لم يصدر لحد الآن أي خبر عن رفع “المنع” عن آخر ما أبدعته يراعة الروائي والقاص المغربي محمد لفتح “المعركة الأخيرة للقبطان نعمت”. العمل الفائز هذا العام بجائزة “المامونية” الخاصة بالفرنكوفونيين المغاربة وجد طريقه إلى المكتبات قبل أن يختفي بالمرة. والصمت الرسمي عن استفسارات الصحافة بخصوص الرواية “المصادرة” في جنح الليل لم يزل ساريا. فيما مشروع بيان الإدانة الذي هيأه المبدع عبد اللطيف اللعبي ممهورا بتواقيع المثقفين والكتاب ينتظر ردا مقنعا من الجهة المسؤولة قبل أن يخرج إلى الرأي العام. خلف هذا المشهد اختارت مجلة “قاف صاد” نصف السنوية الصادرة عن مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب أن تكرّم الراحل محمد لفتح بطريقتها الخاصة، وأن ترفع “المنع المقنع” – كما أسماه سعيد عاهد- عن واحد من أجمل وأعمق الأصوات السردية في المغرب. هكذا أهدت هذه الفصلية إلى قرائها هدية خاصة تمثلت في تضمين العدد العاشر منها لمجموعة قصصية لصاحب “آنسات نوميديا” مترجمة على يد عبد الرزاق أوتمي. الإضمامة تحمل عنوان “شهيد من زماننا” وهو اِسم قصة (موضوعها تفجير “كازا إسبانيا” الإرهابي) مع ست أخريات موسومة ب”البائع المتجول والمومس”، “كلاب ورجال”، “المعضلة”، “محارب عاشق”، “ناقة الله” ثم “الكاتب الباحث عن شخصية”. نصوص تقرّب القارىء من العوالم الحكائية التي اشتغل عليها لفتح منذ أن ترك الوظيفة واختار التفرغ للكتابة والأدب حتى رحيله عام 2008 بالقاهرة التي فضل المكوث بها منذ عام 2000، وبدت حاضرة بقوة في عدد من أعماله لعل أبرزها “المعركة الأخيرة للقبطان نعمت” الغاطسة في لجج المثلية الجنسية. باستمرار كان النقد الفرنسي يشبّه أسلوب محمد لفتح بالمنشق الكبير جان جنيه. والحال أن كتابته تتسم حقا بالقسوة، وصبيبُ العنف فيها يبدو عاليا، غير أنه عنف يدفع للتطهر، وقسوة تغرس أنيابها عميقا في نفسية القارىء لتبعث فيه الأسئلة الصامتة، وتوقظ فيه المشاعر الإنسانية الراقدة، تلك التي بلّدتها العادات والعلاقات الاجتماعية ذات الغائية النفعية، وأسكتتها آليات التشييء المعاصرة. لن يكون مجانبا للصواب القول أن القصص ستبدو لقارئها كأنها كتبت باللغة العربية في الأصل. جودة الترجمة والروح المغربية القوية التي تطفح بها أكثر النصوص ساهما في ترسيخ هذا الانطباع، وتوليد فرضية، تحتاج بالتأكيد إلى إثبات، مفادها أن الكثير من الأقلام المغربية الكاتبة بالفرنسية هي أكثر انغراسا في تربة البلد من جزء كبير من نظيرتها الكاتبة بالعربية. هناك طبعا من “الفرنكوفونيين” من يتعاطى مع “المواضيع المحلية” بهدف إيكزوتيكي لدغدغة مخيال القارىء الغربي. لكن ثمة مبدعون عميقون لم يعنهم تسويق أنفسهم ولو “بأدب مواز” بتعبير الخطيبي وإنما كان همهم الإبداع وأسئلته الحارقة. لفتح واحد من هؤلاء.