كلما اتسعت الفوارق العمرية بين الآباء والأبناء يكون هناك مشاكل كبرى على مستوى التربية والتنشئة والأفكار، لأنه لكل جيل أفكاره وطموحاته وتطلعاته، وبالتالي ينتج عن فارق العمر الكبير بين الآباء والأبناء في غالب الأحيان اختلال كبير على مستوى العلاقة بين الطرفين. عندما يصل الآباء إلى مرحلة عمرية متقدمة بعد أن مروا من مختلف التجارب والمراحل الضرورية في الحياة يجدون أنفسهم غير قادرين على تلبية متطلبات وشروط التربية السليمة وفي مقدمتها مصاحبة الأبناء، التي تضمن لهم التوازن والاستقرار النفسي، ولا يمكن أن تتم إلا حين يكون الآباء والأبناء في سن متقاربة لتتخذ العلاقة بين الطرفين شكلا من أشكال الصداقة، فيشتركان في أمور عديدة كأن يتقاسما متعة اللعب والخروج في نزهات. عجز الآباء عن مواكبة نشاط أبنائهم والتغيرات والتطورات التي يعيشونها يؤثر بشكل سلبي على هؤلاء الأبناء خاصة في مرحلة الطفولة، لأن الأبناء في هاته المرحلة يكونون في قمة النشاط والقوة والعنفوان، ويرغبون في أن يتقاسموا مع آبائهم مختلف الأنشطة التي يمارسونها، وأن يشعروا بوجود تقارب بينهم وبين آبائهم من حيث الأفكار والميولات. وتتجلى معاناة الأبناء بسبب عدم قدرة آبائهم على مواكبتهم بالشكل المطلوب وغياب التجاوب من جانبهم في شعور هؤلاء الأبناء بالحرمان من حقهم في عيش طفولة طبيعية، وبأن وجودهم غير مرحب به في حياة آبائهم، الذين لا يتفاعلون معهم ولا يمنحونهم القدر الكافي من الحنان والاهتمام، وقد تلازمهم تلك المعاناة طيلة حياتهم وفي مختلف مراحلهم العمرية، لأنهم يشعرون دوما بأنهم لم يتمكنوا من إشباع الغريزة التي تكون لدى جميع الأبناء وتتمثل في شعورهم بالانتماء إلى آبائهم. لتجنب المشاكل المرتبطة بهاته المسألة، يجب على الآباء التحلي بالوعي الكافي والانتباه والتفهم من أجل استيعاب متطلبات أبنائهم واحتياجاتهم، وأن يحاولوا التقرب منهم، ويتعلموا كيفية التحاور معهم فتلك هي الطريقة الوحيدة التي من شأنها أن تساهم ولو بشكل بسيط ومحدود في ردم الفجوة الناتجة عن فارق العمر الكبير بين الآباء والأبناء. أستاذ في علم الاجتماع