موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار مع الكاتب موليم العروسي:الحليف الطبيعي للبطرياركية ولنظام الحكم التقليدي هو الفكر التقليدي

عندما تتحدّث إلى الأستاذ الكاتب موليم العروسي تشعر بدفء نادرا ما تشعر به مع كتّاب آخرين، ليْس فقط بسبب ألفته ورحابة صدره وقدرته على الإنصات، بلْ يعود السبب، إضافة إلى ذلك، إلى قدرته اللغوية والفكرية على لفت انتباهك إلى مناطق معتمة في الثقافة والفكر والمجتمع. وفي هذا هذا الحوار الذي خصّ به «الاتحاد الاشتراكي»، يتحدث موليم عن الثقافة المغربية التي تحتاج إلى أن نعيد النظر في أطرنا الفكرية القديمة حتى نستطيع أن نتخلص من الأنماط التي وضعها الفكر القديم، كما يبرز عوائق الحداثة وبعض تجلياتها الفنية. كما نبّه إلى
الارتكاس الذي يتربص بنا، وأن الحتمية التاريخية التي يعول عليها البعض لا تعني كل الشعوب بل هي تتعلق بالتاريخ الكوني وأنه في حال تخلفنا عن المسيرة التاريخية فإننا سوف نخرج من التاريخ ولن نكون عندها أول الأمم المنصرفة منه.
} في كتابك الجديد حول الفن التشكيلي في المغرب «الهوية والحداثة»، الذي قدّمته الأسبوع الماضي برواق «لوفتْ» بالدار البيضاء، تقف عند تجربة الستينيات، فهل تعتبر أنها تجربة مرجعية تأسيسية، أمْ أنّ الدافع لهذا الاختيار هو شيء آخر؟.
الدافع لهذا الاختيار هو أنه كما قلت أنني أعتبرها مرجعية تأسيسية ذلك أن الفن المغربي لم يلج الحداثة إلا مع هؤلاء الفنانين بالضبط. كيف ذلك؟ إن الفن التشكيلي ببلدنا ، وكما هو الشأن ببقية أرجاء الكون كان ممارسة حرفية مرتبطة بإنتاج النافع من الأشياء. وهذا الإنتاج لا يمكن أن ينطبق عليه المفهوم الذي بدأ العالم يطلقه على الفن منذ أن أصبح الفن حديثا أي من اليوم الذي أصبح يُعَبِّرُ. والتعبير معناه أن الفن أصبح موقفا من العالم ومن الوجود. معنى هذا أن الفن أصبح كالفلسفة والشعر والأدب بصفة عامة.
على هذا الأساس يمكن أن نقول أن إنتاج الصور والرموز والعلامات على يد صناع تقليديين لم يكن إنتاجا واعيا للمعنى وأن الفنان التشكيلي منذ اليوم الذي قرر فيه الفنان الفرنسي تيودور جيريكو أن يُعَبِّر بالتصوير عن مأساة طوف ميدوزا (Le Radeau de Méduse) وضع في الآت نفسه ممارسة التصوير داخل الحداثة وأسس لتيار الرومانسية بحيث أصبح الفن تعبيرا يتحمله وزره الفنان الفرد الذي يوقع عمله ويدافع عنه.
هذا ماحدث سنة 1952 مع الجيلالي الغرباوي عندما أنتج أول لوحة تجريدية وهو ما حدث مع فريد بلكاهية عندما أبدع أول أوتوبورتريه Autoportrait لفنان مغربي سنة 1954. لكن النظرية والمواقف لن تظهر ولن تجد المدافعين عنها إلا في بداية الستينيات ومع مجلة أنفاس الشهيرة وهذا ما جعلني أعتبر تلك الفترة تأسيسية بالفعل. كان هذا يحدث في ميادين السياسية والفكر وغير ذلك من المجالات.
