* أردتم للندوة الدولية "التفكير في إفريقيا كأفق للمستقبل"، التي احتضنت الأكاديمية أشغالها في إطار دورتها ال43، أن تكون منتدى فكريا لتحفيز تفكير مغاير عن إفريقيا نابع من إفريقيا، فهل برأيكم حققتم هذا الهدف عبر مجموع المحاضرات المقدمة ضمن أشغال الندوة ؟ ** في واقع الأمر، يمكن اعتبار هذا الهدف هدفا أو رهانا ثانيا من اختيار موضوع التفكير في إفريقيا، بالنظر إلى أن الرهان الأساسي والأول للأكاديمية، كان بعث الأكاديمية من جديد هي التي عاشت سنوات من شبه سبات لأسباب متعددة. فإذن الرهان هو منح انطلاقة جديدة للأكاديمية تماما وفقا للتعليمات الملكية باتجاه استعادتها لإشعاعها السابق وكذلك مساهمتها في خلق الإشعاع للمغرب. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، اختارنا بالفعل موضوع "إفريقيا كأفق للتفكير"، وهو موضوع يسجل هذه الانطلاقة الجديدة للأكاديمية. وفي هذا السياق، اقترحنا الموضوع على جلالة الملك، الذي شجعنا على اعتماده محورا للندوة بالنظر إلى أهمية وجدة زاوية مقاربة موضوع إفريقيا. إذ إلى حد الوقت الراهن، التفكير في إفريقيا هو تفكير سلبي. واشتغالنا على محور الندوة والتهييء له أكد قناعتنا بوجود طاقات شابة فكرية وثقافية وعلمية ومتخصصة وذات خبرة لها كامل الاستعداد والرغبة لأجل الإسهام في تغيير هذا التفكير السلبي حول القارة السمراء. وهو ما أبرزته أشغال الندوة وعكسته مخلتف المحاضرات المقدمة في إطارها. إذا كنا قد نجحنا في تمرير الرسالة الأساسية، التي ركزنا الاهتمام عليها والمتعلقة بإمكانية تحقق تفكير جديد ومغاير وتفاؤلي حول مستقبل إفريقيا، فإن القول، مع ذلك، كتقييم مبدئي لأشغال الندوة، بأننا نجحنا بنسبة عالية في تحقيق هذا الرهان بشكل تام سيكون من باب الادعاء والتنطع. إذ يلزمنا بعض الوقت لنرى تداعيات وتأثيرات هذه الندوة، التي لا نريدها وقتية رهينة بمدة انعقاد الندوة وإنما ممتدة في الزمن لمزيد من التحفيز والتبني لفكرة الطموح لأجل تفكير أكثر إنصافا واعترافا بإفريقيا. لكن، مع ذلك، يمكن القول إننا نجحنا في مهمة إشاعة رسالة أساسية أثناء أشغال الندوة مررناها إلى المثقفين والفاعلين السياسيين وأصحاب القرار السياسي، الذين شاركونا الأشغال حضورا أو مساهمة، والتي مفادها أنه بالإمكان أن تكون إفريقيا موضوع تفكير إيجابي ومثمر ومنصف نابع من أبناء القارة ذاتهم. وأن إفريقيا هي مستقبل العالم لما تزخر به من مقومات داخلية متعددة تؤهلها لأن تأخذ بناصية العالم باتجاه النماء في حال نجح أبناؤها في إيجاد الحلول الكفيلة لتجاوز مجموع الإكراهات والمعيقات، التي شكلت باستمرار كوابح أمام إقلاع القارة. وأخذنا على عاتقنا، ونحن نهيء للندوة التوجه نحو الطاقات الإفريقية، التي تشاطرنا هذا الإيمان وهذه القناعة. وقد أشار عدد كبير من المحاضرين في مداخلاتهم إلى وجود شتات إفريقي مؤمن بمستقبل إفريقيا، بل هناك أطر وطاقات