تجتمع في النجم الأمريكي بيل موراي، الذي كرمه مساء أمس المهرجان الدولي للسينما بمراكش في دورته الخامسة عشرة، مواصفات الفنان الحقيقي الأصيل الذي برع في فن الكوميديا، وإن جعل منه أكثر من مجرد فرجة، بل رؤية تأملية ساخرة ذات عمق فكري وإنساني رفيع. برع بيل موراي في جميع الأجناس التمثيلية، واشتهر كفنان كوميدي متميز، لكنه حرص دائما على اختيار أعمال تبدو فيها الحبكة الكوميدية والمواقف العبثية مدخلا مفجرا للأسئلة حول وضع الكائن الانساني المعاصر. ففضلا عن موهبته الفذة والكاريزما الاستثنائية وخفة الظل التي يتميز بها، يختار موراي أدواره بعناية، ويحضرها بجدية ليؤدي الشخصيات التي يرشح إليها بروعة وإتقان. تميز موراي، منذ بداية مسيرته الفنية إلى اليوم، بأدائه الرائع لمختلف الأدوار التي قدمها في أفلامه مع كبار المخرجين أمثال ويس أندرسن، جيم جارموش وتيم برتن، حيث عود المشاهد على اختياراته الناضجة واجتهاده في إدارة أدواته وتقنياته الفنية. وحرص بيل موراي، طيلة هذه السنوات، على أن ينحت لنفسه مسارا خاصا به بين النجوم، ملفتا الأنظار مع كل دور جديد يقدمه، ولعل أغلب أفلامه تشهد له بتميزه وذكائه وحسه الفني. فمنذ أعماله الأولى ك"صائدو الأشباح" الذي كان ناجحا على المستوى الجماهيري، مرورا بالعديد من الأفلام الأخرى والشخصيات التي تقمصها، حقق موراي نجاحا كبيرا لدى الجمهور والنقاد على حد السواء. "إس أو إس فانتوم" و "توتسي" و"هايد بارك في هادسن" و"زهور مكسورة"…عناوين أفلام لم يتخيل الجمهور أي ممثل آخر يؤديها غيره. اشتهر موراي كذلك بتلقائيته وقدرته على الارتجال وتغيير مضمون الجمل الحوارية، وقد لمعت موهبته في فيلم "ضائع في الترجمة"عام 2003 وهو من تأليف وإخراج صوفيا كوبولا، وهو العمل الذي وافق على القيام ببطولته بمجرد أن قرأ السيناريو الذي أثار إعجابه لكونه يتناول بشكل مختلف جملة أفكار ومشاعر عن الوحدة والاغتراب والقلق والملل. وقد رشح لجائزة الأوسكار عن هذا الدور، لكنه لم يحصل عليها مما أثار استياء عدد كبير من جمهوره الذين رأوا أن حصوله على الجائزة نوع من التكريم الذي يستحقه. يصف الكثير من النقاد أداء موراي بالصدق وعدم الافتعال، فخلال مسيرته الفنية، ظل هذا الفنان القدير يعرف دائما ماذا يريد، ومع كل عمل جديد يتحدى قدراته وموهبته، وكأنه يريد أن يهمس لجمهوره بأن النجاح في السينما هو اجتهاد ومثابرة وموهبة حقيقية بعيدا عن زيف الأضواء. بعض أفلام موراي كتبت بلغة سينمائية مرحة، وأعمال أخرى تحضر فيها بعض من السخرية اللاذعة، وهي أعمال فنية قدمت أكثر من مجرد كوميديا لأنها تملك أفكارا عميقة نجح في إيصالها بأسلوب محبب وقريب إلى الجميع. لقد كانت جل أعمال بيل موراي عبارة عن كوميديا ذكية سواء على صعيد الموقف أو على صعيد الحوارات التي تخدم مضمون قصة الفيلم، والتي تعلن منذ المشهد الأول أن الجمهور سيمر معه بتجربة فنية استثنائية. وفي السنوات الأخيرة أصبح النجم الكبير، بيل موراي، يركز أكثر على الأدوار الدرامية، حيث أوضح في أكثر من مناسبة أن ندرة الأدوار الكوميدية التي يقدمها حاليا تعود إلى أن الأفلام تغيرت بشكل عام وأن الكوميديا الموجودة حاليا مختلفة عما اعتاد تقديمه من قبل. نجم من العيار الثقيل هكذا هو بيل موراي، يراهن على موهبته، ويكسب الرهان دائما ليبهر جمهوره مع كل دور جديد، عاشق للسينما حيث استقر الفن السابع في وجدانه وعقله، فأحسن سبكه أداء وحضورا، ويبقى تواجده المتواصل على الساحة الفنية مكسبا كبيرا، فهو من الممثلين الذين يستطيعون ترك بصمة سينمائية خاصة بهم في كل عمل فني جديد. يشار إلى أن بيل موراي ولد في 21 شتنبر 1950 في مدينة ويلميت بولاية إلينوي، لم يكمل موراي دراسته، ولكن ذلك لم يمنعه من أن يصبح نجما كبيرا. كان أول ظهور له على الشاشة من خلال "ساتيرداي نايت لايف" عام 1970. اشترك مواري منذ نهاية الثمانينات حتى التسعينات في أفلام كوميدية كثيرة، حتى عام 1993 الذي يعتبر أحد النقاط الهامة في حياته بعد أن قام ببطولة "غراوندهوغ داي". حصل سنة 1977 على جائزة الإيمي لأفضل كاتب سيناريو لمسلسل كوميدي عن مسلسل "ساتيرداي نايت لايف"، كما حصل في مجال التمثيل على جائزة نقابة ممثلي الشاشة وجائزة الأكاديمية البريطانية لفنون الفيلم والتلفزيون عن دوره في فيلم "ضائع في الترجمة" عام 2003.