} ما السبب الذي جعلك تشير في البداية إلى ما يعرفه العالم العربي من « ربيع ديمقراطي»؟ هل المسألة فقط من أجل تبري عنوان الكتاب؟
من الأكيد ان ما حدث بمنطقتنا ابتداء من سنة 2011 غير كثيرا من معتقداتنا الفكرية من ذلك رؤيتنا التاريخية التقدمية (أستعمل هنا تعبير تقدمي بمعنى Progressif )، ونسينا أن الارتكاس يتربص بنا وأن الحتمية التاريخية التي يعول عليها البعض لا تعني كل الشعوب بل هي تتعلق بالتاريخ الكوني وأنه في حال تخلفنا عن المسيرة التاريخية فإننا، في أقل الحالات قسوة، سوف نخرج من التاريخ ولن نكون عندها أول الأمم المنصرفة منه. أقول هذا عندما لاحظت أننا، وبعد أن حصدنا ثمار هذا الربيع ، عدنا إلى المشاكل والمطارحات التي كانت تشغل الساحة الثقافية المغربية قبل دخول المغرب تحت الحماية الفرنسية. في ذلك الزمان كان النقاش محتدا بين الفكر التقليدي الذي حكم المغرب على امتداد تاريخه الإسلامي وبين فكر متنور يسعى إلى أن يجعل المغرب ينخرط في الحداثة الأوروبية حتى لا يفقد سيطرته على مصيره.
هذا النقاش يتجلى اليوم عندنا أكثر ما يتجلى في المسألة الفنية من خلال الحديث عن فن نظيف أي فن صاف من الشوائب التي علقت به عبر التاريخ والتي تغطي أصله الصافي الطاهر أي ما أنتجه السلف. ومن هو السلف في هذه الحالة؟ إذا اتبعت منطق التطهير الثقافي والذي يحمل في طياته مفهوم التطهير العرقي فسوف لن تقف إلا إذا صفيت الجميع. ولنا أمثلة في التاريخ: النازيون تحدثوا عن الفن المنحل انطلاقا من دفاعهم عن الفن الفحل الذي أساسه العرق الآري، وبولبوت في الكامبودج تحدث عن التطهير من الفكر الدخيل والجميع يعرف النتائج.
بالعودة إلى النقاش الذي دار في الستينيات أردت التنبيه إلى أن الحداثيين خاضوا نقاشا مهما مع سلفيي ذلك الزمان لكنهم لحسن حظهم كانوا يواجهون سلفيين مثقفين يطمحون لعصرنة الإسلام اقتناعا منهم أن الحداثة ضرورية لكننا اليوم نواجه سلفيين لا ينتجون أي فكر وإنما يكتفون بالوقوف ضد الجديد والتشبت بما أتجه السلف ومشروعهم هو محو وطمس كل ما أنتج منذ اليوم الذي توارت فيه شمس السلف.
} يبدو أنك تستعمل مفهوم «الحداثة» بحمولة تفاؤلية وإيجابية خلافا لما نقرؤه عند الأستاذ عبد الله العروي مثلا؟ إلى أي حد يعتبر هذا الحكم صحيحا؟
لا أعرف هل أنا وعبد الله العروي نقول نفس الشيء عن الحداثة في هذا المجال. إنما أعرف أن عبد الله العروي ومن خلال «الإيديولوجية العربية المعاصرة» و»العرب والفكر التاريخي»، تاريخاني من الناحية المنهجية معنى هذا أنه يؤمن بالحتمية التاريخية كما يؤمن بضرورة مرور الفكر من مراحل محددة ومضبوطة لا يمكنه أن يقفز عن أي مرحلة منها. من جهة أخرى لا يهتم عبد الله العروي بالحداثة خارج الحداثة السياسية وإن هو تكلم عن الثقافة فإنه لا يعتقد أنه بإمكانها أن تحقق حداثتها قبل تحقق الحداثة السياسية. عبد الله العروي يؤمن بالدور المحوري للدولة ،لذا لن تجده يتعامل مع المتون الفنية التي تعاملت معها بنفس الطريقة ولا بنفس الموقف النظري.
فمثلا قد أعتبر أنا كما فعلت ذلك مرارا بدأت تتجلى فلسفيا في الكوجيتو عند ديكارت على المستوى الفلسفي بموازاة مع الفن عند نيكولا بوسان...
ورغم ذلك أحس أنني لم أجب على كل سؤالك نظرا لأنني لم أعثر في يوم الأيام وأنا أقرأ عبد الله العروي وهو يتحدث عن الحداثة بغير ايجابية. سوف أعيد قراءته إذن.