وكفاءات إفريقية أدارت ظهرها لكافة الامتيازات التي يمكنها الحصول عليها عند الغرب وفضلت العودة إلى أقطارها الأصلية للمساهمة من الداخل في بناء مجتمعاتها الأصلية. وهذا تحديدا ما يحفز ويبعث على الأمل بشأن مستقبل إفريقيا، التي ظلت لعقود ومازالت تعيش التهميش التاريخي بسبب الصورة النمطية حولها كمنبع للتخلف والأمراض المختلفة والجهل. * دائما في سياق "الانبعاث" الذي تعيشه الأكاديمية، ما هي الخطوات المقبلة، التي سطرتها لاشتغالها على واجهة الإشعاع الفكري للمغرب؟ ** دائما تشتغل الأكاديمية على تحقيق الإشعاع الفكري للمغرب. وهناك هدف أخر، نتمنى أن ننجح في تحقيقه يتعلق بألا تقتصر الأكاديمية على أن تكون مؤسسة للتكوين، ولكن أن تتحول إلى مؤسسة تستقطب وتحتضن وتشجع الطلبة الأكاديميين، الذي حققوا مسارا أكاديميا مهما ومميزا، على خلق شبكات تواصل مع الأكاديمية ليصبحوا سفراء الفكر والبحث في بلدانهم. البداية كانت مع طلبة أكاديميين من إفريقيا، وغدا سنتوجه إلى نظرائهم من الإفريقيين الموجودين بدول أمريكا اللاتينية. وقد أجرينا مجموعة من الاتصالات في هذا الاتجاه تنقيبا عن أطر أكاديمية ضمن الشتات الإفريقي بهذه البقعة من العالم. وواجهتنا بعض الصعوبات سيما في ظل غياب روابط وتبادلات ثقافية وفكرية وعلمية بين المغرب و بلدان أمريكا اللاتينية. وهو ما نؤسس له الآن. أيضا، وهذه مسألة مهمة لابد من الإشارة إليها، ونحن قيد التهييء للندوة، لم نتوجه، كما هو دارج عادة في المؤتمرات والندوات التي تُعقد بالمغرب، إلى الدول الناطقة بالفرنسية أو لغتها الثانية هي الفرنسية، بل دعونا كذلك البلدان الناطقة بالأنجليزية، في انفتاح أكبر على أقطار إفريقيا المقسمة لغويا إلى تلك الفرنكوفونية والأخرى الأنجلوساكسونية، التي كنا بحاجة إلى أن تطلع أكثر على المغرب وإلى أن نجذبها لتعرفه بشكل أعمق. بل قد تمكنا من الدفع بها نحو تغيير نظرتها عن المغرب المبنية على الجهل والنمطية. وفي حال نجحنا في تحقيق هذا الهدف، فبكل تأكيد نجحنا في رهاننا الأساسي المتصل بأن تلعب الأكاديمية دورها الإشعاعي للمغرب على الواجهة الفكرية. * انصبت المحاضرات التي تم تقديمها ضمن أشغال الندوة على تشخيص واقع إفريقيا والكوابح التي عطلت تبوأها مكانة جيدة ضمن المنتظم الدولي، فهل قدم المحاضرون بالموازاة مقترحات أفكار منبثقة عن خبراء ومفكرين لصناع القرار السياسي للاستفادة منها ولاعتمادها في بلورة استيراتيجيات أو سياسيات؟ ** بالفعل، كانت هناك مقترحات أفكار، وهي مجرد أفكار وليست مقررات ملزمة، لأن الندوة ليس لها أن تتدخل في ما هو سياسي بقدر ما يمكنها أن تكون مشتلا للأفكار والمقترحات، التي يمكن الاستئناس بها. ما نطمح إليه في الواقع، هو إشاعة ثقافة التفكير المشترك والجماعي، وكذلك، أن يُصبح المثقف صاحب تأثير على السياسات العمومية لبلده من خلال الأفكار التي يُنتجها، ويمكن أن تكون بوصلة ومصدر إلهام للسياسي وصانع القرار السياسي وواضع السياسات العمومية. ولي اليقين أن المحاضرين المشاركين في الندوة سيلعبون دورا محوريا في بلدانهم وسيعملون ليكون لهم تأثير في المقبل من الأيام. * كنتم تحدثتم في افتتاح أشغال الندوة حول طموحكم لإعادة هيكلة الأكاديمية وتعديل الإطار القانوني المنظم للأكاديمية. هلا تفصحون أكثر عن هذا الطموح؟ ** الأكاديمية محدثة بموجب ظهير ملكي، وبالتالي، لا يمكن إحداث أي تغيير هيكلي على هذا المستوى. فيما قصدت بإعادة الهيكلة تحقيق انفتاح أكبر للأكاديمية على الفعاليات البحثية المغربية كي لا تظل فضاء مغلقا ومعزولا عن الحركية الفكرية والثقافية والسياسية التي يعيشها المغرب. وعزمنا أن نجعل من الأكاديمية دارا للفكر الحر والمتحرر. * أيضا، في سياق الانفتاح، تحدثتم عن توجهكم نحو استقطاب الكفاءات والخبرات الأكاديمية. كيف ذلك؟ ** هنا أيضا تشكيلة الأكاديمية محددة ضمن مقتضيات الظهير المحدث لها، وتتضمن 30 عضوا مغربيا ومثلهم من الأجانب. وأما الاستقطاب، التي قصدته، فيتعلق بتعويض أعضاء المؤسسة، الذين قضوا رحمة الله عليهم. وهو ما يتطلب شيئا من الوقت. * هذا التعويض، سيحترم مقتضيات التأنيث والتشبيب وفق ما ينص عليه الدستور؟ ** هذان المستلزمان، سواء تعلق الأمر بالتمثيلية النسائية ضمن تشكيلة الأكاديمية أو تمثيلية الشباب، حاضران منذ التأسيس الأول للمؤسسة بما يتماشى والمعايير المتحكمة في الانتماء إلى عضوية هذه المؤسسة الفكرية والعلمية العريقة. ولاحظتم إني أوكلت مهمة رئاسة الجلستين الافتتاحية والاختتامية لعضوة الأكاديمية، رحمة بورقية. * في هذا السياق، اسمحوا لي بأن أسجل الملاحظة التالية: هناك فقط 6 محاضرات نساء من أصل 54 محاضرا رجلا؟ ** ليس لنا في هذا الأمر أي دخل. ولم يكن مقصودا. بل قد وجهنا الدعوة إلى عدد كبير من النساء ليكن معنا، لكن الكثير منهن اعتذرن لأسباب مختلفة قد يغلب عليها الخوف من الوجود بهذه القلعة العتيدة، التي ظلت سنوات طويلة منغلقة على نفسها. لكن، أنا متأكد أننا سنوطد الروابط مع الكفاءات النسائية في المستقبل ونكسر حاجز الخوف النفسي هذا. * أيضا، في إطار الخطة الانفتاحية للأكاديمية، ما موقع المؤسسة من مختلف الأوراش الإصلاحية، التي يخوضها المغرب حاليا؟ ** بكل اختصار، الأكاديمية هي فضاء للتفكير الحر والمتحرر في جميع ما يروج في البلد. لكنه التفكير الهادئ والمتبصر، بالنظر إلى أن الأكاديمية مترفعة عن الالتزامات والتجاذبات. وأسوق هنا مثال الرأي، الذي قدمته الأكاديمية بشأن الهندسة اللغوية في التعليم وفق الرؤية الإصلاحية للتربية والتعليم، التي أنجزها المجلس الأعلى للتعليم. وقد كان رأي الأكاديمية إيجابيا بشأن الهندسة اللغوية معتبرين إياها تحمل حلا لمشكل لغات التدريس بالمغرب. أجرى الحوار مع عبد الجليل الحجمري أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية: فطومة النعيمي