في الطريق من أوطيل أوكسفورد الواقع على بعد أمتار من نهر التايمز، إلى جامعة أوكسفورد المحاذية للنهر نفسه في مساره الأفعواني، الذي يرفو المدينة الملتمّة على نفسها، طفر السؤال عفويا من فم إعلامي مصري: «هو جامعة أوكسفورد أقدم من الأزهر يعني؟». لم يحر زميله، الإطار في مكتبة الإسكندرية، جوابا. بيد أن المقارنة بين الجامعتين العريقتين جعلت حرارة أحاديث التعارف بين الأكثرية من الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين العرب والقلة من الأجانب تخفت لتلامس صقيع الخارج.. فاسحة المجال للصمت كي ينوب عن التداعيات المنداحة في نفوس هؤلاء الزوار الطارئين على الفضاء الإنجليزي.. طيلة نصف الساعة بين الفندق والجامعة كانت المدينة الموصوفة ب«الثقافية» تستعرض عراقتها في صور بيوتات مبنية من الحجر المقدود، لا تتجاوز طابقين (أرضي وأول)، والمتوجة بسقوف قرميدية مثلثة. أشكال من المعمار والزخارف تعود إلى العصر القروسطي، وطبيعة خضراء زاهية تتسيد المساحات الوارفة والمنتزهات الشسيعة مستضيفة بين حناياها رقصة الحجر والبشر في توالف وتناغم سمفوني بديع، يجعل إيقاع الحياة اليومية منسابا في هدوء قدسي مثل هذا النهر الذي يسري في جسد المدينة كشريان سحري أينما خطفتك أقدامك تجده ماثلا قُدّامك. زمنيا الأزهر أسبق بقرن من الزمان. فهي ثاني أقدم جامعة (ق 10 م) مستمرة حتى الآن بعد القرويين. إلا أن تأثير أوكسفورد أعمق. عبر تاريخها ساهمت في نهضة إنجلترا ثقافيا وسياسيا إلى جانب "ضرّتها" كامبريدج. وقد كانت في أغلب محطاتها منارة للتنوير والانفتاح على شتى العلوم والاكتشافات والثقافات. وهي اليوم تعد الأولى في بريطانيا، ورابع جامعة في العالم. تنتظم في مجرتها أربعون كلية في كل التخصصات، والعديد من المتاحف والمسارح المصممة وفق الطرز المعمارية الباذخة لعصر النهضة. أما الداخل إلى رحابها فلا يملك إلا الانبهار بجلال فضائها المماثل للكاتدرائيات الفخمة في الأبهة والصمت الروحاني العميق الذي يغشاها. تشغل أوكسفورد الجامعة القلب النابض في تهيئة مدينية تفوح منها رائحة العراقة وتتنفس الثقافة عبر مشكال من المؤسسات العلمية والأكاديمية والفنية المزدهرة. مدينة تستيقظ باكرا للتريض، حتى في عز الصقيع، وتهب إلى فضاءات التعلم والدرس والتحصيل، ثم تنام باكرا بعد أن يفاجئها الظلام وعقارب الساعة بالكاد تلامس الخامسة، والملاهي قليلة جدا باستثناء باقة من البارات الصغيرة المؤثثة بشكل حميمي يدغدغ الروح. وعدا كل المباني الحجرية المصممة بذوق فني رفيع، والمغلقة على ما بداخلها، تظل المكتبات وحدها الشفافة في استعراض دواخلها من خلال لوحات زجاجية كبرى، حيث يبدو للمارة عشاق المعرفة وهم منكبون على خير جليس.