} ما يعرفه العالم العربي من حركات احتجاجية، يبرز لحدّ الآن حقيقة أن المجتمعات العربية كلها، ومنها المغرب، مؤطرة بثقافة تقليدية راسخة، تتجلى تمظهراتها في هيمنة الخطاب الديني في صيغته الشعبوية. هل تتفق مع هذا الحكم؟
هذا ما اكتشفناه منذ مدة، لكننا كنا نظن أن السبب راجع للفضاءات المسموح بها للفكر التقليدي حتى يعبر عن نفسه. اليوم أصبح التفكير والعمل ضروريان. لقد نسينا أن الدولة رأت أو فهمت، في بداية الستينيات بعد وفاة محمد الخامس، أن الحداثة خطر، لذا بدأت تحارب على الجبهة السياسية شبابا مثقفين يطمحون إلى تحديث الحكم في المغرب. وما ذا يعني تحديث الحكم؟ يعني أن تكون الكلمة للشعب ليس ككتلة وإنما كأفراد. أي أنك أنت الفرد وكذلك جارك وفلان ثم فلان يقرر مصيره بنفسه ويفوض وفق وكالة لأشخاص أن يسيروا الشأن العام حتى إذا ما فشلوا أو تهاونوا عاقبهم بإبعادهم عن طريق الاقتراع. ترى هنا أن الحكم يتغير وينتقل من السلطة الأبوية التي تملي إلى سلطة مفوضة تنفد. لم يبق في الحداثة القرار بيد الأب. هذا النظام البطرياركي يتأسس عليه الحكم في المغرب وفي باقي البلدات العربية والحداثة في الفن كما في الثقافة تضعه في خطر.
الحليف الطبيعي للبطرياركية ولنظام الحكم التقليدي هو الفكر التقليدي: الفكر الذي لا زال يعتمد الشيخ والبركة والسلطة النازلة الآتية من فوق. الحليف الطبيعي لهذا النوع من الحكم لا بد وأن يكون من المدافعين عن شرعية غير شعبية يدافع عن شرعية سماوية أو مبررة برابطة الدم....العمل الذي قامت به الدولة أتى أكله اليوم المشكلة الوحيدة هو أنه وجد نفسه يتنازع الشرعية من هذا الفكر التقليدي وأصبح يتوسل إلى تدخل الفكر الحداثي لكن الجانب التقنوي منه الذي لا يغير العقليات في نظره. إذا عدت إلى كتابات عبد الله العروي في الإيديولوجية العربية المعاصرة أو عبد الكبير الخطيبي في المغرب كأفق للتفكير (النقد المزدوج) سوف تجد أن الأمر يتعلق بنفس الإشكالية، وسوف تجد أن أمام هذين العلمين في الفكر المغربي كانت يقف الفكر التقليدي ممثلا في المرحوم علال الفاسي ومن وراءه السلفية المشرقية وبين الجميع يقف الفكر القومي الذي يريد أن يؤلف المواقف إلى ما لانهاية دون أن يعي أنه كان يخدم الاستبداد بتلك المواقف. طبعا هذا موضوع آخر.
} كيف تتحقق الحداثة والتعبير عن الهوية في الفن التشكيلي؟ وهل هو تعبير مماثل لما نقرؤه في الكتابات الفلسفية والفكرية؟
الأمر يتعلق بشيء أساسي كما أشرت قبل قليل؛ الأمر يتعلق بتأكيد فردية الفرد أولا؛ هل تحققت مع الفنان االتشكيلي المغربي أم لا؟ هل أصبحنا نتحدث عن الفنان الذي يأتي بالعجيب والغريب بمنأى عن الغيب بل بما أنه مبدع لا يملى عليه فعله من خارج نفسه. أي أنه قطع العلاقة مع الجن والملائكة والقوى الغيبية التي تلهم سلفه الشاعر أو الساحر أو غيره. هل اعترفنا له بهذه الصفة أم لا؟ أظن أن ذلك حدث وهذه الصفة لم يتحصل عليها التشكيلي بقرار إداري أو ديني وإنما بفضل نضال هذه الفئة من الفنانين أي الذين أذكرهم في هذا الكتاب.
