على بعد أقل من 24 ساعة من افتتاح الحديقة الجديدة للحيوانات بالرباط يوم الجمعة الأخير، الدهانات كانت لاتزال رطبة، إذ إن الأشغال جارية استعدادا لاستقبال أول الزائرين صبيحة السبت. عشرات الأمتار بين البوابة الرئيسية والمدخل المفضي إلى المناطق، التي حرص المصمم السنغافوري على أن تحاكي الطبيعة، تستقبل الزائر عمادات جلها صنع من الخشب ونافورات ماء لتحفز خياله لما سيستقبله بعد أداء تذكرة الخمسين درهما والمرور عبر حواجز إلكترونية لتدخل بعدها عالم أطلق عليه عنوان: «ملاقاة البرية». السافانا بقلب العاصمة بمجرد أن تلج قدماك المدخل الثاني بعد البوابة الرئيسية، حتى تجد أمامك جبال الأطلس، لافتة تشير إلى المنطقة تمتد على طول البصر تتشكل من هضاب وبحيرات. هذه المنطقة الأولى تحوي الحيوانات المنتشرة على طول التراب المغربي أساسا الطيور دون استبعاد بعض الاستثناءات. يهدف إنشاء الحديقة الجديدة إلى إبراز الغنى والتنوع في أشكال الثروة الطبيعية، حيث يتوفر المغرب على أزيد من أربعين نظاما إيكولوجيا، سينعكس على طبيعة الحيوانات المعروضة حاليا سواء كانت إفريقية أو صحراوية. بالموازاة مع ذلك لن تغيب الأبحاث العلمية عن الحديقة حيث سيتم إحداث مركز دراسات لإنتاج المعرفة العلمية حول أصناف الحيوانات عموما والمهددة بالانقراض خصوصا. التركيز على الأصناف المغربية يبدو واضحا في منطقة جبال الأطلس والمنطقة القاحلة خصوصا. حضور لافت لأسد الأطلس، الخراف البربرية، المها وأبو منجل الأصلع حيث يأوي المغرب آخر هجراتها البرية القابلة للحياة في العالم بأسره. ينضاف إلى منطقتي جبال الأطلس والمنطقة القاحلة، منطقة تقع في قلب الحديقة هي السفانا، حيث تم التركيز على جعل الفهود مثلا حرة طليقة يسهر على رعايتها مروض متخصص وحتى تغذيتها تم زرعها في المكان. نفس الشيء تتمتع به الحيوانات المجلوبة من الأدغال الإفريقية لتنعم بأجواء مشابهة لطبيعتها الأصلية، ففي هذه المنطقة لا يحد من حرية وحيد القرن أو الزرافات سوى حواجز طبيعية: «حتى السياجات تم إخفاؤها بعناية خلف صخور تبدو كأنها طبيعية من الموقع، لكن تم جلبها ووضعها لتعطي جمالية للمكان» يقول جواد بنشمسي مهندس بالحديقة الجديدة. أما المناطق الرطبة والاستوائية، فلم تشكل استثناء عن باقي المناطق، فقد روعي الانسجام بين الحياة البرية الأصلية والخاصيات الطبيعية التي تم إنشاؤها. بعض التجهيزات ما زالت لم تكتمل كلية حيث لايزال المكان المخصص لفرس البحر غير مهيأ بعد لكن الطيور المتنوعة تشكل وحدة جمالية في البحيرات الكثيرة المنتشرة بالحديقة. وجها لوجه الإحساس الذي يشد الزائر وهو يتجول بين ردهات المكان، يأخذه مباشرة إلى أجواء المناطق التي تم جلب الحيوانات منها من مختلف بقاع العالم، وخصوصا الأدغال الإفريقية. الاهتمام بالمجال الطبيعي والأصلي للحيوانات الموجودة بالحديقة، أدى إلى محاولة استجلاب نفس المقومات المؤثثة لبيئتها الأصلية حتى لا تحس بغربة بعاصمة المملكة: «الشكل النهائي للحديقة لم يكتمل، بحيث إن المجال الطبيعي لمختلف الحيوانات يحتاج لسنتين أو ثلاث حتى تظهر الحياة النباتية التي مهدنا لها منذ مدة قصيرة فقط» يقول عبد الرحيم الصالحي المدير التقني للحديقة. المكان المفتوح هي الفكرة التي يقوم عليها تصميم الحديقة على عكس الهندسة القديمة: «كان هناك حيوانات في أقفاص ضيقة لا تراعي خصوصياتها المعاشية» يقول عبد العظيم الحافي المندوب السامي للمياه والغابات بصفته رئيس مجلس إدارة الحديقة. المطلوب من الزائر أن يندمج في هذه الأمكنة المفتوحة ليغوص في الوسط الطبيعي