في خضم النقاش الذي طبع المشهد السياسي في الآونة الاخيرة بخصوص مشاريع النصوص التنظيمية للحياة السياسية (القانون التنظيمي لمجلس النواب واللائحة الوطنية)، تتطلع المرأة المغربية وهي تحتفي بيومها العالمي الى الرفع من مشاركتها السياسية التي بالرغم من التقدم المسجل، تعترضها إكراهات وعقبات ترهن تحقيق المناصفة التي نص عليها دستور 2011 والنهوض بالحقوق السياسية للمرأة انسجاما مع الالتزامات الدولية للمغرب. لقد شقت المرأة المغربية مسارا تصاعديا في المشاركة السياسية بدأ بنائبتين برلمانيتين بمجلس النواب في ولايتي 1993 و1998، لينتقل عدد النائبات الى 35 في انتخابات 2002، حيث خصصت لها القوانين الانتخابية 30 مقعدا ضمن اللائحة الوطنية، ونجحت 5 نائبات في الفوز في اللوائح المحلية، وبذلك شكلن 11 في المائة من مجموع أعضاء مجلس النواب المصوت عليه، مما جعل المرأة المغربية في طليعة النساء العربيات اللواتي اندمجن في الحياة السياسية لبلدانهن. وعلى صعيد تدبير الشأن المحلي، سجلت الانتخابات الجماعية لسنة 2009 تغييرا نوعيا على مستوى النتائج المحصل عليها حيث تمكنت النساء من الفوز ب3406 مقاعد على الصعيد الوطني، أي بنسبة 3, 12 نتيجة وجود لوائح إضافية مخصصة للنساء، في الوقت الذي لم تعرف فيه استحقاقات 2003 صعود سوى 127 امرأة من بينهن امرأتان تقلدتا مسؤولية رئاسة جماعة. وقد شكل دستور 2011 منعطفا هاما في مسار تكريس حقوق المرأة حيث أقر بتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية " (الفصل 19) وأكد سعي الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساءo ونص على إحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز (الفصل 146). كما نص في العديد من فصوله، على مبدأ الديموقراطية التشاركية وحق المواطنين والمواطنات والجمعيات في المشاركة في صنع السياسات العمومية سواء على المستوى الوطني أو المحلي/الترابي. ولتشجيع المرأة على خوض غمار التسيير المحلي، اتخذ المغرب مجموعة من الإجراءات القانونية والمؤسساتية حيث حافظت المنظومة الانتخابية لسنة 2011 على الآلية التشريعية المتعلقة بإحداث دائرة انتخابية إضافية خاصة بالنساء على مستوى كل جماعة أو مقاطعة جماعية. كما تم التنصيص على تخصيص ثلث المقاعد على الأقل للنساء في كل دائرة انتخابية، وكذا اعتماد مبدأ التناوب بين الجنسين بالنسبة للوائح الترشيح المقدمة في نطاق الهيئات الناخبة الممثلة في مجلس المستشارين كلما تعلق الأمر بإجراء الانتخاب عن طريق الاقتراع باللائحة. ونص القانون التنظيمي للجماعات الترابية في المادة 120 على إحداث لدى مجلس الجماعة "هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع" والتي تختص بدراسة القضايا والمشاريع المتعلقة بالمساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع الاجتماعي. وقد أعطت الجهود الحثيثة التي قام بها المغرب من اجل النهوض بالمشاركة السياسة للنساء، ثمارها في الانتخابات التشريعية التي أجريت في 25 نونبر 2011، حيث تعززت تمثيلية النساء بفعل تخصيص لائحة وطنية ب 90 مقعدا، 60 منها للنساء و30 للشباب، وقد مكن هذا التدبير بالإضافة إلى الترشيح ضمن اللائحة المحلية من رفع عدد النساء البرلمانيات. كما شكلت الانتخابات الجماعية لرابع شتنبر 2015 خطوة نوعية نحو تعزيز التمثيلية النسائية في المجالس المنتخبة المحلية، حيث حصلت النساء على 6673 مقعدا أي ما يعادل تقريبا ضعف العدد المسجل خلال الاقتراع الجماعي لسنة 2009. وبالرغم من المقتضيات القانونية والتدابير والاليات المتخذة، ترى العديد من الهيئات الحقوقية والجمعيات النسائية أن التمثيلية السياسية للنساء لاتزال ضعيفة ولا تنسجم مع المواقع التي تحتلها المرأة في مختلف المجالات. وفي هدا السياق، خلص تقرير كان قد أصدره المجلس الوطني لحقوق الانسان في ما يتعلق بالمشاركة في الحياة السياسية