ثانيا ينتج عن هذه الحالة أن الفنان الذي حقق فرديته أصبح بإمكانه أن يتعامل مع الموروث بما رصيد غير مفروض عليه وإنما كمقترح من جملة المقترحات التي توضع أمامه لكي يختار منها ما يلائمه. إنه يضع المسافة اللازمة بينه وبين التقاليد ولا يخضع لها كقدر لا رادّ له. لذلك رأينا الفنانين التشكليين المعنيين في هذا لكتاب يتعاملون مع الهوية البصرية على أساس أنها هوية متعددة معجونة من الحضارة الفينيقية والرومانية والأمازيغية والعبرية والإفريقية والعربية والأوروبية...هذا الانفتاح وهذا التعدد هو عمق الحداثة الفنية بما اعتبار للفن من جانبه الكوني وعلى اعتبار أن اللون والأثر يكتسبان وجودا خاصا عند تدخل الفنان.بهذا المعنى تكون الحداثة وإعادة تكوين الهوية تتخذ تماما شكلها الذي نعرفه في الفلسفة وفي غيرها من الأجناس الفكرية الأخرى
} ومن جهة ثانية ما هي تمظهرات الحداثة التي تثيرها في هذه التجارب؟
عندما نأخذ مثلا تجربة الجيلالي الغرباوي فإننا نقف على تجربة فنان يجرد العالم و الأشياء لكي ينفذ إلى القانون الذي يؤسس الوجود. ينفذ الغرباوي للقانون الداخلي للشجرة، للإنسان، للنهر...فيقف على أن المشترك هو الحركة، لذا نجده قبل ذلك كان يرسم الطيور والخيل في حركات جنونية. تحولت لوحاته شيئا فشيئا إلى الاستغناء عن التصريح للاستقرار في التلميح كما تقول الصوفية. يمكن أن توقف عند بلكاهية الذي يبقى تعبيريا على الرغم من انه يتعامل مع رموز وعلامات لكنه يتعامل مع الجلد والحناء والرائحة وإذن مع تعابير معينة للجسد المجتمعي والمجتمع الأنثوي فيه. المليحي يتعامل من منطلق الذكاء الاصطناعي مع الرسوم والعلامات التقليدي على أساس أنها في تحول دائم عبر التشبيك داخل العملية الدماغية...عندما يصبح الفن فضلا عن كونه جميلا نتمتع به فكرا وأسئلة موجهة للمتلقي فإنه يصبح حديثا Moderne .
} هل تتفق مع صفة «ناقد جمالي» التي تثنعت بها أحيانا؟
لا أبدا، ذلك أن علاقتي بالفن انطلقت من السياسة والفلسفة، وأن الأمر عندي يتعلق بتحليل النبض العميق للمجتمعات والحضارة أوّلا. كان الأمر بداية على الطريقة الماركسية-الهيغيلية، ثم تطور بفعل التجربة والزمن والعلاقة مع الأنظمة السياسية لكي أتنقل بين هذه المقاربات لأستقر اليوم على الاهتمام بالسياسي أكثر. لكنني وأنا مسلح بالنظرة الفنية اعتبر أنني تخلصت من التحجر والدوغمائية التي غالبا ما تتخذ أشكالا عقدية تحجب الرؤية وتدفع إلى الإ قصاء.
} تستحضر في كتابك الأخير عبد اللطيف اللعبي ومجلة «Souffles»، لماذا هذا الاستحضار؟ وما الدور الذي لعبته هذه المجلة في التجارب التي تتحدث عنها؟
كما يعبر عن ذلك الفنانون الذين أعطيتهم الكلمة داخل هذا الكتاب فإنها كانت الداعم الأساسي لهم على المستوى النظري لهذا من المستحيل أن ننحدث عن هذه الفترة دون الحديث عن عبد اللطيف اللعبي وعن أنفاس. لعلك قرأت وتوقفت عند ما قاله محمد المليحي عن اللطيف اللعبي في هذا الكتاب حيث أن اعتقال اللعبي اعتبر إجهاضا لمشروع ثقافي طموح.
} الحركات التي تحدث اليوم في العالم العربي تفتقد ربما إلى إيديولوجيا واحدة وموحدة، ويغلب عليها الطابع المطلبي، مطالب جماهير تريد الأشياء الملموسة، في حين يتم تكييف هذه المطالب من أجل إعطائها البعد الديموقراطي. بمعنى آخر، فإن النخب السياسية تعمل على تأطير رسمي وتكييف هذه الاحتجاجات.