لعيش هذه الحيوانات. فمفهوم النظم الاصطناعية تم استبداله بإنشاء نظم إيكولوجية تنسجم مع المناخ المغربي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تروم الحديقة الجديدة أن تصبح وجهة جذب عبر عرض مختلف الخبرات والوسائل الترفيهية والتعليمية التي تستهدف كلا من الأطفال والبالغين، وتستجيب لمختلف درجات فضول الزوار، مع توفير دليل «معرفة وفهم حسب الطلب». مسارات عديدة يمكن أن يتخذها الزوار حسب الوقت الذي يحددونه لزيارة الحديقة، فهناك مسارات مختصرة عوض المسار الأطول الذي يشمل التمتع برؤية كل ما تحفل به الحديقة وهو ما قد يتطلب ساعات عديدة. أما المذهل حقا، هو وجود حيوانات شرسة من قبيل الفهود في مكان مفتوح: «كنوع من منصات للعروض المسرحية فيها الزوار متفرجون» يشرح المهندس بنشمسي، على بعد أمتار معدودات. لا وجود للخطر حسب مهندس الحديقة: «فالأمر محسوب بطريقة علمية، هناك حفر إما رملية أو مائية كفوارق بين الحيوانات والزوار، وفي الحالات القصوى هناك حواجز كهربائية خفيفة تعيد الحيوان إلى طبيعته إذا ما أصابه هياج مفاجئ». عشرة أثمنة أغلاها 50 درهما جمالية المكان وجهود المندوبية السامية للمياه والغابات من جعل الحديقة الجديدة منتزها ترفيهيا وتعليميا، لم يخف عن أذهان المسؤولين الصعوبات التي يمكن ملاقاتها في تطبيق ثمن معين: «نحن مؤسسة عمومية لا تروم الربح، وبالتالي تحديد خمسين درهما تم على أساس ضمان موارد جزئية تسمح بتسيير عاد للمرفق بالإضافة إلى أننا حددنا عشرة أثمنة مختلفة تتناسب وكل شريحة من المواطنين، فمثلا هناك ثمن خاص بالمؤسسات التعليمية وذوي الاحتياجات الخاصة... إلخ» يشرح عبد العظيم الحافي، المندوب بصفته رئيس مجلس إدارة الحديقة. خمسون درهما للتذكرة لن يكون وحده موردا كافيا، حيث يتوقع المندوب السامي جلب حوالي 600 ألف زائر في السنة الأولى من بين طاقة استيعابية تصل إلى حدود أزيد من مليون سنويا. لكن الإدارة لن تعتمد على مداخيل الزوار فقط، فالحديقة ستراهن على حقوق الرعاية التي وقعتها مع شركات دافعها الأساسي لاتخاذ خطوة كهذه هو حماية البيئة التي تساهم فيها الحديقة الوطنية. بالإضافة إلى عقود الرعاية الموقعة مع شركات مغربية، ستطلق المندوبية السامية للمياه والغابات طلب عروض لشغر المطاعم والأماكن الترفيهية: «قبل عدة شهور قمنا بزيارة بعض المهتمين بالمطاعم وأماكن الترفيه، ولكن حماسهم كان خافتا لأنهم وجدوا أمامهم ورشا مفتوحا، أما الآن فإن الكثيرين منهم أبدوا رغبتهم في تقديم عروض مهمة» يؤكد الحافي. في سبيل ترشيد النفقات والحفاظ على المستوى الجيد للخدمات بالنسبة لزوار الحديقة، قامت الإدارة بتفويت جميع الخدمات لشركات مناولة حتى تركز جهودها على تطوير محتوياتها من الأصناف. حديقة ليلية في الأفق خمسون هكتارا هي المساحة الإجمالية التي تضم الحديقة داخل الحزام الأخضر قرب المركب الرياضي مولاي عبد الله. فقط 27 هكتارا هي التي تم استغلالها وذلك في أفق: «إنشاء حديقة ليلية تضم الحيوانات التي تعيش في هذا الوقت فقط. لقد قمنا بإنشاء البنيات التحتية الأولية اللازمة، ولكن التجهيزات الملائمة تتطلب اعتمادات مهمة لا نتوفر عليها الآن، وهو ما سنحاول الوصول إليه في السنوات القادمة» يشرح الحافي. قبل ذلك، تخصيص افتتاح الحديقة من التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء: «يمكن تجاوز هذا الحيز الزمني خصوصا مع وجود مطاعم قد يتم فتح أبوابها حتى ساعات متأخرة من المساء في وجه الزائرين، مع احترام خصوصية الحياة النباتية الحيوانية للحديقة» يضيف الحافي. مصطفى بورقبة