بالمصادقة على دستور الفاتح من يوليوز 2011، انتقل النقاش السياسي ببلادنا بصدد المسألة الدستورية من الترافع المطلبي لإقرار دستور ديمقراطي، وهو الترافع الذي ظل يؤثث خطاب المعارضة السياسية بالمغرب منذ مطلع الاستقلال من أجل الخروج من دائرة الدساتير الممنوحة إلى مجال الدستور التعاقدي، إلى خطاب جديد، ترافعي هو الآخر، تشترك فيه أغلب الحساسيات السياسية، خطاب يطالب بتفعيل الوثيقة الدستورية. وهكذا انتقلنا من المطالبة بالإصلاح الدستوري إلى المطالبة بتفعيل الدستور.هوانتقال يؤشر على تحول في الخطاب السياسي، يوازيه تحول في طبيعة منظومة الحكم. وبغض النظر عن بعض المواقف المعلنة إزاء الدستور الجديد ، فان الاتجاه العام الذي ارتسم في الخطاب السياسي الجديد يرتبط بالمطالبة بأجرأة الوثيقة الدستورية.فأجمعت العديد من الصيغ اللغوية على هذا المطلب (التنزيل – التفعيل – التطبيق – الأجرأة…) الذي يترجم إحدى السمات البارزة لمغرب ما بعد 20 فبراير بعد إقرار المنهجية الديمقراطية بموجب الفصل 47 من الدستور، والتي أفضت إلى تنصيب حكومة عبد الاله بنكيران . ولعل شعار "المنهجية الديمقراطية" يلخص إحدى المطالب المترتبة عن سيرورة التناوب التوافقي التي ساهمت في التحول المذكور.وهو ما يعني بالنتيجة، وبتحليل الوقائع التاريخية، أن مسار الإصلاح الديمقراطي لم يبدأ عشية 20 فبراير. وقبل ذلك ينبغي التذكير بأن مطلب الإصلاح الدستوري ارتبط ، تاريخيا، بالصراع السياسي الذي خاضته قوى المعارضة المغربية ضد النظام. وقد عكس هذا المطلب قصة التوتر، والعنف، والعنف المضاد الذي عاشه المغرب سنوات طوال في صراع متشنج بين شرعيتين شرعية الحكم الملكي من جهة، وشرعية الحركة الوطنية، والديمقراطية، من جهة أخرى. وقد كانت دعوات مقاطعة الدساتيرالممنوحة، أو الدعوة للتصويت ضدها، تعبيرا واضحا من لدن أقطاب المعارضة يفيد رفضها الواضح للاستفراد بالحكم، ولأسلوب إدارة الدولة. ومع ذلك، يستوجب القول بأن منطق القبضة الحديدية الذي انتهجه النظام المغربي لعقود طويلة لم تكن لتعطل إجراء الاستفتاءات حول الدستور (خمسة دساتير مابين 1962 و1996 أي بمعدل دستور في كل 10 سنوات) ولو شكليا، لأن نتائجها كانت محسومة سلفا، ولم يكن النظام ينتظر ، طبعا، نتائج الاقتراع حتى يتحقق من الإرادة الشعبية.بل كان الهدف في كل مرة، إعلان شوط جديد من المبارزة السياسية بين القطبين بحثا عن توافقات ممكنة، أو تعاقدات محتملة.. إلى أن تم التوافق حول دستور المرحلة الانتقالية (دستور 1996)، بالصيغة المعروفة، بعد تصويت قطب المعارضة ب"نعم" المعروفة في التاريخ السياسي المغربي ب "الإشارة الايجابية". ومع دستور 2011،( الدستور السادس للمملكة) سيتكرس الاختيار الدستوري كحلقة جوهرية ضمن حلقات إصلاح المنظومة السياسية بالمغرب. بما يعني، أن الوثيقة الدستورية الجديدة ستدخل الفرقاء السياسيين إلى مختبر "التأويل الديمقراطي" بما يعنيه من صراع بين مرجعيات وخيارات ورهانات مختلفة. ولعل هذا ما يفسر جوهر الصراع الذي وسم العديد من الملفات المطروحة في أجندة استكمال القوانين التنظيمية، وكذا على مستوى تفعيل مقتضيات الدستور في العديد من المجالات. غير أن المسار السياسي لمغرب ما بعد 2011 سيعرف فرملة واضحة لمنطوق الوثيقة الدستورية الجديدة، وتعطيلا للعديد من المقتضيات ، بل وتراجعات على مستوى الدينامية السياسية التي أفرزت هذه الوثيقة. فهل يكفي أن يتحقق التعاقد الدستوري لكي نطمئن على حاضر ومستقبل البلاد..؟ ولنا أن نتساءل اليوم بعد مضي أزيد من أربع سنوات عن إقراره… ماهي الآثار الايجابية المترتبة عن دستور 2011، وهل ساهم حقيقة في إحداث القفزة النوعية في أداء النخب، والمؤسسات، ونظم الحكامة؟.