أكيد، هذا ما نراه في الظاهر، لكن العمق الحقيقي لهذه المطالب هو واحد، إنه الشيء نفسه الذي عبرت عنه جماهير الشباب عندنا في بداية الستينيات تزامنا مع التجربة التي أتحدث عنها في الكتاب و يعرفها الجميع تحت مسمى انتفاضة 23 مارس 1965. ما يقوم به الشباب ولقد ساعدتني ظروف عملي كمدرس أن اقترب منهم وأعرف أشياء كثيرة هو انتفاضة كما قلت قبل قليل ضد السلطة الباطرياركية. أكيد أن من بينهم من يخضع لشيخ الزاوية أو الجماعة أو الحزب المؤسس على الزاوية لكنهم يعيدون النظر في النظام السلطوي الهرمي؛ شيء ما يشبه ثورة شباب العالم في الستينيات. لقد فهمت الدولة هذا الأمر واستبقت الأحداث وتدخلت في ترتيب بعض الأحزاب لتظهر كما لو أنها أعادت النظر في الأبوية وهو ما فطنت له جماعة العدل والإحسان حيث أحست بخطر بقاء شبابها في الفضاء العمومي وسحبتهم إلى داخل أروقة المشْيخة. لكن الأمر لم ينته وسوف نعود للنقاش العمومي على هذا الأساس.
} هل صحيح أننا اليوم أمام جيل حيوي، استفاد من التقنية، يناضل من أجل حقه في الحياة، بعيدا عن أية مدونة إيديولوجية ورابطة قومية وعن أية منظومة عقدية. جيل عار إلا من بيولوجيته وبدون أشباح أو يوطوبيا (لا صورة واضحة لديه لمجتمع الغد) وبدون بيروقراطية ثورية؟
التكنولوجيا وخصوصا فضاء الويب، المدونات أولا تم فضاء الفايسبوك جعل الشباب يتخلصون من المعرفة والأخبار الممنوحة والتي يسيطر الأبالسلطة. تركزت لدى الشباب عن أنفسهم فكرة لم تكن متوفرة للذين سبقوهم، ألا وهي الفردية. وهذا ما جعلهم يرفضون الخضوع لإيديولوجية جاهزة، لكنهم في نفس الوقت ينتمون لتيارات فلسفية نعرفها وننتمي إليها أنا وأنت وغيرنا من الذي انتموا لليسار في يوم ما أو لا زالوا كذلك. يجب الانتباه لهذا الجيل وفهم توجهاته الفكرية لأنه على الرغم ما قد يلصقه به المناهضون له فهو جيل الغد.
} كيف ترى الوضع الثقافي في بلادنا اليوم بصفة عامة؟
هناك مشاكل كثيرة، وعلينا أن نعيد النظر في أطرنا الفكرية القديمة حتى نستطيع أن نتخلص من الأنماط التي وضعها الفكر القديم والذي أصبح تقليديا متقادما.
} باعتبارك أستاذا جامعيا، ألا زال للجامعة المغربية، في نظرك، دور في إفراز شرائح تتطور في اتجاه الخلق والإبداع والبحث الرصين؟
من الممكن ذلك، لكن شريطة أن نعيد النظر في مفهوم المغربي الذي نريد. لا يكفي أن نذهب للبلدان البعيدة ونستعير منها طرائق التعليم. يجب أن نسأل أنفسنا عن السبب الذي يجعل الناس لا تنخرط في المشاريع التي تقترحها الدولة رغم أننا مررنا من تجربة التناوب ونمر اليوم من تجربة أخرى نقدر أن الشعب قد قرر فيها إسناد مهمة تسيير الشأن العام لتيار محدد. ما الذي يجعل الناس ينتظرون بل ويعرقلون البرامج بسلبيتهم. الواقع أن العدد القليل من الناس التي تنتخب المسئولين على الشأن العام ليس مؤثرا. إن الغالبية تتفرج وتنتظر ولن تنخرط في البناء إلا إذا رأت أن الأمر جدي وأن هناك مشاريع تخصها وتخص مستقبل أبناءها. كل الحكومات التي مرت والتي توجد الآن على رأس الشأن العام ليست في الواقع إلا تكنوقراطية ما دامت الأمور تصنع في مكان آخر. والتكنوقراط لا يقومون بثورات بل تصرفون الأمور في حالة الأزمات العابرة. البحث موجود بالجامعة لكن تدبيره الذكي من طرف المسئولين هو الغائب لذا ترى أن باحثيين تستفيد منهم الجامعات الأجنبية على أصعدة متعددة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.