الدار البيضاء هذه الأيام ليست الدارالبيضاء التي نعرفها0 الشوارع والآزقة الرئيسية اكتست حلة جديدة وغير معتادة، حملات تنظيف تعم الشوارع، إنارة عمومية في الليل، حركة مرور سلسلة، وأشجار تغرس لتنتزع في اليوم الموالي، واجهات مباني تطلى ب «الجير الأبيض»، وإنسيابية في حركة المرور عند التقاطعات الكبرى، خاصة في محيط القصر الملكي والإقامة الملكية، الإشارات المرورية الخضراء تصادف السائقين أكثر من الأضواء الحمراء ، جيوش من شرطة المرور تغطي حتى الأزقة الصغرى والمهملة عادة، لا توقفات لفترات طويلة ولا «كلاكسونات» ولا صوت يعلو على ذبذبات « التالكي والكي»، دوريات للضباط والسيارات والصقور، ماذا يجري ؟ لماذا لا تحافظ الدارالبيضاء على هذا الإيقاع طوال أيام السنة 0 الدارالبيضاء تستقبل طيلة هذا الأسبوع جلالة الملك، و تشهد أنحائها استنفارا كبيرا لجميع السلطات العمومية، خاصة المناطق التي يتوقع أن يحل بها الملك، عمليات تنظيف وغرس وتشذيب للمغروسات بشكل مكثف، خاصة في شارعي عبد الكريم الخطابي والمحيط، المؤديين إلى الإقامة الملكية بآنفا، كما تم توزيع عشرات عمال الحدائق، على المرافق والممرات المحيطة بالإقامة الملكية من أجل تشذيب المغروسات والأشجار وزرع الورود 0 ولاية أمن الدارالبيضاء بدورها تشهد استنفارا كبيرا، واجتماعات متتالية يرأسها المدير العام للأمن الوطني ووالي الأمن ، هدفها إعادة انتشار عناصر الشرطة المرورية، إذ تم وضع عشرات من رجال الشرطة، بغرض تفادي اختناقات مرورية، قد تؤدي إلى عرقلة المواكب الملكية ، وقد تتسبب في سقوط رؤوس أمنية، وجود مكثف لرجال الشرطة والصقور بالتقاطعات الطرقية، على طول شوارع ( أنفا، الجيش الملكي، محمد السادس ، المقاومة ، الجيش الملكي ، عبد الكريم الخطابي ، سيدي عبد الرحمان ، أم الربيع ، الكورنيش) ، إذ تم وضع شرطيين عند كل تقاطع طرقي، من أجل تسهيل عملية المرور، خصوصا في ظل الاختناق المروري بالدارالبيضاء، والناتج عن أشغال الترامواي، الذي أصبح يدفع الموكب الملكي لتغيير مساره وتجنب شوارع مثل الحسن الثاني وعبد المومن وأنوال ومحمد الخامس بسبب الأشغال المتواصلة فيها 0 حملات التنظيف والغرس وترميم الحفر في الشوارع والإنارة العمومية ، تشمل كل الأماكن المقرر أن يدشن بها الملك محمد السادس مؤسسات اجتماعية أو صحية أو سكنية، إذ تم تنظيف الشوارع وطلاء الأرصفة، كما قامت السلطات المحلية بحملات لتنظيم نشاط الباعة المتجولين، و سحب السيارات التي تعوق السير و حجز الدواب التي تجوب الشوارع، فجأة تغيرت شوارعنا، فقد بلطت الممرات والأرصفة والأعمدة بألوان زاهية، ووضعت مصابيح على جميع الأعمدة الكهربائية، وبللت التربة بالماء للحد من انجرافها ومن انتشار الغبار 0 على مدى أسبوع تقريبا سادت حركة غريبة شوارع المدينة، إذ تجند لمهمة التبليط والتنظيف والكنس، عدد لا يستهان به من عمال الإنعاش الوطني التابعين للمقاطعات وعمال شركات النظافة، لكن تلك الرتوشات، التي غيرت قليلا وجه المدينة، لم تخف مأساة ومعاناة سكان أحياء تغرق في الفقر والتهميش، تكون لديهم شعور بأنهم يعيشون في عزلة، رغم قربهم من الطريق السيار و من مركز المدينة، كما باتوا يشعرون ب «الحكرة»، وبأنهم مرفوضون في أغلب الأحيان، خاصة عند ركوب حافلات النقل العمومي أو سيارات الأجرة، ومعاينة الفرق الكبير بين أحيائهم والأحياء الأخرى 0 الإستنفار المروري والسيولة التي تعرفها حركة السير بالعاصمة الإقتصادية ، خلال الأيام الأخيرة، تصيب عددا من السكان بالذهول، لدرجة أصبحوا يتمنون معها استمرار وتكرار الزيارات الملكية، لتتحسن أحوال مدينتهم، لكنها تحيلهم أيضا على تساؤلات حقيقية، إذا كان المسؤولون البيضاويون قادرين على تقديم مثل هذه الخدمات الآن، لماذا لا يحرصون على مثيلاتها طوال أيام السنة ؟ ولماذا يتم تجاهل معظم الأحياء والشوارع البعيدة، عن مرور الموكب الملكي في الأحياء والمناطق الهامشية بشكل فظيع ؟