeau de la meduse " عند السواحل الموريتانية، وذهب ضحيتها أزيد من 160 مهاجرا، كان هدفهم الوحيد الهروب من الحرب والبحث عن أرض للسلام.
حادثة اصابتها في مقتل وأرغمتها على إزالة قبعة المتفرج والدخول طوعا إلى اغوار تلك الكارثة لإسقاط كل تفاصيلها على لوحاتها، واضعة عليها بصماتها السحرية، فكانت بذلك بمثابة المؤرخ الذي يحمل على كتفيه هموم الدنيا كلها. إنها الفنانة التشكيلية المغربية سعاد بياض التي أثثت فضاء "المزار" بمراكش بلوحات رائعة، حاولت من خلالها التعبير عن صراع الإنسان مع الحياة من زاوية مختلفة، جسدت فيها عصارة ألمها، فنجحت في الرجوع بنا إلى حقبة تلك المعاناة الفاجعة. فكان الجسد حاضرا بقوة، تلاعبت بالألون والخطوط، فأضحت شخوصها متحركة، تصارع الأموج لإيجاد طوق النجاة.
سعاد بياض من مواليد الحي المحمدي بالدارالبيضاء، خريجة معهد الفنون الجميلة سنة 1998. شاركت في العديد من المعارض داخل وخارج المغرب، كان أخرها معرض بباريس بفرنسا تحت تيمة "le Corps en Mouvement".