بوشعيب كرومي اختصاصي في الأمراض النفسية عند الكبار والصغار يعاني العديد من الأطفال من الخجل، بحيث تلازمهم علاماته وتطغى على سلوكاتهم، فتجعلهم غير قادرين على مواجهة أبسط المواقف التي يصادفونها في حياتهم اليومية. في الحوار التالي يتطرق الدكتور بوشعيب كرومي إلى أسباب الخجل عند الأطفال وإلى انعكاساته السلبيةعلى علاقاتهم العائلية والاجتماعية وتحصيلهم الدراسي. كيف يمكن تعريف الخجل؟ وهل هو ناتج عن عوامل وراثية أم مرتبط بأسلوب التربية؟ يعتبر الخجل واحدا من بين الاضطرابات النفسية الأكثر شيوعا عند الأطفال، لكن تتفاوت درجاته، وتختلف حدته باختلاف شخصية كل طفل، وهذا الاضطراب يكون ناتجا عن مجموعة من الأسباب. أبرز هاته الأسباب يكون شخصيا، أي مرتبطا بتكوين شخصية الإنسان منذ الولادة، بحيث يولد الطفل بمكونات وصفات تؤثر عليه داخليا وعلى حياته، فتجعله يجد صعوبة في التعامل مع الآخرين ونسج علاقات وصداقات معهم، وتكون سببا مباشرا في انعدام الثقة في النفس والقدرات، وتظهر هاته العلامات على الشخص في سنوات طفولته الأولى. قد تكون هناك أسباب أخرى وراثية، بحيث نلاحظ في كثير من الأحيان بعض علامات الخجل على آباء أو أمهات هؤلاء الأطفال، وهو ما يمكن اعتباره دليلا واضحا على أن الأبناء يرثون هاته الصفة السلبية عن آبائهم. هناك أيضا أسباب تربوية مرتبطة بالمحيط العائلي وكيفية التفاعل معه، وبأسلوب تعامل الآباء مع الأبناء الذي قد يجعلهم لا يشعرون بالأمان والثقة، وهذا يكون راجعا إلى غياب التواصل بين الطفل ووالديه، والأجواء المشحونة داخل بيت الأسرة، حيث لا يكون له الحق في التعبير عن آرائه بحرية، نتيجة خوفه من التعرض للعقاب على يد والديه أو أحدهما، إذن فالقسوة في التعامل والتربية التي تقوم على أساس القمع تكون سببا في تعميق هذا الاضطراب لدى الطفل. إلى أي حد يؤثر الخجل على التحصيل الدراسي للطفل وعلاقته بعائلته ومحيطه الاجتماعي؟ التأثيرات السلبية للخجل متعددة، فهو ينعكس أولا على النضج والنمو النفسي عند الطفل وعلى كيفية استثماره للكفاءات والقدرات التي يتمتع بها. لأن الطفل الذي يعاني من الخجل عندما يفتقر إلى الثقة في النفس، ولا يؤمن بقدرته على اتخاذ القرارات والتعبير عن آرائه بكامل الحرية، فإن ذلك سيؤثر بالتأكيد على علاقاته العائلية والاجتماعية، بحيث سيجعل الخجل من هذا الطفل شخصا منطويا على نفسه، يميل دوما إلى العزلة، وغير قادر على الاستمتاع باللعب مع أقرانه والتواصل معهم، كما سيتجنب التعامل مع الأشخاص خارج محيطه العائلي، بالإضافة إلى أنه لن يستطيع الدفاع عن نفسه في مختلف المواقف الصعبة أو المحرجة التي قد يواجهها في حياته اليومية. ينعكس الخجل أيضا بشكل سلبي على التحصيل الدراسي للطفل، لأن هذا الاضطراب سيحرمه من فرصة التفاعل مع الدرس بالشكل المطلوب، ويجعل منه متلقيا سلبيا، بحيث لن تكون لديه القدرة على المشاركة الشفوية داخل القسم، وكل ذلك ناتج عن الخوف الذي يلازمه والقلق من ألا يكون موفقا في أجوبته، نظرا لافتقاره إلى الثقة في النفس، وانعدام الثقة سيجعله يتأثر بآراء زملائه ومواقفهم حتى وإن لم تكن صائبة. كيف يجب على الآباء التعامل مع أبنائهم لتجنيبهم التأثيرات السلبية والمشاكل المترتبة عن هذا الاضطراب؟ يجب على الآباء أولا أن يكونوا واعين بخطورة هاته المسألة وبمختلف المشاكل التي قد تترتب عنها في المستقبل، وأن يعيدوا بالتالي النظر في أسلوب التربية الذي يتبعونه مع أبنائهم والسياسة التي ينهجونها داخل البيت. لذلك ينبغي على الآباء اعتماد أسلوب جديد في التربية يكون أساسه التفاهم والحوار والحرية في التعبير، بحيث لا يجب أن تقوم العلاقة بينهم وبين أبنائهم على مبدأ الطاعة فقط، بل يجب على هؤلاء الآباء أن يفتحوا باب التواصل والحوار مع أبنائهم، والسماح لهم بالتعبير عن آرائهم بحرية، حتى وإن كانت لهم آراء مختلفة تتعارض مع طريقة تفكيرهم، فمن خلال التواصل والحوار فقط سيتمكن أحد الطرفين من إقناع الآخر بوجهة نظره، وليس عن طريق القسوة والشدة التي يتبعها الآباء ويرون فيها الأسلوب الأمثل في التعامل. إذا حرص الآباء والأمهات على توفير الأجواء الملائمة للأبناء داخل المنزل، وعلى منحهم هامش أكبر من الحرية من أجل التعبير عن آرائهم وأفكارهم ومشاعرهم دون أن يمارسوا عليهم أي شكل من أشكال القمع والترهيب، فإن ذلك سيساعدهم في استعادة الثقة بأنفسهم وبقدراتهم وكفاءاتهم، كما سيجنبهم بالتأكيد تأثيرات الخجل والمشاكل المترتبة عنه والتي قد تلازمهم في المستقبل عندما يكبرون.