(إعداد : جمال الدين بن العربي) أوسلو/27 نونبر 2015/ومع تعرف النرويج مثل باقي البلدان الاسكندنافية وشمال أوروبا تدفقا كبيرا للاجئين القادمين على الخصوص من بلدان عربية وآسيوية، وسط تخوف المنظمات غير الحكومية من تراجع الحكومات عن استقبال المهاجرين الفارين من الحروب بفعل ضغط اليمين المتطرف. ويبرز التطوع لدى النرويجيين والمواطنين من ذوي أصول أجنبية، ضمن عمل يروم ممارسة فعل إنساني، خاصة مع اتخاذ قرارات حكومية بتشديد الإجراءات المتعلقة بالهجرة. وتوجد العديد من المنظمات غير الحكومية المعنية بتقديم المساعدة للاجئين في النرويج، لكن يبقى التطوع السمة البارزة لدى الكثيرين ممن يرغبون في تقديم المساعدة لتجاوز الأزمة الحالية، وذلك عبر تخصيص ساعات يومية للتكفل ببعض المهام، من قبيل التطوع لجمع الملابس والمواد الغذائية والمساعدات العينية. ويبقى التواصل بين إدارة الهجرة بالنرويج واللاجئين إحدى أهم مجالات التطوع المساعدة على تقريب الهوة وشرح الوضع بشكل كامل نظرا لعدم إتقان اللاجئين الجدد للغة النرويجية. ومن بين المتطوعين من أصول أجنبية مايا السعود، الباحثة والكاتبة السورية المقيمة في هذا البلد الاسكندنافي، والتي آثرت أن تخصص كثيرا من وقتها لمساعدة اللاجئين القادمين من بلدها الأم سورية أو العراق أو بلدان أخرى على التواصل مع إدارة الهجرة. تقول مايا السعود، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن التطوع سمة أساسية في المجتمع النرويجي، وظهر بقوة مع التدفق الكبير للاجئين القادمين من بلدان تعاني من الحروب. ويتم القيام بمحاولات لدمج اللاجئين، ولكنهم غير جاهزين نفسيا، تقول مايا السعود، لأنهم يعانون من الفظائع التي عاشوها في الطريق فهم محتاجون للعلاج النفسي وللتواصل لشرح وضعياتهم. "إنهم جاؤوا للبلاد قسرا لا طوعا"، تضيف السعود، و"أنا أقوم بالمساعدة عبر التطوع لكي نخفف عنهم ولإيجاد الحل لهم، مع العلم أن التطوع يرفع من قيمة الإنسان". وأكدت أن الأجانب الآتين للبلاد بشكل عادي بغية استكمال الدراسة أو العمل يجدون صعوبة في الاندماج فما بالك باللاجئين الذين يحملون معهم مشاكل وفظاعات ناتجة عن الحروب التي عاشوها، وبعضهم ترك عائلته وذويه هربا من الموت المحقق. ولم تخف السعود خشيتها من أن تشكل الصعوبات الاقتصادية في المنطقة الاسكندنافية عموما والنرويج خصوصا عاملا كبيرا في عدم استفادة اللاجئين من وضع جديد، خاصة مع صعوبة إيجاد المساكن لهم والبطالة التي تسجل أرقاما مرتفعة. ويأتي هذا التخوف بعد أن سجلت إدارة الهجرة النرويجية (يو دي إي) حاجتها لتوفير 100 ألف مكان لإقامة اللاجئين خلال سنة 2016، في محاولة لاستيعاب العدد المتزايد من طالبي اللجوء الحاليين والمتوقعين. كما يأتي ذلك بعد أن أكدت بيانات رسمية أن معدل البطالة في النرويج سجل أعلى مستوى له منذ عشر سنوات، إذ استقرت في شهر شتنبر الماضي عند 4.6 في المائة. وبحسب المحللين، فإن ارتفاع نسبة البطالة بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة يرجع، على الخصوص، إلى انخفاض أسعار النفط والغاز، وهو القطاع الذي يمثل أكثر من 50 في المائة من صادرات البلاد. وتعد النرويج أكبر منتج للنفط الخام في أوروبا الغربية ومن الدول الرائدة في المجال النفطي على المستوى العالمي، ويساهم قطاعا النفط والغاز بنحو 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبالرغم من ذلك، فإن هناك متطوعين آخرين مثل محمد خورشيد اللاجئ من أصول أفغانية، الذي تطوع، بدون أن يطلب منه ذلك، لمساعدة اللاجئين القادمين من باكستان وأفغانستان، وهي المساعدة الإنسانية التي افتقدها في مرحلة معينة حينما حل بالنرويج. خورشيد، كما يحب أن ينادى عليه، اعتبر أن عمله التطوعي نابع من قلق لديه من أن اللاجئين القادمين من منطقة متدنية التعليم سيجدون صعوبات كبيرة في شرح وضعياتهم وتحقيق الاندماج بسرعة رغم أن الوضع الاقتصادي الحالي قد يشكل عائقا في ترتيب مستقبل مغاير. ويحب خورشيد المساهمة من خلال جمع المساعدات المادية، خاصة مع إقبال فصل الشتاء الذي تعرف فيه درجات الحرارة انخفاضا كبيرا قد تصل إلى حد لا يمكن معه تلبية كل الحاجيات. إنه البعد الإنساني، يقول هذا الأفغاني، والإحساس بالآخر القادم من أوضاع، لا يمكن لأشخاص آخرين تصورها .. وافد تحدى مسافات وانتقل من بلد إلى آخر بحلم الوصول إلى دولة أوروبية تستقبل عن طواعية أشخاصا ارتطمت أفراحهم بحائط الحروب. خورشيد كغيره من المتطوعين، تبين له من خلال تفاعله مع اللاجئين، أن المستقبل سيكون مغايرا للوضع الذي عاشه، بفعل السياسات الجديدة للهجرة، مشيرا إلى الاتفاق الأخير للأحزاب السياسية النرويجية باتخاذ قرارات متشددة قد تحول دون وصول لاجئين جدد. وكانت الأحزاب النرويجية (الائتلاف الحكومي والمعارضة) قد اتفقت على إعادة اللاجئين الذين تم رفض طلباتهم إلى بلدانهم أو إلى بلد ثالث آمن، داعية إلى التقليص من المساعدات الاجتماعية المخصصة للاجئين لتماثل تلك المعتمدة في البلدان المجاورة. كما يشمل الاتفاق الحد من فرص الحصول على تراخيص الإقامة الدائمة، والتشدد في شروط التجمع العائلي لمن يتوفرون على الإقامة، والدعوة إلى توفير المواد المالية اللازمة لإدارة الهجرة والشرطة لتنفيذ عمليات الترحيل التي يتم الانتهاء منها. ومن المتوقع أن يبلغ عدد اللاجئين الوافدين على النرويج خلال السنة الجارية نحو 33 ألف لاجئ، وما بين 30 إلى 50 ألف لاجئ خلال السنة المقبلة.