والعامة، إلى أن تكريس مبدأ المناصفة في إطار دستور 2011 إلى جانب النمو المضطرد لمعدل النساء في الإدارة العمومية لم يساهما في النهوض بمعدلات تعيين النساء في المناصب العليا والمناصب العليا التنظيمية. ونبه إلى أن النهوض بالمناصفة في المجال السياسي يقتضي اعتماد آليات مؤسساتية ملزمة إلى جانب إجراء مراجعة شاملة للنماذج والمبادئ التوجيهية، التي تقوم عليها السياسات العمومية. من جانبها، سجلت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، في تقرير نشرته أول أمس الخميس حول الملاحظة النوعية للانتخابات الجماعية لرابع شتنبر 2015 والذي شمل عينة من الاحزاب، أن نسبة 5،17 من اللوائح فيها أقل من 12،5 من النساء و22،4 في المائة تضم أقل من 20 في المائة من النساء، في حين 27 في المائة من النساء التي كثر عليها الكلام لم تتجاوز 65،39 في المائة من اللوائح. وأكد التقرير أنه بالنسبة للثلث الذي حلمت به المرأة المغربية كخطوة نحو المناصفة، فلم تتجاوز نسبة اللوائح التي ضمت أكثر من الثلث، 24،17 في المائة ناهيك عن ترتيبهن في هذه اللوائح. ولاحظت المنظمة أن قيمتي المساواة والتسامح لا تحضران الا في برنامج حزب واحد رغم النقاش الدائر حول الاولى بخصوص المناصفة ورغم التمييز الايجابي الذي نص عليه القانون التنظيمي لانتخابات المجالس الجماعات الترابية بخصوص التمثيلية النسائية. وقد شمل التقرير ثمانية أحزاب انطلاقا من عدد الأصوات المحصل عليها في آخر انتخابات (200 ألف صوت على الأقل)، هي العدالة والتنمية، وحزب الاستقلال، والتجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري والتقدم والاشتراكية، وذلك في ست مدن متنوعة الحجم (أكادير، تطوان، وجدة، خنيفرة، الرباط، وصفرو). وفي الوقت، الذي تتطلع فيه الحركة النسائية الى تفعيل مبدأ المناصفة، في أفق الاستحقاقات التشريعية المقبلة، لقيت مشاريع القوانين التنظيمية المعروضة على النقاش انتقادا من قبل الجمعيات النسائية. وفي هذا الاطار، اعتبرت خديجة الرباح، منسقة الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة، (الحركة من أجل الثلث سابقا) التي تضم زهاء 1000 جمعية وهيئة، أن مراجعة القانون التنظيمي لمجلس النواب، تستدعي اعتماد مبدأ المناصفة التي نص عليها الدستور لأن تجربة انتخابات 2011 لم تستطع تجاوز نسبة 17,3 في المائة في الغرفة الاولى. وأكدت في تصريح، لوكالة المغرب العربي للأنباء أن النقاش الدائر حول اللائحة الوطنية مغلوط، مبرزة أن الحركة انتقدت التركيز على الجوانب التقنية التي يحكمها الهاجس الانتخابي وعلى رأسها العتبة والتقطيع الانتخابي واللوائح الوطنية، في حين يفترض أن يؤكد القانون التنظيمي لمجلس النواب على الإرادة في تحديث هذه المؤسسة ومنحها الإمكانات والمؤهلات الضرورية التي تجعلها قادرة بالفعل ليس فقط على عكس تمثيلية سياسية حقيقية، بل أيضا على القيام بدورها في التشريع ومراقبة الحكومة على الوجه الأمثل. وتطالب الجمعيات النسائية بتفعيل مقتضيات الدستور المتعلقة بالحقوق السياسية للنساء وترجمتها ضمن القوانين التنظيمية عبر التنصيص الواضح على مبدإ المناصفة وإيجاد الآليات التشريعية اللازمة لضمان الوصول إليها. كما تشدد على ضرورة تخصيص لائحة وطنية للنساء مكونة من 90 مقعدا، معززة بصيغ أخرى تضمن حضور النساء في باقي اللوائح لتحقيق الثلث في أفق المناصفة. إن الرفع من تمثيلية النساء في مراكز صنع القرار وعلى مستوى التسيير المحلي لا يتطلب فقط تعديل التشريعات ولكن يحتاج إلى مقاربة سياسية شاملة وبرامج للرفع من القدرات النسائية، وكذا تغيير الثقافة المجتمعية والحزبية وترسيخ ثقافة حقوق الانسان. وستشكل الاستحقاقات التشريعية المقبلة محكا حقيقيا للإرادة السياسية من اجل ترجمة مقتضيات الدستور التي تنص على المناصفة على أرض الواقع وإحداث تحول حقيقي يكرس الحقوق السياسية للمرأة.